لأول مرة منذ شهور.. 43 جنيها انخفاضا في سعر طبق البيض اليوم    «المالية»: تغيير «فيتش» نظرتها للاقتصاد المصري إلى «إيجابية» يعزز مسيرة التعافي    إطلاق نار كثيف بمحيط منزل دمره الاحتلال الإسرائيلي في دير الغصون بالضفة الغربية    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    فيضانات بإندونيسيا تودي بحياة 14 شخصا    روسيا تسقط 4 صواريخ أوكرانية فوق شبه جزيرة القرم    صدمة الموسم ل محمد صلاح في إنجلترا بعد واقعة «ال7 نجوم»    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    إيقاف حركة القطارات بين محطتي الحمام والعُميد بخط «القباري - مرسى مطروح» مؤقتا    ماذا قالت آمال ماهر عن حفلها في جدة عقب انتهائه؟    فيلم عالماشي ل علي ربيع في المركز الأخير بقائمة الإيرادات اليومية    دبلوماسي روسي ينتقد الاتهامات الأمريكية بتورط موسكو في الهجمات الإلكترونية على أوروبا    بلينكن يقول إن هجوما إسرائيليا على رفح سيتسبب بأضرار "تتجاوز ما هو مقبول    أسعار الذهب في بداية تعاملات السبت 4 مايو    8 مستندات لتحديد تاريخ مخالفة البناء.. اعرفها لتقديم طلب التصالح    شكري: ندمت على قرار مغادرتي للأهلي.. ودياموند سيتواجد في الممتاز خلال موسمين    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024.. عز 24155 جنيها للطن    بداية من اليوم.. ممنوع دخول المقيمين إلى مكة المكرمة إلا في هذه الحالة    تصل ل600 جنيه.. سعر اللوحات المعدنية في قانون المرور الجديد (تفاصيل)    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 5 مايو 2024 | إنفوجراف    توريد أكثر من 16 ألف طن قمح بالإسكندرية    حسين هريدي: أمريكا لا تؤيد فكرة وقف إطلاق نار دائم في غزة    نشرة المرأة والصحة : نصائح لتلوين البيض في شم النسيم بأمان.. هدى الإتربي تثير الجدل بسعر إطلالتها في شوارع بيروت    إصابة 15 شخصًا في حادث سيارة ربع نقل بالمنيا    30 دقيقة تأخير في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية» السبت 4 مايو 2024    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام وولفرهامبتون    اكتشاف جثة لطفل في مسكن مستأجر بشبرا الخيمة: تفاصيل القضية المروعة    حدث ليلا.. خسارة إسرائيل وهدنة مرتقبة بغزة والعالم يندفع نحو «حرب عالمية ثالثة»    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    أحدث أسعار سيارة تويوتا كورولا 2024.. انخفضت 200 ألف جنيه    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الفجر» أول من كشف أسرار علاقة حسنين هيكل بمبارك
نشر في الفجر يوم 22 - 01 - 2012

انتقم من السادات ب «خريف الغضب» وينتقم من المخلوع ب «من المنصة إلى الميدان»
عادل حمودة حاور هيكل بعد محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا.. وجاء عنوانه «ماذا لو نجحت عملية اغتيال الرئيس؟» فمنعوا كتاب من «الأهرام» وأطاحوا بحمودة من «روز اليوسف»


وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل علاقته بمبارك بأنها «علاقة محدودة وفاترة وفى كثير من الأحيان مشدودة ومتوترة».. لكن إذا أردت أن تكون دقيقاً يمكن أن تصف ما بين الاثنين على أنه غرام وانتقام.. ما بينهما أفكار قاتلة يرميها هيكل فترج الأرض من تحت قدمى مبارك ليرد عليه بحرب يشنها من وراء ستار.. حرب كان يطلق فيها رجاله للعصف والتشويه والمطاردة والتطاول.. لكنها أبدا لم تهز هيكل ولم تثنه عن أن يواصل ما يؤمن به.. ما بين الاثنين غرام وانتقام.. مبارك كان يعرف قيمة هيكل جيدا.. كان يعرف تاريخه الكبير وعلاقته بمن سبقه من رؤساء وتأثيره عليهم لذلك دعاه إلى قصر الرئاسة بعد الإفراج عنه ليمتد الحوار بينهما إلى 6ساعات.. تصور كثيرون بعدها أن مبارك ربما يمنح هيكل منصباً مهماً قد لا يكون صحفيا لكن شيئا من ذلك لم يحدث، ويبدو أن هناك من شعر بخطورة هيكل فقام بدق الأسافين من باب الاحتياط ليحدث الوقيعة بينهما.. رغم أن هيكل نفسه قال إنه لا يرغب فى أى منصب فليس لديه وقت.. من جانبه كان هيكل معجباً بمبارك فى بداية حكمه.. أعلن تأييده الشخصى له بل دعا المواطنين لتأييده ومساعدته لينجح فى مهمته، فقد كان يرى أن الصفحة التى فتحها مبارك معه ومع غيره من السياسيين الذين رماهم السادات فى سجونه صفحة مشرقة.. ما كان يراه هيكل تغير وما كان يؤمن به ذهب مع مرور الوقت.. مبارك يمضى فى صفحته التى امتلأت سواداً وهيكل يسعى إلى أن يرده حتى لو لم يكن فى هذه الصفحة.. فعلها عندما طلب منه مكرم محمد أحمد سنة 1982 أن يكتب «للمصور» دون قيد أو شرط.. فكتب هيكل 6 مقالات كانت رسائل مفتوحة إلى مبارك أرسلها مكرم إلى رئاسة الجمهورية ليأتى الرد بعدم النشر وهنا سأل هيكل أسامة الباز: هل قرأها مبارك فأجاب «نعم».. كان يكفى هيكل أن يقرأها الرئيس ربما ترده عما يمضى نحوه.. ربما يحجم ما استشرى من فساد وأن يتخلص من الفاسدين الذين كانوا ينهبون البلد بلا ضمير.. البلد الذى وصفه مبارك -لأحد الأمراء العرب- بأنه خرابة فكيف يورثه لابنه؟!.. هذه الرسائل خرجت للنور بعد 25 سنة من كتابتها ففقدت بريقها فما كتبه هيكل وقتها تجاوزته الأحداث وما كان من فساد صغير استشرى وتضخم حتى وصل للركب.. لم تحدث هذه الرسائل وقت نشرها دويا كما يجرى دائما مع هيكل.. بل إن هناك من المتربصين من قالوا إن هيكل كان يعرض خدماته على مبارك ربما يجعله قريباً منه مثلما كان الحال أيام جمال عبدالناصر وفى السنوات الأولى من حكم السادات.. لقد قال هيكل إن مكرم محمد أحمد أرسل ما كتبه إلى مبارك مصوراً مكرم على أنه مخبر للرئاسة وهو ما وجده مكرم محمد أحمد لا يليق به رغم الصداقة التى تجمع بينه وبين هيكل فخرج ليعلن أن ما قاله هيكل أمر غير حقيقى بالمرة فهيكل هو من طلب من مكرم أن يرسل ما كتبه إلى مبارك ليقرأها قبل النشر مؤكدا أن هذا من حقه تماماً.

ما بين الاثنين غرام وانتقام.. مبارك منح هيكل رخصة مفتوحة للاتصال به فى أى وقت يشاء لكنه لم يستخدمها على حد قوله ولا مرة.. كان الاتصال بينهما يتم من جانب مبارك.. كان هيكل حريصاً على أن يوثق ما أتيح له من مكالمات وهو المؤمن بالتوثيق والمستندات.. وهو ما حدث مثلاً فى سنة 1999 عندما اكتشف هيكل إصابته بالسرطان فى أكثر من موضع (البروستاتا) و(الكلى) وكان القرار الذى اتخذه كونسلتو الأطباء (محمد عبد الوهاب وإسماعيل شكرى وحاتم الجبلى وعمرو مسعود) أن هناك ضرورة للعلاج بالإشعاع مع تدخل جراحى.. وبعد شهور قليلة كان هيكل فى كليفلاند فى الولايات المتحدة مستسلماً لمشارط الجراحين.. وقتها اتصل به مبارك يعرض عليه أن يعالج على نفقة الدولة لكنه رفض وقال له إنه قادر على أن يتحمل تكاليف العلاج ولكى يوثق هيكل هذه المكالمة كتب له خطاباً يشكره فيه على ما عرضه عليه ويذكره بالمكالمة التى جرت بينهما.

كان من الطبيعى أن تكون العلاقة بين مبارك وهيكل متوترة ومحدودة.. مبارك كان يؤمن بأن هيكل أكبر منه «جامد قوى» على حد تعبيره.. كانت كل اللقاءات بينهما عابرة أو بالمصادفة منها اللقاء الذى جرى فى مكتب الفريق محمد صادق.. كان هيكل على موعد مع الفريق وهناك قام مبارك-قائد سلاح الطيران وقتها- وسلم على هيكل وقدم له نفسه فرد عليه هيكل بعبارة مجاملة «دوركم من أهم الأدوار والكل فى انتظار الأداء».. المرة الثانية كانت أثناء معارك أكتوبر عندما ذهب هيكل إلى مركز القيادة العامة للمعركة وكان على موعد مع القائد العام الفريق أحمد إسماعيل، وهناك أقبل نحوه مبارك وسأله:كيف عرفت بتفاصيل المعركة التى جرت فوق قاعدة المنصورة؟! ونشرتها فى الأهرام مع أن المعركة لم يعرف تفاصيلها سوى الرئيس السادات فقال له هيكل: عرفناها من الرئيس نفسه وهنا رد عليه مبارك: «ياه دا انتم ناس جامدين قوى!!».. هذه الجملة كافية لأن لا يمد مبارك جسور التواصل بينه وبين هيكل بعد أن أصبح رئيساً.. جملة كافية لأن يبعده ولا يقربه منه.. مبارك يعترف بأن هيكل «جامد قوى» وهو ما يعنى أنه إذا جرى التواصل سيكون دائما فى موقع التلميذ الذى يتلقى الدروس.. إذا تم التواصل سينسب ما ينجزه إلى هيكل فالابتعاد أكرم على أن يبقى على شعرة للتواصل.. الشعرة التى تجنبه نغزات هيكل ولدغاته.. الشعرة التى تجعله لا يلقى بكل ما لديه عن مبارك فهو يملك من المستندات والحكايات ما يؤرقه ويوجعه.. هذه الشعرة انقطعت بعد محاضرة هيكل فى الجامعة الأمريكية سنة 2002 وكان عنوانها «المستقبل الآن».. هى المحاضرة التى نالت من شرعية مبارك وفتحت العيون على مخطط التوريث.. وقتها سأل مبارك المقربين منه: لماذا يكرهنى هيكل؟!

