من وسط الجهل والفقر خطا خطواته الأولى، فى قرية لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها فى صعيد مصر، وبالتحديد فى عزبة «الكيلو» بمركز مغاغة، محافظة المنيا، حيث تشيع الوصفات الشعبية لعلاج الأمراض، فتكتب النهاية على أعين الصغير الذى لم يتجاوز السادسة فى رحلة الإبصار، لتبدأ بعدها رحلة نجاح الإرادة للأديب الدكتور طه حسين، فيذيع صيته فى كل أنحاء مصر ويتجاوزها عبر الحدود ويصبح بلا منازع «عميد الأدب العربى». تظل حياة الدكتور طه حسين مفعمة بالأحداث والحكايات، فذلك الصبى الذى فقد بصره فى طفولته تحداها بشكل آخر ليحفظ بعدها القرآن كاملاً فى التاسعة من العمر، فيشيخ صباه منذ ذلك الحين، ويصير معروفاً ب«الشيخ» فى قريته الصغيرة. قراءاته للقرآن كانت البداية فى طريقه للعلم، إذ بدأ رحلته الكبرى فى عام 1902 عندما غادر القاهرة متوجهاً إلى الأزهر ليتتلمذ على يد الإمام محمد عبده الذى علَّمه التمرد على طرائق الاتباعيين من مشايخ الأزهر. وفى عام 1908 التحق طه حسين بالجامعة المصرية، وتلقى دروساً فى الحضارة الإسلامية والحضارة المصرية القديمة، ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والأدب والفلسفة على أيدى أساتذة مصريين وأجانب. وفى تلك الفترة أعد طه حسين رسالة الدكتوراه الأولى فى الآداب التى نوقشت فى 15 مايو 1914م عن أديبه الأثير «أبوالعلاء المعرى». فرنسا التى أثرت بدرجة كبيرة فى حياة طه حسين العلمية أثرت بنفس الدرجة على حياته الشخصية ليلتقى بزوجته سوزان بريسو فى مدينة مونبلييه فى 1915 لتصبح بعدها الزوجة والصديقة والحبيبة لنحو 56 عاماً، هى عمر علاقتهما الزوجية، لتكون شريكاً له فى نجاح أنهاه بأكثر من خمسين كتاباً فى القصة والأدب والتاريخ. طه حسين، الذى رحل عن عالمنا فى 28 أكتوبر 1973، جدد فى الأدب العربى بكتاباته وصارت مؤلفاته مثيرة للجدل، بل إنها كانت سبباً فى أن يمثل للتحقيق أمام النيابة العامة، خاصة كتابه «فى الشعر الجاهلى» الذى اتهم فيه بكونه شكك فى وجود سيدنا إبراهيم وإسماعيل وقصتهما التى وردت بالقرآن الكريم وبالتوراة، واتهموه بالكفر بعدما كتب عن نسب النبى محمد، صلى الله عليه وسلم. صدامات فكرية متتالية تنتهى بقرار القاضى بحفظ أوراق القضية لعدم ثبوت قصده فى الإساءة للدين الإسلامى مثلما أشيع، ولانتزاع الكلمات من مضمونها التى قصدت به.