محمد حسنين هيكل وعادل حمودة كلاهما وضع أسس مدرسة معاصرة فى الصحافة المصرية، وكلاهما أضاف للتجربة الصحفية على صعيديها الخبرى والمقال السياسى. لقد كنت دائماً أعتقد أننى سعيد الحظ لأننى أعاصر تجربتين مهمتين فى الصحافة، وشرفت بالعمل مع إحداهما (صحيفة الفجر)، ولكن يبدو أن الخريف يغتصب منا الأحلام والأوهام أيضاً. ولا شك فى أن الخريف وجد له مساحة أخرى فى حياتنا فتحول من خريف الفصول إلى خريف الشخوص، الذى بدأ ب«خريف الغضب» ذلك الكتاب الذى سطره هيكل لتصفية حسابات شخصية بينه وبين السادات الذى وضعه فى السجن، وامتد ب«خريف هيكل» نفسه، ذلك الكتاب الذى سطره عادل حمودة وصدر مؤخراً عن «دار منشورات البندقية»، والذى يبدو لى أنه أيضاً لتصفية حسابات شخصية.. وبعد مطالعة جيدة للكتاب أنتهى إلى أنه كتلة صلبة جداً حطم عليها حمودة (كبيرنا الذى علمنا السحر) عقوداً طويلة من المواءمة لهيكل (سارق الأعمار وأستاذ الأجيال الصحفية)، فتحوُّلٌ غريبٌ ذلك الذى طرأ على تلك العلاقة التى كانت تظهر للجميع فى شكل «أبوّة وبنوّة». ومن واقع ما ذكر حمودة فى كتابه، وما كتب على صفحات جريدته، وقال عبر برنامجه فى مراحل سابقة، عن أنه «لم يعبر عن اختلافه مع هيكل لأنه كان محاصراً من نظام يكرهه»، على عكس الحقيقة التى ذكرها فى الكتاب نفسه عن أن «أبناء هيكل كانوا شركاء فى عالم المال والأعمال لأبناء مبارك»، وشكك متسائلاً «كيف يمكن الجمع بين عداء الآباء وصداقة الأبناء؟» مما يوضح أن ذلك الحصار الذى ذكره «حمودة» كان وهمياً، و«حمودة» كان يؤمن بذلك، وهنا يكمن التناقض وينكشف ادعاء «حمودة» بأنه الآن بعد الحصار يعلن الاختلاف الذى يجعلنى أطرح سؤالى: «لماذا الآن؟»، والمعنِى بالإجابة بالنسبة لى هو هيكل نفسه وليس حمودة. وبعيداً عن التحليل السابق لا شك فى أن حمودة حشد فى كتابه معلومات خطيرة تتعلق بالأمن القومى المصرى، ومما ذكر أن هيكل كشف فى برنامجه الأخير الذى عُرض على قناة «سى بى سى» الفضائية أنه -أى هيكل- «قابل زيناوى رئيس الوزراء الإثيوبى فى إيطاليا وذكر له زيناوى أنه تعرض لمحاولة الاغتيال ثلاث مرات فى عهد مبارك من خلال خطط السيد عمر سليمان».. ورغم أن تلك المعلومة التى رحل بطلاها «زيناوى وسليمان» تعد كارثة فإننى أرى أن تلك الكارثة لم يتم التعامل معها حتى الآن بجدية أمنية مع العلم بأنها حتى الآن ذُكرت مرتين. فما ذكره حمودة عن هيكل يحتاج من الجهات الأمنية فى مصر إلى فتح تحقيق عاجل مع حمودة وهيكل أيضاً لاستبيان من منهما يعرّض ملف مصر المائى إلى الضياع، ومن منهما يهدد المصريين بالعطش نتيجة العلاقات المصرية الإثيوبية التى قد تصطدم بحائط تلك المعلومة التى لا تجد حتى الآن من يؤكدها أو ينفيها. فلا يعقل على الإطلاق أن تدفع الدولة المصرية نتيجة مفجعة يكون سببها صراعاً شخصياً وتنابذاً معلوماتياً خطيراً بين حمودة وهيكل خاصة أن مصر الآن «شعباً وحكومةً» فى موقف لا تحسد عليه، وتجابه تحديات كبرى من أجل النهوض مما وقعت فيه منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن. وفى النهاية أعتقد أن مصر كانت تحتاج من هيكل وحمودة إلى أن يقدما لها رؤية تنمية وإصلاح واضحة من واقع خبرتيهما، لا أن يقدما لها صراع وخريف كليهما.