لم يسلم هيكل من حروب مبارك كلما كتب أو ظهر على شاشة تليفزيون.. وهى حروب لم توقف هيكل عما يؤمن به.. كان يقول كلمته ويمضى إلى حال سبيله.. كان هيكل وطوال حكم مبارك يتلقى الضربات لكنه الآن وبعد ثورة 25 يناير يرد الصفعات، وهى صفعات موجعة منها تحريضه على طرده من شرم الشيخ، ومن مصر بقوله إنه يدير الثورة المضادة من هناك وكان آخرها ما نشرته جريدة الشروق وسينشر فى كتاب باسم «من المنصة إلى الميدان».. لقد اتهم هيكل مبارك بالتورط فى اغتيال زعيم المهدية «الهادى المهدى» بشحنة متفجرات وضعت داخل سلة بها ثمار المانجو سنة 1970 وهى السنة التى شهدت تمرد المهدية على نظام الرئيس السودانى جعفر نميرى ونشوب صراع مسلح بينهما، وقد طلب نميرى من مصر أن تقوم الطائرات المصرية بضرب مواقع المهدية فى جزيرة «آبا» ورفض طلبه فلا يمكن لسلاح مصرى أن يسفك دم سودانى مهما كانت الظروف وقد سافر وقتها السادات-نائب عبدالناصر- ومعه مبارك إلى السودان وبعدها بأيام حدث اغتيال الهادى المهدي، وقيل وقتها إن مبارك لم يكن بعيدا عن خباياها بل إن بعض وسائل الإعلام السودانية اتهمته مباشرة بأنه كان اليد الخفية التى دبرت لقتل الهادى المهدى.

مابين الاثنين غرام وانتقام.. فى كل مرة أزمة مدوية.. مرة سنة 1995 بعد محاولة اغتياله الفاشلة فى أديس ابابا.. وقتها وعلى مدى 3 أسابيع نشر عادل حمودة وقت أن كان مسئولاً عن تحرير روزاليوسف حواراً مع هيكل تحت عنوان «ماذا لو نجحت عملية اغتيال الرئيس؟!» وهى الحوارات التى جلبت المتاعب لهيكل وحمودة.. رجال مبارك شنوا حملاتهم ضد هيكل وحمودة دفع منصبه ثمناً لها بالإطاحة به من روزاليوسف حتى لو تحقق ذلك بعد فترة من نشرها.

ومرة عندما جرى تمرير القانون 93 لسنة 1995 لنقابة الصحفيين وقتها وجه رسالته القوية للنظام وقد كانت صفعة مدوية.. قال: «إن هذا القانون فى ظنى يعكس سلطة شاخت فى مواقعها وهى تشعر أن الحوادث قد تجاوزتها».

ما بين هيكل ومبارك حكايات وأزمات.. بالتأكيد ستكون حاضرة فى كتابه عن مبارك «من المنصة إلى الميدان» الذى تنشره دار الشروق.. الدار التى قررت أن تجمع ما كتبه هيكل وما قاله فى حوارات تليفزيونية عن ثورة 25 يناير على أن يكتب له هيكل مقدمة.. لكن المقدمة طالت حتى أصبحت كتابا.. بالتأكيد سنجد فيه حكايات مثيرة وصفعات جديدة فما خفى عن مبارك آن لهيكل أن يكشفه!

وإن كان عادل حمودة قد كشف الكثير منها على صفحات الفجر وأظن -ليس كل الظن إثم- أنها لن تخرج عنها.

