منذ سنوات شن صحفى ورئيس تحرير حملة شخصية ضد أحد كبار رجال الأعمال وفجأة ظهر فى الصورة رجل أعمال كبير آخر يعمل فى مجال النسيج ليسأل رجل الأعمال الأول: ما قصتك مع فلان؟ إنه رخيص للغاية وتستطيع أن تشتريه بإعلان. قصة «مخجلة» ولكنها للأسف حقيقية.. وهى تصلح دون شك لفهم كثير من الأكاذيب الصحفية التى باتت تملأ حياتنا الآن، ولفهم ظاهرة «التلمذة» على يد المبتز الكبير حيث يربى الأستاذ مجموعة من المبتزين الصغار والبلطجية الذين يشهر كل منهم مطواته أو قلمه فى الصفحة الخاصة به ليبتز هذا الشخص أو ذاك، ثم يعود لأستاذه بالغنيمة ليتقاسماها معا، وربما يترك له الأستاذ الغنيمة كلها مكافأة له على إخلاصه أو كفاءته فى القيام بالعمليات الموكولة إليه. هذا النوع من «الهاموش» الصحفى الذى يتكاثر فى المستنقعات العفنة لابد من إبادته وكشفه وفضحه بالحقائق والوقائع والقصص التى تزكم روائحها الأنوف.
مارس عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر أكبر حملة ابتزاز وتخويف ضد جريدة «الصباح» ومحرريها، ولا يتوقف حمودة الكبير عن إزعاج نقيب الصحفيين وعدد من أعضاء مجلس النقابة باتصالات هيستيرية يومية بل ربما على مدار الساعة مطالبا بمجموعة من المطالب غير المنطقية وغير القانونية وغير المحترمة أيضا، مثل إيقاف جريدة الصباح أو التحقيق مع كاتب هذه السطور، ينسى الأستاذ حمودة مطولاته فى الدفاع عن حرية الرأى وادعاءاته حول حرية الصحافة، ويتعامى عن أن ما نشرناه ليس سوى نوع من النقد السياسى والصحفى لسيرته ولقصصه التى يروجها عن نفسه. ولعل الغريب أنه فى نفس الأسبوع الذى راح يمارس فيه التحريض ضد جريدة الصباح.. ويمارس الابتزاز الإنسانى والمهنى ضد أعضاء مجلس نقابة الصحفيين كان قد خصص صفحتين من جريدته كتبهما بنفسه للهجوم على الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومحاولة تشويهه والطعن فى ذمته السياسية والمالية، مستخدما سلاحا غاية فى الرخص والابتذال، وهو تشويه الرجل من خلال أبنائه، حيث ادعى أن سبب زيارة الأستاذ هيكل لمحمد مرسى هو محاولة التوسط لابنه الذى اتهم فى قضية جنائية.. إلخ، وساق معلومات مرسلة هى أقرب للأكاذيب عن استثمارات بين أبناء هيكل وبين حزب الله إلخ، ورغم أن مقال حمودة امتلأ بالأكاذيب والقاذروات إلا أن الأستاذ هيكل لم يعلق ولم يعر الأمر التفاتا وقال لمن سأله إنه غير مهتم بما نشره حمودة من الأساس، والأهم من هذا أن الرجل ولأنه كبير فعلا لم يفكر فى استعداء نقابة الصحفيين ضد حمودة كما فعل حمودة نفسه ضد الصباح، ولم يعلق بحرف على ما كتبه حمودة رغم أن هيكل صاحب فضل حقيقى على حمودة الذى لم يتوقف عن محاولات التقرب منه والتزلف إليه، للدرجة التى دفعته لتأليف كتاب عنه هو عبارة عن حوار طويل معه لم يحقق أى نجاح يذكر رغم التألق الدائم للأستاذ هيكل وكثرة مريديه. وبرغم أن مصادر اقتصادية وصحفية أكدت أن هجوم حمودة على هيكل وراءه مصالح اقتصادية ضخمة للغاية رأت أن تشن الهجوم على الأبناء من خلال والدهم ضمن توليفة واحدة ضخمة ومحبوكة يتم فيها الإساءة للأب والتشهير بالسمعة الاقتصادية للأبناء فى آن واحد. وكان اللافت فى هذه القصة أن حمودة لم يراع حقوق «الأستاذ» عليه، ولم يراع دواعى المهنة الواحدة التى تجمعه بالأستاذ، واستجاب لدواعى المصلحة وانطلق يهاجم الرجل ويحاول اغتيال سمعته هو وأبنائه، وكان اللافت أيضا أن الأستاذ هيكل لم يعر ما كتبه حمودة أى انتباه، لا على مستوى التعليق، ولا على أى مستوى آخر، لكن حمودة الذى يبيح لنفسه ما لا يبيحه للآخرين، أعلن الحرب على «الصباح» لمجرد أنها ذكّرته ببعض عيوبه.
