هل كانت حالة عدم الحفاوة من قبل «الأستاذ» هيكل ، أو اعترافه الصريح بتتلمذ عادل حموده على يديه، دافعا لأن يصدر الأخير كتابا انتقاميا من أهم صحفي عرفته مصر يحمل اسم «خريف هيكل»؟! .. ربما لهذا السبب انطلق الكاتب الصحفي السيد الحراني في فتح خزانة أسرار عادل حمودة في كتاب أسماه بدوره «خريف عادل حمودة» .. الأسرار شملت الحياة الشخصية، زيجاته وأبناؤه، العمل الصحفي وعلاقاته بزملاء المهنة، طبيعة علاقاته برجال الحزب الوطني ونظام مبارك، وحقيقة فشله في أن يكون «هيكل» الجديد للرئيس السيسي، إذ أن الأخير ربما لن يراهن على الجياد الشائخة .. لكن السيد الحراني الذي نحاوره في السطور التالية، يؤكد أنه بدأ مشواره الصحفي مع جريدة «الفجر» وكان عادل حمودة يرأس تحريرها، وليس من الممكن أن يصدر كتابا لتجريح كاتب تعلم الكثير منه، ولكنه كتاب نقدي مشروع لعلاقات حمودة ومشواره .. لأن الأمر يستحق . عُرف الحراني بسلسلة كتبه التي تتناول حياة المشاهير ومذكراتهم التي اختصوه بسرد فصولها، وبينهم الفنانة القديرة ماجدة الصباحي، المفكر الراحل جمال البنا، العالم الجليل مصطفى محمود، ورجل الأعمال الراحل أحمد الريان، المفكر الاجتماعي د. سعد الدين ابراهيم ، إضافة لسلسلة من الكتب التي تتناول قضايا الصحافة والجماعات الإسلامية ومنها نذكر «موافي والسندريلا» و«فلسفة الموت» و«الجماعات الإسلامية من تاني» محيط : لماذا الآن جاء كتابك «خريف عادل حمودة .. صحفي شاخ في موقعه» ؟ - عادل حمودة شخصية ثرية للغاية مهنيا واجتماعيا، وقد راودتني الفكرة للكتابة عنه منذ 2008 لكني آثرت الصمت لأسباب منعتني منها أنني تعاملت مع عن قرب في بداية عملي الصحفي بجريدة "الفجر" كما أنني لم أشأ أن يُفهم من الكتاب أنني أجرح فيه وأعرضه سائغا لأعدائه، فهذه ليست من أصول الزمالة أو المهنة، فقط أنا أردت أن أعرض نموذج عادل حمودة للقاريء بشكل نقدي يتعامل مع ما له وما عليه .. وقد قررت فعلا البدء في الكتاب منذ سنتين، ووقتها كنت أعلم أن حمودة قد أصدر كتابه «خريف هيكل» ورأيت الأمر على أنه تصفية حسابات ، والكتاب ذاته ضعيفا، فكل الأمر أن هيكل لم يقرب حمودة منه كما فعل مع الكاتب عبدالله السناوي حين حضر برنامجه "صالون التحرير" فأعطاه بذلك صكا بتلمذته على يد الأستاذ .. ولكن هيكل لم يكرر الأمر نفسه مع حمودة، كما أن عادل حمودة كان يريد لعب دور بارز للقيادة السياسية الحالية للبلاد ويقوم بهذا الدور من خلال الكتابة الصحفية ، فهو يشن حملات ضارية ضد كل أعداء النظام ويمجد من الرموز الحاليين بقدر استطاعته، وهذا لم يكن كافيا على ما يبدو لنظام السيسي لأن يكون حمودة هو هيكل النظام .. فهيكل حين اقترب من عبدالناصر كان لا يزال في ربيع عمره وعنفوان تجربته ، أما عادل حموده فتكاد شمسه تغيب .. محيط : لماذا اخترت أن يكون عنوان كتابك مشابها لكتاب حمودة عن هيكل ؟ - على العكس ، عادل حمودة هو من نسخ بشكل واضح عنوان كتاب هيكل الشهير «خريف الغضب» يتحدث فيه عن العصر الناصري وعصر السادات، أما الجملة الثانية بالعنوان "أسطورة شاخت في موقعها" فقد اقتبسها حمودة عن تقرير أرسله المخرج التسجيلي "أحمد فؤاد درويش" وفيها مقارنة بين هيكل وحمودة وكانت بالطبع تصب في صالح حمودة لذلك نشرها في نهاية كتابه .. وقد أردت أن أترك عبارة أسطورة لأنها محقة في حالة هيكل وأن أضع حمودة في حجمه الطبيعي ك"صحفي" . محيط : لكن برأيك لماذا لم يعبر حمودة عن غضبه من هيكل إلا متأخرا ؟ - لقد ذكر الكاتب عادل حمودة بنفسه في كتابه أنه كان يخشى من البوح بذلك لأن هيكل كان محاصرا من نظام يكرهه، في حين أنه عاد ليقول بكتابه أن أبناء هيكل كانوا شركاء في عالم المال والأعمال لأبناء مبارك ، ما يعني أن الحصار الذي ذكره حمودة كان وهميا ورأيي أن خلاف هيكل وحمودة على التلمذة وليس الأستاذية، فحمودة يعلم أنه لم يمر بعمق التجربة التي أهلت الأستاذ ليتبوأ هذا المكان والمكانة .. يقول حمودة بكتابه : "في تجمع بنادي العاصمة للاحتفال بدخوله عامة الستين تكلم جميع من حضروا الاحتفال من الشخصيات الصحفية والإعلامية والسياسية بالثناء والإطراء علي تجربته الصحفية ولكن هيكل رفض أن يقول كلمة أو يبتسم مجرد ابتسامة لأنه وجد صحفيا آخر يستحق لقب أستاذ! وقد سعى حمودة مرارا لتأكيد صداقته بهيكل، لكن الأخير لم يشأ ذلك، فرفض حضور أولى حلقات برنامجه على فضائية "النهار" وأعطى انفراد الحوار المطول معه للميس الحديدي وليس لحمودة، بالرغم من أن حمودة فتح لهيكل جريدته لتكون منبرا يدافع عه وسطر الكتاب الوحيد الذي يؤرخ حياته. لذلك خرجت مانشيتات الصحيفة الغراء "هيكل باع التاريخ والجغرافيا" في حين أن هيكل كان يعي دائما "بخبث شديد" ما يسعي له حمودة. محيط : هل تعتقد أن كتابك سيغضب عادل حمودة ؟ - على الإطلاق، فهو رجل معروف بصدره الرحب وقبول الرأي الآخر . كما أنه علمنا أن المعلومة لابد أن تنتشر ولو بعد حين، أما عني فأنا أكتب بعيدا عن أي فكر بأي فريق سوف يتم تصنيفي لأن الكتابة فعل مقدس برأيي لا يمسه الشيطان . محيط : كيف تنظر لشخصية عادل حمودة ؟ - بعيدا عن الكتاب، هو شخص جاد وصلب وذكي ومثقف واستطاعت تلك الصفات ان تكون له رأي وان تبني له مدرسة وان يتخرج منها تلاميذ كثر، ولكني اري ان تلاميذ عادل حمودة جميعا وقفوا في تعليمهم معه عند مرحلة الدبلوم الفني، ومن أراد منهم أن يكمل تعليمه ويرتقي كان لابد أن يخرج من مدرسة حمودة ويكمل دراسته في مدارس أخرى ، لأنه اعتاد على نسب نجاحهم لأستاذيته محيط : هل يناقش كتابك صراعات حمودة مع رجال المال والسياسة والثقافة في مصر ؟ - بالتأكيد، لقد فردت فصولا لهذه المسائل، وبحثت بحثا مضنيا للوصول لأدق التفصيلات . ولدينا مثلا صراع حمودة والجنزوري، والتي ظهرت على شكل حرب شرسة شنها الكاتب الصحفي على الجنزوري ووصفه بالديكتاتور ولكنه توقف عن ذلك بعد محاولة الصلح التي جمعتهما . وفي الكتاب تجدون قصة الصراع المرير بين حمودة ونجيب ساويرس وأحمد فؤاد نجم، فقد كتب حمودة "الجياد لا تباع في السوبر ماركت" وكتب الفاجومي كتابا عن علاقته بحمودة وكتب قصيدة دفاعا عن ساويرس .. محيط : أخيرا ، كيف توصف الصداقة التي جمعت حمودة بنظام مبارك ؟ -هي علاقة منفعة أكثر منها صداقة، بدليل أن الحزب الوطني رفع دعوى قضائية ضد حمودة وحكمت المحكمة بغرامة بتهمة التطاول على الرئيس مبارك .. لكن المنفعة التي أتحدث عنها تكمن في تسريب المعلومات الصحفية من خلال بعض المسئولين للكاتب الصحفي، وتبدى ذلك في أزمة الغاز وغيرها ، وللأسف كانت النتيجة أن الصحفي يشوه من يريد النظام تشويهه غالبا، وهذا يحدث مع أغلب الإعلاميين المشاهير ، لكني أقول لهم أن السيسي لن يستعيد بالجياد القديمة ..