هيكل من سجن السادات إلى قصر مبارك

كانت علاقة هيكل بمبارك وقت أن كان نائباً للسادات عادية.. لم يكن فيها شيء مثير يستحق أن تتوقف عنده.. لكن العلاقة الحقيقية بدأت بعد خروج هيكل من المعتقل هو وعدد كبير من السياسيين الذين أرقوا وانهكوا السادات وأفسدوا عليه قراراته التى رأوا فيها تدميراً للوطن وانتهاكا لسيادته.. فرمى بهم فى المعتقل فى هوجة سبتمبر سنة 1981 أى قبل شهر من اغتيال السادات.. خرج هيكل فى سيارة الترحيلات ومعه فؤاد سراج الدين وصافى ناز كاظم وعبد العزيز الشوربجى المحامى المعارض اللامع والدكتور ميلاد حنا وغيرهم وصلوا إلى 30 شخصاً.. اتجهت السيارة إلى قصر الرئاسة وهناك التقى مبارك بهم قال لهم «إننا نريد أن نفتح صفحة جديدة.. لا عودة للحديث عن الماضى والدخول فى متاهات لا نهاية لها.. علينا أن ننظر إلى الأمام كى نخطو إلى المستقبل.. ونواجه جميعاً المشكلات التى تتعرض لها البلاد».. ثم أضاف: إن الموقف فى مصر كان أخطر مما تتصورون.. كان الإرهاب يريد أن يقضى على كل شيء ويدمر كل شىء.. إن حياة الجميع معارضين ومؤيدين كانت معرضة للهلاك.. رقابكم جميعا كانت مستهدفة.. نحن نريد ديمقراطية سلمية.. لا ديمقراطية القنابل والرشاشات « كان السياسيون المفرج عنهم قد فوضوا فؤاد سراج الدين ليتحدث نيابة عنهم فأثنى على خطوة الإفراج عنهم وعلى خطابه الأول كرئيس.. انتهى فؤاد سراج الدين من كلامه وكان الجميع فى انتظار ما سيقوله وقال لمن كانوا ينتظرونه على بوابة القصر الرئاسى: إن قرار رفع التحفظ عنه جاء خاليا من أى شروط على الإطلاق وأن ما سمعه من الرئيس حسنى مبارك يدعو إلى الثقة وهو بذلك يفتح صفحة جديدة فى تاريخ مصر.. «وأنا شخصيا أؤيده بكل قوتى واتمنى له النجاح.. وأنا على يقين تام أنها ستكون صفحة مشرقة جدا وأتمنى له التوفيق ويجب على كل مواطن تأييد الرئيس ومساعدته فى إعادة هذه الصفحة الجديدة».

دعوة على الإفطار استمرت 6ساعات

فى مساء اليوم التالى كان هيكل يجلس إلى منصور حسن الوزير السابق فى رئاسة الجمهورية عندما رن جرس التليفون.. كان المتحدث شخصاً من سكرتارية مبارك.. دعاه لتناول الإفطار مع الرئيس فى صباح اليوم التالى.. إن كلا من الرجلين يستيقظ مبكراً.. فليكن الموعد فى التاسعة صباحا.. بعد أن يكون هيكل قد مارس رياضة الجولف.. ويكون مبارك قد مارس رياضة الأسكواش.. استمر اللقاء 6 ساعات وفيه قال له هيكل: لقد جئت رئيساً من أعلى قمة للتكنولوجيا فى عصرنا.. الطيران.. والطيار يأخذ قراره بعد أن يراجع كل العدادات التى أمامه.. عداد ضغط الهواء.. عداد الوقود.. عداد السرعة.. وغيرها.. لكن.. الموقف مختلف فى شئون السلطة والسياسة والحكم.. فعناصر اتخاذ القرار مثل المصلحة العامة والطبيعة الجغرافية وخبرة التاريخ لا توجد لها عدادات مرئية.. وفيما بعد.. كرر هيكل الوصف نفسه فى حوار صحفى.. وفوجئ بالدكتور أسامة الباز يتصل به ويعاتبه على ذلك قائلا : إنك خير من يعرف أن ما يقال بينك وبين الرئيس لا يجوز أن ينشر ويذاع إلا باتفاق.

خريف الغضب أول أزمة بين هيكل ومبارك

خريف الغضب هو الكتاب الذى حاكم فيه هيكل عصر السادات.. الكتاب الذى رآه البعض أنه نيل من السادات ومحاولة لإهالة التراب على تاريخه.. كان هيكل قبل شروعه فى وضع أفكار الكتاب على الورق قد لقى جيهان السادات معزياً ومواسياً بعد خروجه من السجن.. وحين لقى جيهان السادات فى ذلك اليوم قالت له بنبرة رقيقة وواعية بعد حوار طال ساعتين : «محمد.. إنك لن تهاجم أنور ؟».. فرد عليها بصدق وصراحة: «إننى لم أهاجمه على الإطلاق.. إننى أختلف مع سياسات ولم أختلف مع شخص.. ولك أن تثقى أننى لن أقول عن هذه السياسات فى غياب صاحبها غير ما كنت أقوله فى حضوره». لكن.. وجد رجال السادات فى السلطة والصحافة فى كتاب خريف الغضب ما يشوه السادات ويسيء إليه.. فكانت الأزمة الأولى بين هيكل ومبارك.. وفتحت النيران على هيكل من جهات متنوعة.. وبقى الكتاب مصادرا لسنوات.. حتى نشرته مؤسسة الأهرام فى طبعة مصرية.

الأزمة الثانية : فضح النظام فى معرض الكتاب فمنعوه إلى الأبد ومبارك يرد عليه فى حوار مع نافع

فى فبراير من سنة 1993 دعا سمير سرحان، رئيس معرض الكتاب، هيكل لحوار مع جمهور المعرض.. وهو الحوار الذى شهد إقبالاً كبيراً.. فى ذلك اللقاء قدم هيكل قراءته للواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى لمصر.. قدم ما أزعج النظام وأرقه.. فضح معدلات البطالة والفقر وانقراض الطبقة الوسطى ومن ثم فإن مصر بدأت تأكل من لحمها الحى.. . وتمنى هيكل أن تخرج مصر من أزمتها.. واقترح إعادة تنظيم الدولة وفى مقدمتها رئاسة الجمهورية وأضاف هيكل: «أن هناك حاجة ماسة إلى عقد اجتماعى جديد فيه نص صريح على حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل الذى توصلت إليه الأمم المتحدة.. من التعبير إلى التعليم والصحة والعمل والديمقراطية والثقافة وحتى السعادة أيضا».. كان هيكل شجاعاً إلى أقصى درجة لكنه دفع ثمن شجاعته من حرمان من معرض الكتاب إضافة إلى حملات التشوية كالعادة.. لكن مبارك فى هذه المرة خرج ليرد على هيكل بالأرقام فى حوار أجراه إبراهيم نافع للأهرام.

