لو كان الدكتور سيد عبدالخالق وزيراً للتعليم العالى فى اليابان، لانتحر يوم الأحد الماضى، بعد ما جرى فى الجامعات!.. فى بلاد الشمس المشرقة لا يستطيع المسئول الفاشل أن ينظر إلى وجهه فى المرآة.. يخجل من نفسه ويجد فى الانتحار الوسيلة المثلى للحفاظ على كرامة أبنائه وعائلته! بالتأكيد أنا لا أدعو وزيرنا الفاضل إلى الانتحار.. معاذ الله! فالفعل محرّمٌ فى كل الأديان السماوية، بل أطالبه فقط بالتمعّن فى دلالة حوادث انتحار المسئولين فى اليابان وكوريا الجنوبية وغيرهما الذين اختشوا فماتوا أو على الأقل استقالوا! أدعوه ليجلس إلى نفسه ويستعين بمحرك «جوجل» (إن كان يجيد ذلك) ويبحث عن اسم (ماتسوكا) وزير الزراعة اليابانى الذى انتحر قبل ساعات من مثوله أمام التحقيق بسبب تجاوزات إدارية!.. أدعوه إلى قراءة قصة عالم الأحياء اليابانى (ساساى) الذى قرر مفارقة الحياة لأن إحدى طالباته تلاعبت فى نتائج بحث علمى أشرف هو عليه ونشرته مجلة علمية شهيرة! فشل الدكتور عبدالخالق فى التعامل مع أزمة الجامعات قبل اشتعالها، عندما اعتقد أن الدواء يكمن فى تصريحاته العنترية التى سبقت أحداث العنف الأخيرة.. ثم زاد الطين بلة عندما تعامل مع تلك الأحداث ليس كمسئول ينبغى عليه تقديم رؤية واضحة للحل، إنما كواحد من أولاد البلد حين يتدخّلون لفض نزاع بين جارين فى حارة شعبية فينحازون إلى طرف على حساب الآخر!.. ما جرى فى جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان وغيرها لم يكن مفاجئاً لأحد.. كان متوقعاً قيامُ طلاب الإخوان بمحاولات تعويض الهزائم التى مُنيت بها الجماعة، وأن يشاركهم فى ذلك طلابٌ من مختلف التوجهات السياسية المعارضة للحكم.. كنت أتصور أن الاجتماع الموسّع الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى وضم عدداً من رؤساء الجامعات يوم 11 سبتمبر الماضى، يمثل فرصة لوزير التعليم العالى كى يقدم من خلاله استراتيجية للتعامل مع عنف محتمل، لا أن يكتفى بترديد عبارة: كله تمام يا فندم مخاطباً بها الرئيس، ثم يخرج من خلال وسائل الإعلام ليردّد عبارات تهديد أجوف يسوّقُ بها نفسه أمام الرأى العام!.. كنت أظن أن الوزير استوعب سياسة المصارحة التى يتبنّاها رئيس الجمهورية، ليجعلها أساساً للحوار والتواصل مع اتحادات الطلاب قبل بدء العام الدراسى، كنت أحسبه مدركاً أن الإجراءات الأمنية لن تُفلح وحدها فى جلب الهدوء إلى الجامعات، وأن اقتصار الحلول على تلك الإجراءات وإيمان الوزير بها يعنى دفع طلاب آخرين إلى معسكر الإخوان، ويعنى أيضاً أن المهندس إبراهيم محلب ارتكب خطأً جسيماً باختياره رئيسَ جامعة وزيراً للتعليم العالى، إذ كان ينبغى عليه فى هذه الحالة ترشيح أحد لواءات الشرطة من الذين نجحوا فى إدارة مصلحة السجون! قد يقول قائل إن سياسة التعامل مع عنف طلاب الإخوان فى الجامعات لا يرسمها الوزير عبدالخالق فقط.. هذا صحيح بالفعل، لكن الوزير هو مندوب المبيعات الذى سوّق للحكومة بضاعة فاسدة.. وصوّر للجميع أن عضلات عناصر (فالكون) كفيلة بردع أى شغب! منطقٌ ساذج يصلح لحماية مركز تجارى وليس جامعات يضم بعضها عشرات الآلاف من الطلاب، الذين استفزهم التلويح بالعصا، وعادوا من الإجازة الصيفية محمّلين بالغضب، جراء تصريحات الوزير التى هدد فيها كل من يمارس السياسة داخل الجامعة دون أن يقدم البديل! كل ما أخشاه أن يركن الوزير إلى هدوء مؤقت فى الجامعات، فيصور لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء أن الأمر انتهى.. ستكون تلك أم المصائب التى تحول دون علاج حقيقى للأزمة.. علاجٌ أساسه التوازن بين الحزم فى مواجهة دعاة العنف والتخريب من جهة، ومنح الطلاب السلميين بدائل مشروعة للتعبير عن مواقفهم السياسية من جهة أخرى.. لكن أهم خطوة لتحقيق ذلك هى استقالة الدكتور سيد عبدالخالق أو إقالته، إذ إن الشهور الأربعة التى مرّت على تعيينه كشفت إمكاناته المتواضعة، التى لا ترقى لاضطلاعه بمسئولية غاية فى الخطورة، لا سيما أن المرحلة حساسة بما يكفى ليقوم المهندس محلب بغربلة وزرائه.. لا ضرر إطلاقاً أن يستبدل مدرب الفريق لاعباً بآخر بعد مرور وقت قصير من بدء المباراة، إن كان أداؤه يُنذر بهزيمةٍ نكراء!