السيسى يرفض رئاسة حكومة عسكرية من 10 وزراء ويدعم رئيس الحكومة الحالية قائلا: «الأمن شغلتنا»
ثمة حملة شرسة على حكومة الدكتور الببلاوى، الهجوم على الحكومة وحتى لعنها ليست سابقة لا قبل الثورة ولا بعدها وحكومة الببلاوى تستحق فى بعض الملفات والمواقف الهجوم، لكن هذه الحملة الجديدة نيران صديقة بمعنى الكلمة، نيران ليست من صنع الإخوان، وإن كانت تخدم أهداف الإخوان، ولا يغذيها الغضب الشعبى، فالشعب المصرى صابر ومقدر الظرف الصعب الذى تمر به البلد، ويكتفى بالتنفيس عن غضبه فى ليالى الحظر الطويلة، لكن النيران التى تضرب حكومة الببلاوى الآن تأتى من قلب النخبة الحاكمة، تتخذ أحيانا شكل تصريحات بدون اسم فى الصحف الصديقة، وأحيانا أخرى تتخذ شكل دراسة رصينة عن أثر أداء أو بالاحرى ضعف اداء الحكومة وآثاره السلبية فى ما تبقى من المرحلة الانتقالية، ومرة أخرى فى شكل اقتراح بتشكيل حكومة قوية وقادرة، حكومة حرب، يقودها رجل أمن يواجه حرب الارهاب، بعض الاقتراحات تحمل بالطبع حسن النية والقلق على البلد، لكن الصراعات أو بالاحرى المنافسات السياسية تغلف النوع الآخر من الاقتراحات ضمن أكبر موجة من النيران الصديقة التى تتعرض لها حكومة الببلاوى.
منذ اللحظة الأولى لحكومة الببلاوى وحتى قبل ولادة الحكومة ومنحها شهادة ميلاد واجهت الحكومة منافسة وخصومة، ولكن زهو الأيام الأولى للانتصار على الإخوان وخلعهم أخفى هذا الجزء من الصراع إلى حد كبير، وقد اتخذ هذا الخلاف شكل صراع القصر. فقد كانت حكومة الببلاوى أول حكومة فى تاريخ مصر لاتخضع كاملة لمؤسسة الرئاسة فى ظل رئيس مؤقت، خاصة أن الفريق السيسى اختار ألا يتدخل فى أعمال كل من الحكومة والرئاسة، وأن يترك المسار السياسى والتقاليد تحكم حركة النخبة الحاكمة، ولذلك تتمتع حكومة الببلاوى بأكبر قدر من الحرية فى اختيار الوزراء، بالطبع خضعت الاختيارات للتوازنات السياسية، ولكن ضغوط مؤسسة الرئاسة والرئيس المؤقت لم تمثل عائقا أمام الببلاوى، وظهر التباين فى الآراء بين رئيس الحكومة والرئاسة عبر تصريحات المستشار الإعلامى للرئيس أحمد المسلمانى التى تدخل فى صميم اختصاص الببلاوى فى تشكيل الحكومة، مرة بالتصريح بإلغاء وزارة الإعلام، ومرة أخرى بتشكيل حكومة سياسية، وسار الببلاوى عكس اتجاه هذه التصريحات فأبقى على وزارة الإعلام، وشكل حكومة خبراء (تكنوقراط)، وإن كانت الحكومة تضمن وزراء من ترشيحات لجبهة الإنقاذ وحركة تمرد، والآن بعد مرور نحو أربعة أشهر على حكومة الببلاوى عادت محاولات إقصائه عن الحكومة تطل بقوة، وتبلورت هذه المحاولات حول صخرة الأمن وضرورة عودة الاستقرار بحكومة حرب قوية.
خلال الاسابيع الماضية تقدم أحد مستشارى الرئاسة لرئيس الجمهورية عدلى منصور باقتراح، أو بالاحرى دراسة عن ضرورة تغيير الحكومة الحالية لضعفها، وتشكيل حكومة ما أسماه «حكومة الحرب»، وذلك فى إشارة للحرب على الارهاب التى تخوضها مصر الان، ولم يتحمس عدلى منصور لتغيير حكومة الدكتور الببلاوى من حيث المبدأ، لأن الببلاوى كان الوحيد الذى قبل بمغامرة تولى رئاسة الحكومة بعد رفض الكثيرين، ووضع رقبته تحت المقصلة، أما السبب الثانى لعدم تحمس الرئيس المؤقت عدلى منصور، فهو أن تغيير الحكومة الآن يعنى إعلان فشل الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية، ويمنح فرصة لخصوم خارطة الطريق باستغلال هذا الرحيل السريع لحكومة الببلاوى، وحاول مستشار الرئيس أن يزيل العقبات أمام اقتراحه فأكد أن المكاسب التى ستجنيها الرئاسة من وجود حكومة قوية اكبر من خسائر تلك، ولكن عدلى منصور استمر على عدم حماسه لفكرة رحيل الببلاوى، وكان المرشح البديل للببلاوى هو وزير الاسكان المهندس ابراهيم محلب بحجة أنه الوزير الوحيد الذى أنجز بعض الملفات وله شعبية فى الشارع، وأن محلب يستطيع أن يحقق إنجازات سريعة فى ملف الخدمات كالإسكان ورصف الطرق وإقامة وتجديد شبكات المياه والصرف والصحى.