الأزمة الثالثة: عندما قال سلطة شاخت فى مواقعها

فى سنة 1995 قامت القيامة بين الصحفيين بعد أن مرر مجلس الشعب قانوناً جديداً للصحافة.. هو القانون رقم 93.. والذى وصفه عادل حمودة على غلاف مجلة روز اليوسف بقانون «اغتيال الصحافة» .. وعقدت جمعية عامة غير عادية لنقابة الصحفيين.. وانطلقت الحناجر الغاضبة والمتجاوزة تهدد بالإضراب وعدم إصدار الصحف حتى ينتهى القانون قبل أن يبدأ العمل به، وفى ذلك اليوم أرسل هيكل برقية إلى الجمعية العامة للصحفيين نشرتها فى اليوم التالى صحيفة الأهرام كاملة وبارزة.. قال فيها هيكل تعليقاً على ذلك القانون المشبوه : «إن هذا القانون فى ظنى يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها وهى تشعر أن الحوادث تجاوزتها «.. وكانت تلك العبارة هى أشد عبارات النقد التى وجهت للسلطة الحاكمة فى مصر.. كالعادة أيضا خرج عليه صحفيو الجرائد الحكومية ينهشون فيه ليسألوا: هل كان يقدر أن يقول كلمة واحدة مما يقوله دون حساب وقت أن كان صديقاً مقربا من جمال عبد الناصر ؟

الأزمة الرابعة: ماذا لو نجحت عملية اغتيال الرئيس فى أديس أبابا

جرى منع هيكل من معرض الكتاب ففتح له عادل حمودة صفحات روزاليوسف ليقول فيها مايشاء.. ليبدأ الضرب من تحت الحزام.. لتبدأ الوشايات والتقارير المضروبة حتى جرى تصوير الأمر على أن هناك تنظيماً سرياً للصحافة يتزعمه هيكل والقوة الضاربة فى عادل حمودة.. هذه الحوارات كانت من الجرأة ما أزعجت مبارك ورجاله وبدأ دفع الثمن.. فى يوليو عام 1995 كان هيكل يقضى شهور الصيف فى قرية الرواد بالساحل الشمالى يراجع بروفات الطبعة العربية من كتاب «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل» تمهيداً لتنشرها مؤسسة الأهرام بعد نحو 3 أشهر فى أكتوبر التالى كما جرت العادة بعد أن أصبح نشر كتبه مباحاً فى مصر.. لكن.. تلك الطبعة صدرت عن دار نشر أخرى.. هى دار الشروق، وفى مقدمة تلك الطبعة اعترف هيكل بأنها واجهت ظروفاً غير مألوفة أو على الأقل غير عادية.. كان هيكل قد تقاضى ربع مليون جنيه من مؤسسة الأهرام مقابل نشر الكتاب، وبعد أن اعتذر له إبراهيم نافع عن عدم النشر تليفونياً على أن يحتفظ بالمبلغ.. شكره هيكل ثم ارسل له الشيك ومعه خطاباً يذكره بما قاله فى التليفون ليوثق الواقعة.. أهدى هيكل نسخة من الكتاب إلى عادل حمودة كتب فيها: «إلى الصديق عادل حمودة.. زميلا وصديقا ورفيق مشاكل لا تزال تجرجر أذيالها.. مع كل الود».. كان هيكل يعنى ما كتبه جيداً فقد كانت حواراته فى روزاليوسف سبباً لمنع نشر كتابه فى الأهرام.. ففى الوقت الذى كان هيكل فيه يراجع بروفاته فى الساحل الشمالى كان عادل حمودة يحاوره فيما يجرى فى مصر بعد نجاة مبارك من محاولة اغتياله فى أديس أبابا.. ونشر الحوار الذى كان فى جلسة واحدة على ثلاثة أعداد من مجلة روز اليوسف.. فى الفترة ما بين 17 و31 يوليو عام 1995.. كان الجزء الأول يحمل عنوان صادما «ماذا لو نجحت عملية اغتيال الرئيس ؟!» وفيه قال هيكل كلاماً أزعج النظام ورجاله الذين كانوا يذبحون العجول على الشاشات وعلى صفحات الجرائد.. جميعهم انجرفوا وراء المشاعر لدرجة أن من بينهم من نادى بالحرب على السودان.. لكن هيكل قرأ الحدث بعقل بارد قال «أنا أريد الدولة وهذا هو الأهم.. وإذا راح رمز الدولة فى هذه الظروف دون طريقة لنقل السلطة سنكون أمام مجهولات قد تؤدى إلى انفراط الدولة.. وهو أكثر من غياب رئيس.. كل بشر يمكن أن يعوض.. لكن.. فى الظروف الدولية الراهنة يمكن فعلاً نجد أن الدولة نفسها قد انفرطت.. القلق الذى أصاب الناس مثلما أصابنى بسبب الحادث هو الخوف على المستقبل وليس مبايعة لما كان.. لكن.. فوجئنا بمن يستغل مشاعر الناس ويطالب بمبايعة جديدة لفترة رئاسية جديدة.. أنا لم أر سوءاً لقراءة واقع أكثر من هذا». وتخيل هيكل سيناريو لما يمكن لو نجحت المحاولة.. وقال: «سيدخل الجيش ويأخذ السلطة.. فليس هناك نائب للرئيس.. والحكومة الموجودة (كانت حكومة الدكتور عاطف صدقى) لا تتمتع بمصداقية.. الوضع المتوقع أن يمد الجيش ذراعه ويأخذ السلطة.. والجيش منطقة محرمة لا نتكلم عنها ولا نعرف ما فيها.. ومن ثم فصورة الحكم القادم فى هذه الحالة.. مجهولة.. وهذه هى الكارثة». وحذر هيكل من التورط فى حرب مع السودان.. وطالب بأن تترفع مصر عن ردود فعل النظام السودانى التى تخفض من هيبتها.. وقال إن الحرب فى السودان قد تؤدى بنا إلى فيتنام مصرية فى إفريقيا، ورفض هيكل تأكيدات بعض المسئولين المصريين.. بأن القوة الجوية وحدها كافية.. لأن السودان يمكنه التلاعب بمياه النيل التى تشكل الأمن القومى الحقيقى لمصر، وكان ما قاله هيكل كفيلاً بفتح النيران عليه من كل جانب.. بدأ الهجوم بأكثر من مقال من سمير رجب، رئيس تحرير جريدتى الجمهورية ومايو.. ثم وجدها الدكتور عبدالعظيم رمضان فرصة ليقدم خدماته للنظام السياسى.. وكتب 4 مقالات نشرها تحت عنوان «هيكل والكهف الناصرى».. لم تزد بأى حال من الأحوال عن كونها دعاية مباشرة ومتواضعة للنظام السياسي، وتحمست الهيئة العامة للكتاب لنشر المقالات فى كتيب.. لكن.. حجمها لم يكن يكفى.. فكان أن طلب من صاحبها أن يزيد ويتوسع.. لكنه.. كان فى طريقه إلى لندن فاعتذر.. على أنه كان هناك من يدفع للعجلة.. وكان هناك من يقول مهدداً: إذا لم تكتب ما تريد بقلمك.. كتبناه بقلم غيرك.. ففعلها الرجل بنفسه بدلاً من أن يفعلوها نيابة عنه.

