سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زياد بهاء الدين: الديمقراطية ليست «صناديق» فقط.. ولا يجب تكرار أخطاء حكم الإخوان نائب رئيس الوزراء السابق ل«الوطن»: «محلب» أخطأ عندما قال إن حكومته «ليست سياسية»
بعد أشهر من قراره بالاستقالة من الحكومة، وتفضيله الصمت معظم الأحيان، تحدث الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء السابق والمسئول عن المجموعة الاقتصادية بها، عن حقيقة مواقفه المثيرة للجدل داخل أولى حكومات 30 يونيو، التى رأى فيها البعض تمسكاً من جانبه ب«الديمقراطية»، واستغلها آخرون لتصويره على أنه نصير للإخوان أو داعٍ للمصالحة معهم. تحدث «بهاء الدين»، فى حواره مع «الوطن»، عمَّا كان يقصده ب«مبادرة حماية المسار الديمقراطى»، ورفضه لقانون التظاهر، مؤكداً أنه لا ينبغى تكرار الأشياء التى سبق أن جرى انتقادها فى حكم الإخوان، وأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها، مثلما كانوا يفعلون، فى مجرد «صناديق» وإحصاءات عن أعداد الناخبين، وإنما تعنى مناخاً كاملاً يحترم التعددية. وأكد وزير التعاون الدولى السابق، الذى تولى هندسة الملف الاقتصادى فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى فى وقت بالغ الصعوبة والدقة، أن الديمقراطية وثيقة الصلة بالاقتصاد، وأن جزءاً من شروط التنمية المستدامة، التى تحتاجها مصر، هو وجود مناخ سياسى مستقر يتضمن تطبيقاً سليماً للدستور ومشاركة واسعة من الناس فى صنع القرار، لافتاً إلى أنه فات أوان التجارب التى كان يمكنها تحقيق تنمية فى غياب الديمقراطية. ■ هل تعتبر حكومة المهندس إبراهيم محلب امتداداً لحكومة «الببلاوى»، أم تراها مختلفة؟ - أعتبرها امتداداً فى الكثير من الجوانب؛ لأن معظم السياسات الاقتصادية التى أطلقتها حكومة «الببلاوى» لم يتم العدول عنها فى حكومة «محلب»، كما أنها لم تخرج عن القواعد التى تم وضعها فى حكومة «الببلاوى». وكثير مما نُسب، عن حق، لحكومة «محلب»، جاء فى مستند أساسى صدر فى حكومة «الببلاوى» يوم 12 سبتمبر 2013 تحديداً. كان برنامجاً اقتصادياً للمرحلة المقبلة، التى كانت فى تصورى حوالى عام إلى عام ونصف العام، ومعظم المبادئ التى جاءت فيه هى ما تسير عليها حكومة «محلب» حتى الآن، وبالتالى أنا أعتبرها امتداداً لأنها مستمرة فى تنفيذ بعض السياسات، ولأنها لم تعلن عن موقف مغاير مما تم إعلانه خلال حكومة «الببلاوى». لكن هناك اختلافاً كبيراً فى الأسلوب، وهو إدراك رئيس الوزراء الحالى أن الناس مهتمة أن ترى بعينها حركة أكثر فى الشارع واتصالاً أكثر بالجماهير، وأظن كان تقديره لهذا الأمر على صواب. ■ كيف ترى ما قاله «محلب» من أن حكومته «تكنوقراط وليست حكومة سياسية»؟ ألا تعتبر ذلك سلبياً؟ - بلى؛ لأنه لا توجد حكومة لا تُعنى بالشأن العام وبالتالى بالسياسة، وعلينا أن نفهم أن الاقتصاد سياسة، والمجتمع سياسة، والجامعات سياسة، والأسعار والدعم سياسة، والتفرقة غير ممكنة. وهذا الكلام فيه نوع من نفى التهمة وكأن انشغال الحكومة بالسياسة «حاجة غلط»، بينما الحكم هو عمل سياسى فى المقام الأول وواجب على الحكومة، كما أنه يرسل رسالة سلبية عن أن الاشتغال بالسياسة شىء سلبى، بينما هذا هو واجب الحكومة الطبيعى. ■ فى حكومة «الببلاوى» اتخذتم عدداً من القرارات الاجتماعية مثل إعفاء التلاميذ من مصاريف المدارس، وتخفيض تعريفة المواصلات العامة، فى المقابل رفعت حكومة «محلب» جزءاً من الدعم بما أثر سلباً على أوضاع الفقراء، فهل هذا أحد الفوارق؟ - الأمر مختلف قليلاً، أولاً: لا بد أن أذكرك أنه فى عهد «الببلاوى» تمت زيادة المعاشات بنسبة 50%، وتم تخفيض رسوم المواصلات والسفر بالأوتوبيسات، وزيادة المبالغ الموجهة لدعم الوجبة المدرسية، وإقرار الحد الأدنى للأجور لأول مرة، بقيمة 1200 جنيه، حتى لو كان تطبيقه لم يكتمل، وغيرها من الإجراءات الاجتماعية التى أسهمت فى تجاوز الأزمة. أما فى موضوع الدعم تحديداً، فقد كان هناك اتفاق فى الحكومة وقتها على ضرورة بدء اتخاذ إجراءات رفع الدعم عن الطاقة خلال 2014، وبالتالى ما نفذته حكومة «محلب» لا يمكن أن أكون ضده اليوم؛ لأنى كنت أؤيده تماماً وكنا متفقين ومتجهين لتطبيقه قبل نهاية 2014 وهو إجراء صحيح. ■ وهل كنتم ستطبقونه بنفس الكيفية التى تم تطبيقه بها؟ - المبدأ كان قائماً ومتفقاً عليه وإن لم تكن التفاصيل محسومة، والفارق الوحيد أننا كنا نربط ذلك باستكمال بناء «شبكة الحماية الاجتماعية»، عن النقص الذى سيحدث لهم جراء رفع الدعم عن الطاقة، وهذا لم يحدث مع قرار رفع الدعم الذى اتخذته حكومة «محلب». ومع ذلك فإن الوقت لم يفُت وما زالت الفرصة قائمة ومطروحة وضرورية، لبناء شبكة الحماية الاجتماعية، وهو ما أعلم أن وزارة التضامن الاجتماعى تسعى لاستكماله قريباً وفى اعتقادى أنه الملف الأهم فى كل الأجندة الحكومية، خاصة أننا مقبلون على تخفيضات قادمة فى دعم الطاقة. ■ لكن هناك من قال إنه كانت هناك مصادر أخرى يمكن من خلالها سد عجز الموازنة عبر رفع الدعم مثلاً عن مصانع الأغنياء كثيفة الاستهلاك للطاقة التى تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية؟ - حجم دعم الطاقة الذى كان موجوداً لا يمكن تبريره بأى منطق، وكانت البلاد ستتجه معه إلى أزمة لا تخرج منها، فعندما تخصص 140 مليار جنيه سنوياً لدعم الطاقة، أولاً، لا يمكن أن تستمر فى توفير هذا المبلغ سنوياً، لا سيما مع المصادر المحدودة جداً المتاحة، وبالتالى فتخفيض دعم الطاقة حتمى لأى شخص مسئول عن إدارة البلد، وبدلاً من أن نقول إن تخفيضها تم بشكل خطأ، الأهم من ذلك هو الكيفية التى نعوّض بها من أضيروا، وهنا تأتى أهمية شبكة الحماية الاجتماعية. «حماية المسار الديمقراطى» ■ هل كنت تقصد من مبادرة حماية المسار الديمقراطى، التى تقدّمت بها لمجلس الوزراء، حقاً المصالحة مع الإخوان، أو أن تكون باباً خلفياً لعودة الإخوان والسلفيين للمشهد، حسبما قال منتقدو المبادرة وقتها؟ - المبادرة أُسىء فهمها ومناقشتها فى الإعلام وأوساط الرأى العام، وأعتقد أن جزءاً من هذه الإساءة كان بغرض إفشالها. لأن غرضها، كما هو اسمها بالضبط، حماية المسار الديمقراطى، وليس رجوع الإخوان إلى الحكم، فرجوعهم كان مسألة منتهية، لأننا وكل الشعب المصرى نزلنا يوم 30 يونيو لإسقاط حكمهم، فلا يوجد مبرر على الإطلاق لإرجاعه من باب خلفى، خصوصاً أنى كنت من المعارضين لهم خلال حكمهم. والهجوم على المبادرة من هذا المنظور، كان القصد منه أن توصم بشىء معين بما يؤدى إلى عدم نجاحها. ■ وماذا كان فى اعتقادك الغرض من وراء محاولات إفشالها؟ - أظن أنه ربما كان الرأى العام غير مهيأ أو غير مستعد للتمسك بمبدأ عدم الإقصاء وحماية المسار الديمقراطى، فى ظل الظروف التى كانت موجودة وقتها بالإضافة إلى أنه، حسبما أتصور، هناك أناس معترضة بالفعل على عودة المسار الديمقراطى، وبالنسبة لها فإن مبادرة تحمى حرية الجمعيات والتظاهر وتداول المعلومات، وتفتح الباب لمشاركة من ينبذون العنف هذه كلها أشياء غير مطلوبة بالنسبة لهم، فكان الهجوم على المبادرة ضرورى لوقف إمكانية تحقّق أىّ من ضمانات حماية المسار الديمقراطى التى كان منصوصاً عليها فى المبادرة. والمبادرة كانت بها ضمانات معينة تتاح لكل الأطراف على الساحة السياسية، ومنها حق كل طرف ينبذ العنف ولا يستخدمه مطلقاً، فى أن يكون جزءاً من العملية السياسية، وهو الكلام الذى كرره بالمناسبة رئيس الجمهورية منذ 3 أسابيع بنفس اللفظ تقريباً. ■ لكن البعض اعتبر أن نبذ العنف المادى وحده غير كافٍ، لأن «الإسلام السياسى» الذى أدخل مصر فى مأزق خلال فترة حكم الإخوان وما قبلها، كانت خطورته الرئيسية فى خلطه للدين بالسياسية وما يتبناه من أفكار تولد التطرّف والإرهاب، وبالتالى كان ينبغى أن تكون المبادرة أكثر تحديداً؟ - وقد كان، فالمبادرة كانت بها 12 نقطة، وإحدى هذه النقاط هى الفصل التام بين الدين والدولة، وحظر استخدام الجوامع والكنائس فى السياسة. واللغة التى كانت موجودة فى المبادرة، كان فيها بوضوح شديد مبدأ الفصل بين الدين والدولة، بما يعنى عدم جواز خلط الدين بالسياسة، وعدم قبول أى طرف لا يحترم القانون، فلم تكن المبادرة تدور حول نبذ العنف فقط، وإنما تنص على احترام القانون وخارطة الطريق، وعدم اعتماد أى نوع من التمييز الدينى أو غيره. وأظن المسألة كانت واضحة جداً، لكن تم تجاهلها من أجل تقديم المبادرة على أنها «باب خلفى»، بينما كان غرضها مختلفاً وأهم من ذلك بكثير، وهو المحافظة على المسار الديمقراطى حتى فى لحظة العنف الذى كان جارياً فى الشارع. ■ لكن مصطلح «عدم الإقصاء» الذى استخدمته ربما انطوى على بعض الالتباس، حيث فهم البعض أن المقصود منه عدم إقصاء الإخوان والسلفيين عن المشهد؟ - عدم الإقصاء يعنى أن تضع شروطاً لدخول الساحة السياسية، سواء فى شكل انتخابات أو حكومة أو تعبير عن الرأى، والمهم أنها تكون شروطاً واحدة وتنطبق على الجميع، ونحن وضعناها فى المبادرة، وتتضمن نبذ العنف واحترام القانون وفصل الدين عن السياسة، وطالما وضعت هذه الشروط لا بد أن تقبل بأن ينضم إلى هذه الساحة من يوافق عليها. وبالتالى كان المقصود «عدم إقصاء» كل من يقبل بشروط عمل سياسى مدنى ديمقراطى وليس «عدم إقصاء الإخوان»، وأن تنتهى حالة الإقصاء المستمر فى مصر من كل تيار يجد نفسه فى الحكم. ■ هناك من كان يقول إنك كوزير فى المجموعة الاقتصادية كان ينبغى أن تركز أكثر على الاقتصاد والمصالحة بين السلطة وفقراء الشعب، بمزيد من الإجراءات فى مجال العدالة الاجتماعية؟ - أعتقد أن ذلك كان جزءاً من الحملة، التى كانت تسعى لإجهاض المبادرة. وأظن أن 95% من وقتى فى الحكومة كان لإدارة الملف الاقتصادى، والتنسيق ما بين أعضاء المجموعة الاقتصادية، ولذلك ستجد أن الحكومة تشكلت فى يوليو 2013، وفى 12 سبتمبر من نفس العام، أعلنا برنامجاً مفصلاً إلى حد كبير ومفهوماً للناس، وتم البدء فى تنفيذه، وفى أواخر ديسمبر كتبت تقريراً عما حدث فى 6 أشهر من عمر الحكومة، وبه إجراءات اقتصادية كثيرة تم اتخاذها وتصور للمرحلة المقبلة. أظن العمل الاقتصادى الذى جرى إنجازه فى هذه الفترة كان ضخماً جداً، وبالتالى أنا لم أكن مقصراً فيه، لكن أن تكون عضواً فى الحكومة ويُطرح عليك موضوع مهم مثل قانون التظاهر أو المسار الديمقراطى، فلا يكون لك رأى فيه، فهذه مسألة محل تحفّظ شديد، هذا غير صحيح فى أى بلد فى العالم وفى أى حكومة جادة. أما الاعتبار الثالث فهو أن «حماية المسار الديمقراطى» وثيق الصلة بالملف الاقتصادى، لأنى أعتقد أن جزءاً من شروط التنمية الاقتصادية المستدامة التى تحتاجها مصر، يتطلب مناخاً سياسياً مستقراً وتهدئة المجتمع ومساراً ديمقراطياً يُشعر الناس بأن هناك آليات مؤسسية تعمل فيه وتطبيقاً سليماً للدستور. ■ هل وافق أعضاء الحكومة على مبادرة حماية المسار الديمقراطى، بالإجماع؟ - المبادرة تم الموافقة عليها من الحكومة بكامل أعضائها، لأنها قدمت فى شكلها الأول يوم 18 أغسطس، فى اجتماع لمجلس الوزراء، وعدد من أعضاء الحكومة طلبوا إرجاءها إلى جلسة أخرى لمزيد من الدراسة، وانعقد مجلس وزراء آخر بعدها ب3 أيام، وأدخلوا تعديلات على صياغاتها فى مواضع عديدة، وتليت عليهم بشكلها الأخير، وتمت الموافقة بإجماع الحاضرين. ■ سبق وقلت إن شركاءك فى الحكومة لم يدافعوا عن المبادرة، بالرغم من موافقتهم عليها، هل ذلك كان متعمداً؟ - لا أريد أن أتبنى اعتقاداً بأن هناك مؤامرة كونية تدور حولى، المسألة أكبر من ذلك، وهى أن من يعمل فى السياسة فى مصر اليوم أصبح يخشى من الإعلام أكثر مما ينبغى، وهو ما يقيد ويحدث خللاً. وأعتقد أن رد الفعل الإعلامى العنيف حيال هذه المبادرة جعل الناس تتردد فى الدفاع عنها، رغم أنها جاءت بإجماع وموافقة الحكومة كلها. ■ بعد قرابة عام من العمل بقانون التظاهر، هل ما زلت ترى أن إصداره كان خطأً؟ - نعم، وهو من الأسباب الرئيسية التى دعتنى إلى الاستقالة، لأن الخلاف أصبح واضحاً أنه ليس خلافاً فى الدرجة، وإنما فى المبدأ، وأعتقد أنه كان قانوناً غير موفق فى هذا التوقيت، وكان يتم تقديمه للرأى العام باعتباره سيحقق شيئاً لم يحققه فى الواقع، فهو كان يُقدّم باعتباره أداة ضرورية لوقف العنف الذى يرتكبه المسلحون فى الشارع، بينما من ينزل إلى الشارع مسلحاً لن يؤثر فيه قانون يقول إنه ينبغى أن يقدم طلباً ويقول أسماء المشاركين فى المظاهرة، فعندما يكون أمامك تظاهر عنيف أو غير سلمى فهناك مواد فى قانون العقوبات كافية تماماً للتعامل معه. وكثير ممن كانوا مؤيدين لهذا القانون فى ذلك التوقيت، معترفون الآن بأن القانون لم يكن له ضرورة، وأنه أتى بنتائج سلبية للغاية، خاصة فى شق تحالف 30 يونيو، وإلغاء بند التظاهر السلمى المنصوص عليه فى الدستور، وحبس شباب وشابات قدموا حياتهم لكى تتقدم البلاد. وربما من الضرورى إعادة النظر فيه، وأتحدث هنا عن عدد من وزراء الحكومة السابقة وعدد من وزراء الحكومة الحالية. وأظن أنه مع الوقت يزيد وضوحاً أن هذا القانون لم يكن موفقاً فى هذا الوقت، لأنه لا يؤثر فى التظاهر العنيف، ويقيّد التظاهر السلمى، ويشق جبهة 30 يونيو، ويضع قيداً على حق الاحتجاج السلمى، فى وقت، البلاد ليست بها قنوات أخرى للتعبير عن الرأى، فعندما نكون فى بلد لا يوجد به مجلس شعب، ولا مجالس محلية، ولا أحزاب نشطة بما يكفى، فكيف ستعبر الناس عن رأيها. ■ ما الأسباب الحقيقية فى وجهة نظرك لإصدار هذا القانون؟ - الظاهرة ليست خاصة بمصر وحدها، فعندما تكون الناس فى وضع به تهديد لأمنها واستقرارها تقبل أشياءً تقدم إليها على أنها أشياء أخرى، ورأيى أنه تم تقديم هذا القانون على أنه الوسيلة المناسبة لردع التظاهر العنيف وعودة الأمن، بينما ليس له علاقة بهذا الموضوع، ومواد قانون العقوبات وحدها كافية تماماً لذلك. ■ هل كان جزءاً مما يراه البعض إجراءات وتدابير تأخذها «الثورة المضادة» أو القوى المعادية للتغيير؟ - لن ألجأ بسهولة إلى اصطلاحات مثل «الثورة المضادة»، لأننى أعتقد أننا فى وضع متغير جداً، ومن الصعب أن تقسم المجتمع إلى ثورة وثورة مضادة. هناك مشاعر حقيقية عند الناس وهم لديهم الحق أن يخافوا ويقلقوا على أنفسهم، لكن من الخطأ بالنسبة لمن يعمل فى مجال السياسة أو الإعلام، أن يرتكن إلى هذه المشاعر الحقيقية ليحقق مصالح أخرى، مثل وأد حق التظاهر السلمى وحرية التعبير. ■ هل تعتقد أن مصر، الآن، تسير بعد إقرار الدستور وانتخاب رئيس على طريق بناء الديمقراطية فعلاً؟ - سأبدأ من ناحية مختلفة، أنا دائماً أحاول أن أذكر نفسى بضرورة ألا نعيد، كبلد وكمجتمع، تكرار الأشياء، التى انتقدناها فى حكم الإخوان، ونزلنا من أجلها إلى الشارع ضدهم. وقد كان من أهم ما أثار الانتقاد للإخوان فكرة أنك تختزل الديمقراطية فى وقوف الناس أمام صناديق الاقتراع، فالإخوان عندما كانوا يقولون إنهم الحكم الشرعى الوحيد كانوا يقولون نحن أخذنا كذا فى المائة فى الانتخابات، وكان ردنا باستمرار أنكم أخذتم كذا فى المائة فى الانتخابات فى إطار مناخ فاسد سياسياً وغير ديمقراطى من أساسه. وهنا سأرجع لفكرة المسار الديمقراطى، مهم هنا ألا نعتقد أن الديمقراطية هى أن يصطف أناس لمدة يومين أو ثلاثة بالملايين، هذا ضرورى، لكنه ليس كافياً، فهناك مجموعة من الضمانات والأطر التى تحيط بالعملية الديمقراطية وإذا لم تتوفر تكون هذه العملية الانتخابية غير مكتملة والمسار غير سليم. ■ فى رأيك ما أسباب هذا «الانحراف» والاتجاه لاختزال الأمر فى مسألة «الصناديق»؟ - نحن فى ظرف خاص جداً يجب أن نحترمه، لكن لا بد أن نتعامل معه أيضاً بشكل سليم. فبالرغم من صعوبة الحياة والوضع الأمنى وتضحيات الشرطة والجيش والرغبة الحقيقية للناس فى أن تعيش حياة أكثر أمناً، نقول إن جزءاً من هذا يتحقق إذا التزمنا بالمسار الديمقراطى وليس إذا تراجعنا عنه. ■ وكيف ترى العلاقة من وجهة نظرك بين الديمقراطية وتطبيقها بشكل حقيقى، وبين تحقيق مطالب الناس؟ - هناك اعتقاد أن هناك بلاداً تقدمت اقتصادياً، وحققت استقراراً وأمناً فى غياب الديمقراطية بالكامل، ولكن هذا الكلام التاريخ تجاوزه، ما كان صالحاً من 30 أو 40 سنة لا يصلح اليوم، فاليوم أنت فى مجتمع منفتح تماماً على العالم، وأمام مجتمع أغلبيته من الشباب الذى على دراية بما يحدث فى العالم وبالحقوق التى يدافع عنها الناس فى العالم كله. ومن جانب آخر فإن الديمقراطية ليست أن تقف أمام الصندوق، الديمقراطية فكرتها أن يشارك المجتمع كله فى اتخاذ القرار، وهو ما يجعل هذه القرارات مصونة. بمعنى آخر فإن جزءاً من قدرة مصر على أن تتقدم اقتصادياً وتتجاوز الأزمة الاقتصادية التى نحن فيها، فى تقديرى الخاص مرتبط بحدوث نوع من التوافق السياسى وبناء المؤسسات السياسية، التى من خلالها يكون الناس مشاركة فى صنع القرار، وبالتالى تقبله بصورة أكبر. ■ لماذا رأيت -كما جاء فى استقالتك- أن دورك فى المرحلة المقبلة سيكون أكثر اتساقاً فى العمل السياسى والحزبى؟ - العمل الحزبى كله يمر بوقت صعب، وأظن أنه لن يعاد بناء الأحزاب بشكل سليم، إلا فى أعقاب الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومصر فيها أحزاب أكثر من اللازم معظمها فى حاجة لأن يندمج أو يختفى. كذلك لا شك أن كثيراً من الأحزاب التى نشأت بعد الثورة بعد انتخاب البرلمان ثم بعد انتخاب الرئيس محمد مرسى، وتشكلت على أنها تنتمى لتيار كنا نقول عليه وقتها «التيار المدنى»، الذى كان همه الأول إزاحة الحكم الدينى من البلد، وهذا انتهى. والأحزاب محتاجة أن تعيد دفتها مرة أخرى لمواجهة متطلبات وتحديات المرحلة المقبلة التى سيغلب عليها العدالة الاجتماعية وإعادة البلد للمسار الديمقراطى.