حزمة ضوابط تصالحت عليها عدة جامعات حكومية قبل أيام من العام الدراسى الجديد ليتحقق فيه المستوى المرجو من الهدوء والاستقرار، من بينها: تقديم فيش وتشبيه، وتحليل الخمور والمخدرات للطلاب الجدد الملتحقين بالمدن الجامعية، ومنع التظاهر نهائياً داخل هذه المدن، وعدم تأسيس أسرة حزبية، وعدم ارتداء «تيشيرتات» تحمل علامات سياسية، وعدم الإساءة إلى الرئيس، وعدم الدخول فى جدال مع الأمن، وعدم الكتابة على الجدران، والبعد عن كافة الإجراءات التى من شأنها تعطيل الدراسة، وذلك تفادياً للتعرض للفصل النهائى من الجامعة، أو إلقاء القبض على الطالب الذى يفعل ذلك، أو الإصابة أو الوفاة نتيجة لرصاص، أو الحرمان من السكن بالمدينة الجامعية. الإجراءات كلها تقع، كما هو واضح، فى إطار «تأمين الجامعات»، وهو أمر مطلوب ولا شك، لكننى بصراحة لا أستطيع أن أفهم مجموعة من الأمور الأخرى ذات الصلة الوثيقة بها. أول هذه الأمور أن بإمكانى أن أستوعب أن يضع هذه الضوابط والاحترازات جهة أمنية، مسئوليتها حماية المبانى والبشر، لكن خروج هذه الضوابط عن مجالس الجامعات أمر غير مفهوم بالنسبة لى!. الأمر الثانى يتعلق بالفلسفة التى تكمن وراء هذه الضوابط والتى تلخصها كلمة واحدة تأمين «الجامعات» عبر آلية «الإسكات» من خلال تهديد الطالب بالفصل النهائى من الجامعة إذا بدر منه أى تجاوز لها، والسؤال: أليست هناك وسائل وآليات أخرى لاحتواء الطلاب؟. أين -مثلاً- دور الجامعة فى تطوير مستوى الخدمة التعليمية، بحيث يشعر الطالب أن ثمة جدوى من امتثاله لقاعات المحاضرات وقاعات ومعامل البحث العملى تفوق جدوى الانخراط فى «هرى» صراع لا ناقة له ولا جمل فيه؟!. أين الإجراءات التى رتبتها الجامعة للنهوض بمستوى وعى الطلاب وتثقيفهم سياسياً ودينياً بصورة تساعدهم على التفكير العلمى والعقلانى المتوازن؟ ثم ماذا أعدت الجامعة من برامج للتكافل لتشمل الطلاب محدودى الحال برعايتها حتى لا تتركهم لقمة سائغة فى يد المتطرفين؟ الأمر الثالث يتعلق بمدى فهم -أو سعى- القائمين على الجامعات الحكومية لفهم أفكار وتصورات واتجاهات طلابهم وصورة الجامعة لديهم ورؤيتهم لمستوى الخدمة التعليمية التى تقدم لهم. «شاور» لى على جامعة حكومية واحدة استطلعت رأى طلابها حول مستوى الخدمة التعليمية المقدمة لهم، واتجاهاتهم نحوها، ومقترحاتهم لتطويرها. على المستوى الشخصى لم يصل إلى علمى أن جامعة حكومية واحدة قامت بهكذا استطلاع، وكأننا لا نريد أن نفهم الأجيال الجديدة وأن نعرف كيف يفكرون، فلماذا نفعل ذلك وهناك وسيلة أرخص وأسهل تتمثل فى «الإسكات»؟!. أمر رابع أريد أن أشير إليه أخيراً يرتبط بمستوى الوجاهة القانونية لتطبيق عقوبة الفصل النهائى على الطالب الذى يخالف أياً من هذه الضوابط، وهل من الوارد أن يحكم القضاء بإعادة الطالب الذى فصلته الجامعة بسبب عدم قانونية الإجراء؟ يستطيع أن يجيبنا عن ذلك المتخصصون فى القانون. على أية حال لا بد من التنبه إلى أن الجرى على «التراك» لن يحل مشكلة، لا سبيل للحل إلا بالجرى داخل «الملعب» الجامعى!