الأزمة الخامسة: إجبار أحمد بهجت لمنعه من الظهور على دريم

قبل هيكل بعد تردد الظهور على شاشة قناة دريم لصاحبها أحمد بهجت على أن يكون ظهوره مرة واحدة كل 3 أشهر، وأحدث حواره الأول دويا وحقق أعلى نسبة مشاهدة بل إنه رفع من اسهم دريم ورفع من سقف حريتها.. كان ظهور هيكل على دريم مزعجاً للنظام فقرر معاقبة القناة بطريقة غير مباشرة لكن كثيرين كانوا يعرفون أن المقصود بها هيكل.. وقتها كانت هالة سرحان هى نجمة دريم وناقشت قضية العادة السرية فى أحد برامجها فجرى مهاجمتها عبر جريدة الوفد ووجدت محطة دريم نفسها متهمة بتجاوز ما يسمى بميثاق الشرف الإعلامى الذى وضعته هيئة الاستثمار لا وزارة الإعلام بما بثته هالة سرحان.. ووجهت إليها تهمة الإساءة إلى الحياء العام.

ماجرى لم يثن أحمد بهجت عن مواصلة الاحتفال بوجود هيكل على شاشته، وكان أحد فصولها الساخنة فصل الاحتفال الذى سعت إليه المحطة للاحتفال بعيد ميلاده الثمانين.. بترتيب خاص أعده أسامة الشيخ المسئول عن المحطة وقتها.. فقد جاء بتلاميذ هيكل وزملائه من نجوم الصحافة والكتابة (على رأسهم جمال الغيطانى ويوسف القعيد) وفتحوا حواراً امتد لساعات طويلة حوله.. وكان رأى هيكل أن ذلك يكفى ويزيد.. لكن.. كانت هناك رغبة من المسئولين عن دريم فى أن يظهر هيكل ويختم بكلمات من عنده، فى فندق هيلتون دريم جرى التسجيل الذى قطع بمكالمات جاءت إلى أحمد بهجت عبر تليفونه المحمول.. وشعر هيكل أنها كهربت الرجل الذى أصبح بينه وبين البنوك مشاكل ومتاعب فى القروض والمشاريع.. وبعد أن انتهى تسجيل الحوار طلب أحمد بهجت من هيكل أن يكتفوا بثلث ساعة يرد فيها هيكل على تحية من احتفلوا به.. فرفض.. وكان هناك طلب آخر باختصار ما يثير المتاعب ويحرك الأوجاع.. فرفض هيكل.. وأصبح الحوار المسجل وثيقة مجهولة لم يرها جمهور المحطة.