يعيش عادة حمودة فى وهم كبير مفاده أنه أستاذ لجيل كامل من الصحفيين عملوا معه فى مجلة روزاليوسف، وينسى حمودة أن الأستاذ لا ينقل لتلاميذه مهارات المهنة فقط لكنه ولكى يكون أستاذا بحق يجب أن ينقل لهم القيم والأخلاق قبل المهارات، ولعل هذا هو الفارق بين الأستاذ وزعيم العصابة، فزعيم العصابة أيضا ينقل مهاراته لتلاميذه لكنه يظل مهما حقق من ثراء وشهرة زعيم عصابة وليس أستاذا، ويظل المنتفعون من حوله أعضاء عصابة وليسوا تلاميذ وإن ادعوا غير ذلك. ومأساة عادل حمودة الحقيقية أنه لم يكن أستاذا بالمعنى الأصيل للكلمة، ولم يضبط فى يوم من الأيام متهما بنقل قيمة محترمة لتلاميذه. وكانت النتيجة أن شبوا على علاتهم.. الأذكياء والمحترمون منهم ظلوا كذلك، والانتهازيون والسفلة أيضا ظلوا كذلك، وهاجموه بخسة وضراوة عندما حتمت عليهم صراعات السياسة قبل الثورة ذلك، وكان اللافت أن آراء تلاميذه فيه تكاد تكون واحدة، وكلها آراء سلبية تقول إنه تغير وإنه لم يعد أبدا كما بدأ وكل الفارق أن بعضهم آثر أن يحتفظ برأيه فيه لنفسه، والبعض آثر أن يعلن رأيه فيه وأن يفحش له فى القول لأسباب شخصية ونفسية تخص علاقاته المعقدة بمن حوله. مأساة عادل حمودة والتى تثير الشفقة الحقيقية أن كل «تلاميذه» أو الذين يعتبرهم تلاميذه تجاوزوه بمراحل، فالذين احترفوا منهم التقديم التليفزيونى تحولوا إلى نجوم من الطراز الأول، فى حين يقدم هو برنامجا تليفزيونيا باهتا لا يعلم أحد إن كان يلعب فيه دور الضيف أم دور المذيع.. ولا إن كان برنامجا تليفزيونيا أم جلسة دردشة. والذين عارضوا نظام مبارك منهم صاروا نجوما يشار إليهم بالبنان، والذين نافقوا نظام مبارك وأيدوه صاروا أيضا رموزا للنفاق والتأييد، بينما بقى عادل حمودة منتميا للاشىء، فهو لا هنا ولا هناك.. ينافق على سطر ويعارض على سطر، يهاجم النظام صباحا وينافقه مساء، ويهاجم رجال الأعمال فى العلن ويعقد معهم الصفقات فى السر، لذلك بقى كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، استمر فى نفاق نظام مبارك وتأدية الخدمات السرية له ولم يكن يطمح سوى فى رئاسة تحرير الجمهورية لكنهم استكثروها عليه، وكان الرأى أنه متقلب متذبذب، رغم أنه مضمون الولاء، لذلك تم حرمانه من المنصب الذى كان يحلم به، ولعل ملاحظات على حياته الشخصية كان لها دور فى حرمانه من تولى أى منصب رسمى.. وعلى أن عادل حمودة راح يسوق قصة حرمانه من رئاسة تحرير الجمهورية على أنها إحدى دلائل معارضته لنظام مبارك، فى حين أن الصورة ليست كذلك، وكل ما فى الأمر أنه لم يكن محلا لثقة صانع القرار الذى امتلك من المعلومات ما يجعله يحكم أن حمودة غير مؤهل لشغل مناصب رسمية فى حين كان حمودة ومازال مشتاقا لأى منصب رسمى لكنه وعلى ما يبدو سيظل مشتاقا إلى الأبد.