مرة أخرى جرت محاولة الأسبوع الماضى بإزاحة الببلاوى عن رئاسة الحكومة، وصلت أنباء المحاولة أو الاقتراح بطريق غير مباشر إلى وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى، والاقتراح يحمل ايضا تشكيل حكومة حرب برئاسة السيسى نفسه لمواجهة الإرهاب وفرض الأمن، وهى مهمة رأى أصحاب هذا الاقتراح أن الببلاوى- وهو خبير اقتصادى- فشل فى تحقيق الأمن، وكان الفريق السيسى قد رفض رفضا قاطعا خلال رحلة البحث عن رئيس الحكومة تولى هذا المنصب، ولكن السيسى رفض الاقتراح بل إنه دعم الببلاوى وقال إن الأمن شغلتنا (يقصد الشرطة والجيش)، وطرح أصحاب هذه المبادرة أو الرأى اسم اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية باعتباره رجل أمن دولة سابقاً.
المثير أن أداء اللواء عادل لبيب فى وزارة التنمية المحلية محل اعتراض، ومثار انتقادات، وبالمثل هناك انتقادات لأداء كل من وزراء الاستثمار أسامة صالح، والتموين محمد أبوشادى، والكهرباء الدكتور مصطفى شعبان، والبترول شريف إسماعيل.
وحاول البعض استعادة تجربة أو بالأحرى فشل رئيس الحكومة الدكتور عصام شرف حينما حل الدكتور كمال الجنزورى رئيسا للوزراء بدلا منه فى نهاية الفترة الانتقالية، واحتفظ الجنزورى بوظيفة مستشار طوال حكم مرسى، وحتى فى وجود عصام شرف على رأس الحكومة فإن الجنزورى لم يكن بعيدا عما يدور فى كواليس الحكم، ومؤيدو عودة الجنزورى رئيسا للحكومة للمرة الثالثة يرون فيه رجلا قويا يصمد فى مواجهة الأزمات، ويضربون مثالا بصموده فى مواجهة كارثة محمد محمود الثانية، وبالإضافة إلى خبرته الاقتصادية، لكن الدكتور الجنزورى كان قد رفض تولى رئاسة الحكومة بعد ثورة 30 يونيو، ولاشك أن الرجل قدر أن وجوده على رأس الحكومة كان سيلاقى معارضة من جناح كبير من جبهة 30 يونيه.
لاشك أن تغيير الحكومة الآن هو مغامرة سياسية كبرى، خاصة أنه فى ظل الظروف الحالية فالبعض لا يراهن على اختلاف جذرى فى أداء أى حكومة، ولكن ربما يكون اجراء تعديل فى بعض الوزراء وارداً، خاصة أن رئيس الحكومة الدكتور حازم الببلاوى قد صرح بأن أداء بعض الوزراء لم يكن على قدر توقعاته منهم، لكن هذا التعديل يجب أن يكون فى أضيق الحدود وتحت سيف الضرورة القصوى، ففى مصر وجود وزير جديد يترجم عمليا لشهرين على الأقل من الشلل فى دولاب العمل، وأكبر أزمات حكومة الببلاوى هو البطء الشديد.
ولكن بعيداً عن مخاطر التغيير من زاوية شلل العمل، فإن ثمة إشكالية تعمق الصراع السياسى حول الحكومة، حتى لو أجرى الببلاوى تعديلا محدودا على حكومته، فالوزراء الذين كان الببلاوى يقصدهم فى تصريحه لم ولن يفجروا الخلاف أو الصراع السياسى الدائر حول حكومة الببلاوى، لأن الاعتراضات الكبرى تتجه نحو ما اصطلح على تسميته لوبى اللبيراليين فى حكومة الببلاوى، هذا اللوبى الذى كانت أبرز معاركه أو بالاحرى سماته معركة قانون التظاهر، فالوزراء الذين اعترضوا على تمرير قانون التظاهر خلال المناقشة الأولى له فى مجلس الوزراء اكتسبوا عداء فريق فى الحكومة والنخبة الحاكمة، وهذا الفريق توجه له الاتهامات بأنه وراء ضعف الحكومة فى ضرب الإخوان بيد من حديد، أو إصدار قانون حاد وقوى بشأن التظاهرات أو الإصرار على انتظار حكم قضائى بحل الإخوان.
ويرتبط هذا اللوبى بصلات مع الرئاسة عبر المستشار الاستراتيجى والرئاسى الدكتور مصطفى حجازى، وذلك من خلال لجنة الحفاظ على المسار الديمقراطى.
وتثير أفكار وآراء هذا اللوبى حفيظة معارضيهم، هؤلاء المعارضون يرفعون شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإخوان» أو بالاحرى على الإرهاب، ولذلك لا يبتلعون حكاية الحفاظ على المسار الديمقراطى، أو المخاوف من عودة الدولة البوليسية، ولذلك فإن جانباً لا يستهان به من الحرب على حكومة الببلاوى هو فى الحقيقة حرب على هذا اللوبى، والكلام عن حكومة حرب بعشرة وزراء برئاسة شخصية عسكرية يهدف فى حقيقة الامر إلى إقصاء هذا اللوبى، وهنا مكمن الخطورة فإجراء تعديل وزارى وارد أو حتى تغيير الحكومة كلها، ولكن المنطق أو الهدف لا يجب أن يكون محاولة للسيطرة على مسار خريطة الطريق، وأول معالم هذه الخارطة هو التمهيد لمرحلة ديمقراطية، وقد شهدت الديمقراطية فى مصر تشوهات كثيرة، ولا أظن أن سياسة أو مدرسة القبضة الحديدية، يمكن أن تؤدى إلى ديمقراطية حقيقية، حتى لو كانت ديمقراطية الشلاليت والضرب على القفا.