الأزمة السادسة: محاضرة الجامعة الأمريكية عن المستقبل الآن

كانت هناك واقعة أخرى أشد وأقوى.. لقد دعت الجامعة الأمريكية فى القاهرة هيكل لإلقاء محاضرة فى بداية موسمها الثقافى قبل أن يستأذن فى الانصراف.. وحرص هيكل على أن يقرأ المحاضرة مكتوبة.. فهى تتحدث عن المستقبل السياسى لمصر.. واختار لها عنوان «المستقبل الآن».. وهى محاضرة فى 20 صفحة من القطع المعتاد.. وتحدث فيها عن أمور شائكة.. بدت فى ذلك الوقت صعبة وحرجة للنظام السياسى.. كان التوقيت هو 14 أكتوبر أى اليوم الذى جلس فيه مبارك على كرسى الحكم.. ويبدو أن التوقيت كان مقصوداً لأن يرسل هيكل أقوى رسالة له للنظام الحاكم وهى الرسالة التى كانت بداية الفرقة التامة.. لقد تحدث هيكل عن شرعية الرؤساء الذين حكموا مصر.. مر على محمد نجيب مرور الكرام أما جمال عبدالناصر فقد كان يحكم بشرعية الثورة والسادات بشرعية أكتوبر أما مبارك فقد كان يسعى لأن يحكم بالشرعية الدستورية والقانونية لكنها تأخرت كثيراً.. لقد انتقل مبارك إلى موقع الصدارة من خلال عاصفة نار ودم تسبب فيها صدام بين النظام وعناصر تعصب دينى مقاتل يتصور أن من حقه أن يسوق الناس إلى الفردوس بتصويب السلاح إلى صدورهم أو ظهورهم.. فى هذه المحاضرة ضاق هيكل بمدة حكم مبارك التى طالت ولمدة 24 سنة-المحاضرة فى 2002- مهما كانت الصورة حلوة فلابد أن نقول كفاية.. لا يوجد رجل يقوى على أن يعمل لمدة 24 سنة بكل طاقته.. فمرحلة مبارك هى مرحلة الرجل الواحد.. إن الأمور فى مصر تمشى بطريقة «محلك سر».

من بين ما قاله هيكل فى هذه المحاضرة إن عدوانا متوحشا جرى على حرمة المال العام، وعدوانا فاحشا على أمانة النظام المصرفي، وهذا العدوان المزدوج أهدر الحقوق، واستباح القيم، وألحق أشد الضرر بالاقتصاد الوطني، فضلاً عن تأثيره على الضامن الأخلاقى والقانونى لهذا الاقتصاد الوطنى ولغيره من شئون المجتمع. -إن هناك بينات تشير إلى أن الدور الثقافى المصرى يتراجع-، وإن ذلك تزامن مع قضية خلافة- يقصد التوريث- تنتظر الحسم، لأن رئاسة الجمهورية الحالية قاربت مدتها الدستورية على الانتهاء، بعد أربع فترات تناسخت، بدأت فى 14 أكتوبر 1981، وتتصل إلى 14 أكتوبر 2005، ولم يعد ممكناً لهذه الفترات بحكم الطبيعة أن تزيد. ومعنى ذلك أن الغد أحد احتمالين: إما صورة خامسة تتكرر بها الصور على نحو ما، أو إنه إذا صدق الوعد والعهد باب مفتوح لتطور صحى تستقيم به الأمور وتستقر الحقوق، آن الأوان لتأسيس شرعية جديدة تناسب الوضع فى الداخل والخارج، والرئيس مبارك أهلا به، فليكمل مهمته التاريخية على أن يدعو إلى مؤتمر قومى يصدر عنه ميثاق عهد، أو عقد اجتماعى جديد تنبثق عنه هيئة أمناء الدستور، فالأوضاع الحالية لا يمكن أن تؤدى إلى تنمية، فمبارك من عام 1975 إلى عام 1981 نائب رئيس جمهورية، ثم رئيس جمهورية لمدة 24 سنة، هذا كلام مش معقول، حتى حرام صحياً، وظلم له كإنسان، وهناك من يقول: إذا لم يكن مبارك، فمن البديل؟ أتمنى عند سن الثمانين أن تكون لدينا لجنة أمناء الدستور، والمؤتمر ممثلاً للأمة، وبعدها تكون هناك فرصة لإقامة جمهورية برلمانية ورئيس يحكم مدتين فقط، وأن توجد أمة لديها قدرة على الانتقال للمستقبل، ولا تعلق مصيرها على رجل واحد».

وقد تحمس أحمد بهجت لإذاعة المحاضرة على دريم ولم يستفد مما جرى له من قبل وإذاعها بالفعل لكنه تم إجباره على عدم إعادة إذاعتها مرة أخرى رغم إعلانه عن ذلك فى الصحف وإلا فتحوا عليه أبواب الجحيم.. فاستجاب على الفور لقد كانت محاضرة الجامعة الأمريكية نقطة افتراق بين هيكل ومبارك.