التناقض وسيطرة الطابع الشخصى هما اللذان دفعاه للانتقال من العنترية فى التعامل مع رئيس الوزراء كمال الجنزورى، إلى الانبطاح والنفاق الرخيص لسلفه فى المنصب عاطف عبيد، فما إن تولى عبيد منصبه حتى دبج حمودة مقالا مليئا بالنفاق الرخيص لرئيس الوزراء الجديد، وخصص أكثر من نصفه للحديث عن لوحات الفن التشكيلى التى تزين مكتب رئيس الوزراء، وكيف أنها دليل على ثقافته الرفيعة، وهو ما دفع أحد الكتاب الساخرين وقتها للتساؤل عن السبب الذى جعل حمودة ينبهر باللوحات وهى تعلو رأس عاطف عبيد، فى حين أنه لم يرها من الأساس عندما كانت تعلو رأس كمال الجنزورى، حيث إن ديكور المكتب لم يتغير لكنه النفاق أو الرغبة فى النفاق والتى للأسف لم تؤد ولن تؤدى إلى شىء.
على أن التناقض والانشقاق على الذات لا يحكمهما علاقة «حمودة» بعالم السياسة ولا برموز نظام مبارك فقط، ولكن بعالم رجال الأعمال أيضا، فهم لدى حمودة صنفان الأول هو الأصدقاء وهؤلاء هم من تصله هداياهم وإعلاناتهم، والثانى هم الذين لا تصله إعلاناتهم ولا عطاياهم، وهؤلاء بالتأكيد من رموز الفساد الذين يجب كشفهم وقض مضاجعهم؛ من أجل صالح الوطن والوطنية إلخ والملوخية بالمهلبية. وقد جمعت «حمودة» علاقة صداقة طويلة برجل الأعمال السخى رامى لكح، تناثر خلالها كلام كثير عن علاقات شراكة مالية بينهما، فضلا عن أشياء أخرى لا نخوض فيها احتراما للحرمات التى لا يعرف حمودة كيف يحترمها، وقد تحولت صداقته برامى لكح لعداء شديد بعد خروج رامى من مصر، ونشر حمودة عدة موضوعات اعتبرها رامى تشهيرا به ومحاولة لابتزازه، مما دفعه لتوكيل المحامى مرتضى منصور الذى تولى التعامل مع حمودة بطريقة يعرفها الجميع، وتداولها الجميع فى حينها ولاشك أنها كانت كفيلة بأن ترغم عادل حمودة على التوقف عن التشهير برجل الأعمال الذى كان صديقا له. بينما يعلم الكثيرون أن رجل أعمال كبيرا كان يمول سفريات حمودة للولايات المتحدةالأمريكية لتغطية زيارات الرئيس مبارك الذى يدعى أنه كان يعارضه، فى حين أنه كان يستغل أى فرصة للتقرب منه ولا تثريب على رجل الأعمال فى إقدامه على تمويل سفريات حمودة، فلا عيب فى هذا لكن العيب هو فى حالة الادعاء المستمرة التى تتلبس عادل حمودة، وتجعله يصور نفسه وكأنه الحارس الأمين على مصالح الوطن ضد رجال الأعمال الذين يصورهم «أشرارا» مادامت «حبال الود» لم تتصل بينه وبينهم، و«أخيارا» مادامت حبال الود والإعلانات قد اتصلت بينه وبينهم.
نفس هذا التناقض والازدواجية تجدهما فى تعامل حمودة مع السياسيين، فهو معارض شرس إذا كان المسئول الذى يعارضه رئيس وزراء محترما مثل كمال الجنزورى، أو وزير صناعة مسكينا تعارضت قراراته مع مصالح رجل أعمال من «أحباب» الأستاذ عادل، لكنه فى نفس ذات الوقت الذى يعتز فيه بقدراته الجبارة فى المعارضة لا يستحى أن يصف مسئولا خليجيا كبيرا بكلمات تقول: «إن كلماته هادئة كشاطئ رملى فى ليلة مقمرة واعدة كحقل من سنابل القمح متمكنة كطيار محترف يتنبأ بتقلبات الطقس قبل وقوعها». وأستطيع أن أقول واثقا إن الكلمات السابقة هى قطعة من النفاق الرخيص والفج لرجل ثرى يحاكى بها الأستاذ عادل المداحين من الشعراء الذين يقفون بأبواب الدواوين الأميرية ليقولوا كلاما لا يهدفون من ورائه سوى الحصول على «صرة» الدنانير، وأترك للقارئ الكريم الحكم على الكاتب الكبير.. وإن عدتم عدنا.