اختلف العلماء فيما إذا كانت الأرواح قد خلقت قبل وجود البدن أم بعده، فهناك من يعتقد أنها خلقت قبل خلق البدن، مستندين إلى الآتى: قول الحق تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا» الأعراف 172، فهذا هو الميثاق والعهد الذى أخذه الله على الناس أجمعين وهم فى عالم الذر، حيث أقروا له سبحانه بالوحدانية، ومعلوم أن هذا الإقرار لم يكن للأبدان، حيث لم تكن قد خلقت بعد، فدل ذلك على أنه إقرار وعهد من الأرواح، وبذلك تكون مخلوقة قبل الأجساد لقوله تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ» (الأعراف 11)، فقد اعتبروا أن ثم هنا للترتيب والمهلة، وأن الخطاب لبنى آدم جميعاً، والمعنى أن الخلق للجميع كان أولاً، ثم بعده كان التصوير للجميع أيضاً، ثم تلا ذلك ظهور آدم وإدخاله الجنة، وصدور الأمر للملائكة ليسجدوا له، ثم خروجه من تلك الجنة لتبدأ الحياة البشرية على الأرض، وبالتالى فقد استدل ابن حزم من ذلك على أن الذى خُلق ثم صُور قبل آدم لم يكن الجسد المادى المحسوس، ولكن الخلق والتصوير كان لأرواح بنى آدم جميعاً. وفى المقابل نجد فريقاً آخر يذهب إلى تأخر خلق الروح عن البدن، أى أن البدن قد خُلق أولاً ثم خُلقت الروح، ويستدلون على ذلك بالآتى من قوله تعالى فى خلق آدم: «إِنِّى خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (ص 71 - 72)، وهكذا تدل الآيات على أن نفخ الروح، أى خلقها جاء متأخراً بعد خلق البدن وتسويته لقوله سبحانه: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (المؤمنون 12-14)، والمراد بهذا الإنشاء نفخ الروح بعد مرور البدن فى أطواره المختلفة. أما بالنسبة لإجابة السؤال: هل النفس والروح شىء واحد؟ فالحقيقة أن هناك البعض ممن يجعل من النفس والروح شيئاً واحداً، والبعض الآخر يجعل من النفس والروح شيئين مختلفين، على أساس أن النفس ليست الروح، وإلا فما الذى يصعد إلى البرزخ عند الموت، وإذا كانت النفس هى الروح فكيف تكون كل نفس ذائقة الموت فى الوقت الذى يعتقد هؤلاء أن الروح لا تموت وتظل موجودة بعد الموت: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ» (غافر- 46). ويعتقد هؤلاء من زاوية إيمانية قرآنية أن الروح مركزها الرئيسى فى الصدر والقلب، ومن القلب تتوزع طاقات الروح بواسطة النفس إلى كل خلية من خلايا البدن فتبعث فيها الحياة. ويرى آخرون مثل الشيخ خالد الجندى وآخرين أن الروح والنفس البشرية إنما هما شىء واحد ولكن تختلف تسميتهما بحسب كل مرحلة، ومراحلهما كالآتى: 1- عالم الذر: خلق الله تعالى الأرواح كلها قبل خلق الأجساد وهى مرحلة الروح بلا جسد «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» وهذه مرحلة اللا إدراك، وإن كانت هناك بعض الاعتراضات التى ساقها الراحل د. محمد المسير على هذا التفسير. 2- عالم الأجنة: مرحلة الروح غير الكاملة، حيث تكون الروح فى هذه المرحلة متعلقة بالجنين تعلق حياة لا تعلق إدراك، «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا». 3- النفس فى مرحلة الإنسان السوى، وهو الإنسان المدرك العاقل البالغ، إذن فالنفس هى تعلق الروح بالإنسان السوى، وهى روح وجسد، بدليل أن الروح عندما تصعد يصبح الجسد جثة، وهذه النفس هى التى عليها كل التكاليف الشرعية بعكس مرحلة الأجنة، فالجنين ليس عليه تكليف لأنه لا إدراك عنده. 4- مرحلة النوم: وأثناء تلك المرحلة تصعد روح الإنسان النائم لكنها لا تنفصل عن الجسد انفصالاً تاماً «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا»، «وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ»، « رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ»، وهى تدل على الحياة الصغرى والحياة الكبرى أو على الموتة الصغرى والموتة الكبرى، وليس على الإنسان حرج فى هذه المرحلة، لأنه غير مدرك إدراكاً تاماً وهو نائم، وفى الحديث فى الصحيحين عن النبى «صلى الله عليه وسلم» أنه كان يقول إذا نام: باسمك ربى وضعت جنبى وبك أرفعه، إن أمسكت نفسى فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. 5- مرحلة البرزخ: البرزخ لغةً يعنى الفاصل بين الشىء والشىء كما فى قوله تعالى «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ» الرحمن، وهو العالم الذى يفصل بين الدنيا والآخرة، حيث تبقى الروح فى عالم البرزخ إلى أن يأذن الله تعالى يوم البعث، فتعود كل روح إلى جسدها الخاص بها استعداداً ليوم البعث والحساب، وهذه هى المرحلة التى تكون عند الموت، حيث ينتهى عمل الإنسان. وبناء على هذا التقسيم فالنفس هى الروح فى حال تعلقها بالجسد، وهى التى عليها التكاليف الشرعية، وهى بهذا الاتصال تكتسب صفات مدح أو ذم، فهى إما أن تكون نفساً أمارة بالسوء، أو نفساً لوامة أو نفساً مطمئنة.