«ريشة» و«طاطا» و«اللمبى».. أسماء حركية لأطفال شوارع تركوا منازلهم بحثا عن مأوى آمن فوق كبارى المنيا، ولسان حالهم يقول: «أين حكومة بلدنا؟ هل هانت عليهم دمعتنا؟». لم يكن يخطر يوما ببال الطفل محمد عمران، وشهرته «طاطا»، أن يترك حضن أسرته الدافئ ويتجه إلى الشارع للبحث عن مضجع آمن فوق الكبارى والأرصفة، غير أن ظروف أسرته الصعبة دفعته لهذا؛ حيث يحكى مأساته قائلاً: «كنت أعيش فى حى كدوان مع أشقائى السبعة، ومات أبى وعمرى صغير، وكان يعمل سمكرى بوابير الجاز، فقررت العمل لمساعدة أمى، وتوجهت إلى الكورنيش، فوجدت أطفالاً فى سنى يبيعون المناديل الورق وجلد الحنفيات وأنابيب البوتاجاز، فطلبت منهم أن أعمل معهم فاصطحبونى إلى المعلم مصطفى الذى طلب منى أن أجمع الكراتين من الشوارع مقابل الحصول على 13 جنيها يوميا، وبالفعل وافقت، وفى الشتاء كنت أشعر بالبرد الشديد، ومع مرور الوقت تعودت عليه، حتى إننى كنت أنام تحت كوبرى (الإضافية) فى عز الشتاء مع باقى زملائى». «اللمبى» هو الاسم الحركى للطفل وليد يحيى الذى يروى يومياته فى الشارع ل«الوطن» قائلا: «تركت منزل أبى الذى يعمل زبالا بسبب معايرته لى بالرسوب فى المدرسة وتوجهت للعمل فى ورشة إصلاح إطارات سيارات، وبعد مرور أسبوع ضربنى صاحب الورشة وطردنى وقال لى (امشى يا حرامى)، فذهبت للمنزل، وقلت لأبى ما حدث فضربنى أيضا وطردنى من المنزل، فوجدت نفسى فى الشارع، وقررت المبيت على الكورنيش، وهناك تعرفت على 4 أطفال من سنى يعملون مع كهربائى سيارات فاصطحبونى إلى الورشة لأعمل معهم، وعلمونى تدخين السجائر، وبعد انتهاء العمل كنا نذهب لنجلس على مقهى بجوار موقف السيارات لنشرب الشيشة ونبيت فى نفس المكان، بعدها طردنا صاحب الورشة واتهمنا بالسرقة، فقررنا أن نبيع المناديل فوق كوبرى المحطة، وكان أغلب المارة يعطفون علينا بالمال، وعندما نشعر بالجوع نتردد على مطاعم الفول لنحصل على الطعام دون مقابل». أما الطفل عبود عبدالرافع، الشهير ب«ريشة»، فقد ترك منزل أسرته بالسلخانة ليقوم ببيع المناديل بشوارع المدينة وأمام المدارس ليساعد والدته، ويعود إلى منزله كل ليلة لينام وسط أشقائه الثلاثة، ويحكى يومياته بالشارع قائلا: «أخرج من البيت فى الصباح الباكر لبيع المناديل؛ لأن أبى يسافر كثيراً إلى القاهرة للعمل فى سوق الخضار، وعندما يعود يعاملنا بقسوة ويتشاجر مع أمى دون سبب، وطوال فترة مكوثه معنا لا أطيق العيش بالبيت لأنه يضربنى دون سبب، وعندما يأتى العيد لا يشترى لنا ملابس جديدة، أو يعطينى العيدية كغيرى من الأطفال، وأمى تقول لى دائما أنت رجل ولازم تعتمد على نفسك، وأصحابى من الأطفال الذين يبيعون المناديل أطلقوا علىَّ اسم «ريشة» لأننى سريع وخفيف الحركة، وأتحصل على مكاسب كثيرة من بيع المناديل، فأعطى لأمى وأشقائى جزءاً منها». يُذكر أن المنيا من كبريات المحافظات التى تنتشر فيها ظاهرة أطفال الشوارع فى صعيد مصر، لأسباب كثيرة أبرزها انتشار البطالة، والفقر، والأمية، والجهل، والمرض، وارتفاع معدل الإنجاب، والتسرب من التعليم. ويرى ماهر بشرى، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الحياة الأفضل للتنمية الشاملة بالمنيا، أن القضاء على عمالة الأطفال يتطلب تكاتف منظمات المجتمع المدنى مع الحكومة، مؤكدا أنه لا توجد إحصائية دقيقة بعدد أطفال الشوارع وأن الظاهرة المنتشرة فى المنيا هى عمالة أطفال يقومون ببيع المناديل الورق ويجمعون الكراتين بغرض التسول لمساعدة أسرهم التى تعيش فى تفكك، خاصة بالأحياء الشعبية ويدفعهم هذا إلى التسرب من التعليم. ويوضح بشرى أن الطفل الذى يدر على أسرته عائدا ماديا بشكل منتظم يشعر بالاستقلالية وأنه صانع قرار، ومن هنا تصعب السيطرة عليه ويتجه إلى التدخين وتناول المخدرات وشم الكلة والبنزين بسبب عدم وجود حسيب أو رقيب عليه. وطالب بشرى بالتوسع فى إنشاء مدارس الفصل الواحد بحيث تكون جاذبة وتجمع هؤلاء الأطفال وتعتنى بهم فى فترات النهار من خلال تقديم وجبات غذائية ووسائل جذب وترفيه.