يخشى الكثير منا الموت، ونحن نعتقد فى الموت من الناحية الدينية، لأن هذا الاعتقاد هو جزء من إيماننا بالله -عز وجل- الذى خاطب رسوله الكريم قائلاً: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}، ولكن السؤال: هل الموت هو نهاية المشوار حيث لا حياة بعد الموت ولا حساب، ولا ثواب ولا عقاب مثلما يردد بعض الملحدين فى سورة «المؤمنون» {إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}، وأيضاً فى سورة «الجاثية»: {وَقَالُوا مَا هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}؟ والنظرية العلمية الجديدة المستمدة من نتائج علم فيزياء الكم Quantum Physics تشير إلى أن الموت ليس الحدث النهائى، وأنه مجرد محطة انتقال عبر الأكوان المتعددة Multiverse، وليس الكون الواحد الذى نعيش عليه Universe، حيث لكل كون أو عالم قوانينه الخاصة به، التى لا يمكن أن تُفهم أو تُطبق فى عالم أو كون آخر. وصاحب هذه النظرية التى لاقت قبولاً واستحساناً من معظم العلماء المتخصصين هو د. روبرت لانزا، وهو خبير فى الطب التجديدى والمدير العلمى لشركة التكنولوجيا المتقدمة للخلية، وقد كان معروفاً من قبل لأبحاثه الواسعة النطاق فى مجال الخلايا الجذعية والاستنساخ، وكان أيضاً مشهوراً لقيامه بعدة تجارب ناجحة لاستنساخ أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، ولكن منذ وقت قريب انخرط فى عالم الفيزياء وميكانيكا الكم والفيزياء الفلكية، وقد أعطى هذا الخليط المتفجر من العلوم الولادة لنظرية جديدة تسمى Biocentrism شرحها فى كتاب بنفس العنوان، وتقوم على أساس أن الزمان والمكان والوعى إنما هى أساسيات الوجود فى هذا الكون، وأن الوعى هو الذى يخلق الكون المادى وليس العكس. وعلى الرغم من أن الجسم قد تمت برمجة خلاياه لكى تفنى وتبلى لتنتهى بالموت وفناء الجسم، فإن إحساس الإنسان بوجوده ككائن حى وشعوره بأنه على قيد الحياة و«من أنا؟»، لا يحتاج إلا لنافورة من الطاقة عبارة عن 20 وات، وهذه الطاقة تظل بعد موت الإنسان وفناء الجسد، لأن أحد الأساسيات العلمية التى يوافق عليها الجميع أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، ولكن يمكن أن تتحول إلى شكل آخر من أشكال الطاقة فى عالم أو كون آخر له قوانينه التى لا نعرفها فيما يسمى «عالم البرزخ». وبالنظر فى التجربة التى نشرت مؤخراً فى journal Science، تبين أن العلماء يستطيعون تغيير ما حدث فى الماضى بأثر رجعى، حيث تستطيع الجزيئات أن تقرر كيفية التصرف عندما تضرب شعاعاً فى وقت سابق، بحيث يمكنك أن تعرضه لتحول ثانٍ أو توقف تشغيله، وتبين أن ما قرره المراقب عند هذه النقطة هو الذى قرر ما فعلته الجسيمات فى الماضى بغض النظر عن اختيار المجرب. ووفقاً لنظرية Biocentrism، فإن المكان والزمان ليسا أجساماً صلبة، وينطبق نفس الشىء على ما بداخل رأسك من وعى ومعلومات وإدراك، فكل ما تراه وتعيشه فى الوقت الراهن ما هو إلا دوامة من المعلومات التى تحدث فى عقلك، فالمكان والزمان هما مجرد أدوات لوضع كل شىء معاً فى إطار الحياة التى نعيشها، ولكن عندما نوجد فى عالم بلا وقت Timeless وبلا مكان spaceless وبلا وعى، فإننا بمقاييس العالم الذى نحيا فيه نسمى ذلك بالموت، ولكنه بمقياس عالم أو كون آخر هو حياة لا نستطيع أن نعلم قوانينها إلا من خالقها، ف{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ}حيث لا وجود للزمن، وأيضاً {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} حيث لا يحده مكان. ولعل نظرية «العوالم المتعددة» تفتح الباب لدينا لفهم قوله عز وجل: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة: 28)، فعندما كنا أمواتاً فى عالم الذَّرِّ كانت لهذا العالم قوانينه، إذن لا يمكن أن نحاول تفسيره بمقاييس عالمنا الذى نعيشه فنقول إنه يقصد وجودنا فى أصلاب آبائنا وأجدادنا، وقد حدثنا المولى -عز وجل- عن هذه المرحلة قبل خلقنا عندما قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا}، فكيف كنا حينئذ؟ وكيف أخذ الله عز وجل- علينا هذا العهد؟ لا أحد يستطيع أن يعرف. غير أن مرحلة الحياة يمكن أن نفسرها ونفهمها بدءاً من الولادة والنضوج والشيخوخة وحتى حدوث الموت، وهو الحدث الذى لا نعرف عن تفاصيل حدوثه سوى أن الروح تفارق الجسد، وبالتالى يحدث ما يحدثه من فناء وتدمير للجسد، فتوقف الزمن وانتهاء المكان وانقطاع وعى الإنسان بكل منهما إنما يمثل الموت، ولكننا حتى الآن لا نستطيع أن نعرف كيف تفارق الروح الجسد.