الصفعة الأولى: هيكل يحرض على طرد مبارك من شرم الشيخ

بعد 25 يناير تبدل الحال.. فقد مبارك قوته وأجبر على التخلى عن كرسى ظل ملتصقاً به لا يستطيع أحد أن يزيحه من فوقه.. فر مبارك إلى شرم الشيخ يتابع وبحسرة ما يجرى فى القاهرة.. كان يعيش فى قصره هناك لكن هيكل يبدو أنه لم يكن ليريد له أن يبقى.. خرج علينا ليقول إن مبارك يدير ثورة مضادة من شرم الشيخ ووجوده فيها خطر كبير ففيها رجاله كما أنه قريب من أصدقائه فى تل أبيب.. ما قاله هيكل كان تحريضاً على طرده ونفيه خارج الوطن الذى قال فى خطابه المؤثر إنه يريد أن يموت ويدفن فيه.. الدعوة وجدت هوى لدى كثيرين الذين قرروا التحرك باتجاه شرم الشيخ لطرده.. دعوة هيكل كانت دافعاً إلى التعجيل بمحاكمته وهى المحاكمة التى ظهر فيها مبارك ممداً على سرير ويضع يديه على وجهه طوال الوقت وهو المشهد الذى لم يفوته هيكل وعلق عليه بما تشعر بأنها اللحظة المناسبة للشماتة قال هيكل: سألت نفسى عشرات المرات وأنا جالس أمام التليفزيون فى أحد فنادق سردينيا: لماذا قبل الرجل لنفسه هذه المهانة؟! وكان فى مقدوره أن يمتنع عن حضور المحاكمة؟! ثم لماذا رضى لنفسه أن يجلس على هذا السرير؟! وأنا أعرف أنه والحمد لله قادر على المشي، وعلى الجلوس بما يلائم وضع رجل حكم مصر ثلاثين سنة، كذلك أدهشنى أن الرجل عندما رد على المحكمة، رد كأى متهم عادي، كموظف سابق متهم بالاختلاس مثلاً، ولم يحاول والميكروفون فى يده أن يقول كلمة مشرفة للتاريخ، يعتذر يشرح يسجل ينطق بكلمة يحترم بها نفسه».. يبدو أنها الحظة المناسبة التى يرد بها هيكل اللكمات التى وجهت إليه طوال حكم مبارك.. وهى اللكمات التى لم تنل من هيكل أو تؤثر عليه وكلما نهشوا فى لحمه كلما ازداد قوة وإصراراً.. الآن يتحدث هيكل ولن يجرؤ أحد على أن يرده أو يتطاول عليه.. فرجال مبارك اختفوا أو انقلبوا عليه.. رجاله فى الصحافة تحولوا وأصبحوا من الثائرين العظام.. كأنهم اكتشفوا فساد مبارك ورجاله فجأة.. اغمضوا أعينهم عنهم رغم أنهم كانوا يعرفون لكنهم كانوا مستفيدين من النفاق والتطبيل والرقص والزمر.

الصفعة الثانية: ثروة مبارك 11 مليار دولار فى أمريكا فقط

إذا كان هيكل قد حرض على طرد مبارك من شرم الشيخ ونفيه فإنه حرض باتجاه الثروة التى يمتلكها.. لقد خرج هيكل فى حوار للأهرام ليعلن أن ثروة مبارك 11 مليار دولار فى أمريكا فقط قال: إذا كان هناك من يريد أن يتحدث عن ثروة مبارك فى الخارج، فأنا لا أقتنع إلا بمعلومات موثقة من مصادر دولية محترمة، وفى الأرقام التى قرأتها بنفسى تقريران: الأول تقرير بمعلومات متوفرة لدى البنك الدولى وهى متوافقة مع تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهى تتحدث عن أموال موجودة فى أمريكا وتقدر فيما بين 9 و11 مليار دولار، وهذا فى حد ذاته رقم مهول. أشار هيكل أيضا إلى تقارير اتحاد البنوك السويسرية والحكومة السويسرية، والتى تشير إلى أن هناك حسابات ل9 أشخاص من عائلة مبارك موجودة فى بنوك سويسرا، وتقدر هذه الحسابات ب512 مليون فرنك سويسري، وقد تأكد هذا الرقم رسميًّا خلال زيارة لوفد سويسرى مؤخرًا لمصر، كانت مهمته إبلاغ الحكومة المصرية بحسابات مبارك مبديًا استعداد البنوك السويسرية لإعادة المبلغ فور صدور حكم قضائى يدين الرئيس المصرى، بأنه حصل على هذه الأموال عن طريق غير مشروع.

هذه التصريحات ذهبت بالكاتب الكبير إلى جهاز الكسب غير المشروع وحتى الآن عجز المسئولون عن إثبات أن ثروة مبارك غير شرعية.. حتى الآن لم يصدر حكم واحد يدينه حتى يمكن استرداد الأموال المهربة.. تحريض هيكل على مبارك كان فى ظنى رد لكل ما لحق به من عصف أيام نظام المخلوع.. رد على كل حملات التشويه والتطاول والمنع والمطاردة والمحاصرة والنفى من الشاشات المصرية إلى شاشة الجزيرة، وهى الشاشة التى أزعج بها النظام بأفكاره وآرائه ومعلوماته ومستنداته.. ظهوره على الجزيرة لم يكن للحديث عن الماضى بل كان يتناول فيه الحاضر وما يجرى من أحداث.. أجبروه على أن يختار الجزيرة رغم أنه كان مؤمناً بأن يدخل بيوت المصريين من خلال قنوات مصرية.. ذهب مبارك وبقى هيكل.. لكن سيظل ما بين الاثنين غرام وانتقام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.