(1) عندما شاهدت وزير خارجية «بوركينا فاسو» بقصر الاتحادية مع الرئيس السيسى، تذكرت ما كتبته ب«المصرى اليوم» فى عهد «المخلوع» وكانت سلسلة مقالات بدأت ب«ماذا يفعل أمين أباظة فى الزراعة»، مروراً ب«عصر الانحطاط الزراعى» ثم «التجربة الفساوية».. أنقل لكم سطرين من البداية والنهاية، لآخر مقال بتاريخ 18/5/2008 والذى أثار جدلاً وقتها، قلت فيه بالنص: «إلطموا - عيّطوا - صوّتوا - صرّخوا.. خليكوا قاعدين.. أَنتخوا - بطرخوا.. بعد أن جاء الزمن الذى أصبحنا فيه نحلم بأن تكون مصر مثل بوركينا فاسو فى الزراعة».. وكانت هذه المقالات رداً على كارثة تصريح أباظه وقتها، حين قال: «إنسوا القطن دا بقى موضة قديمة.. زى موضة الطرابيش الحمرا». وقال عن القمح: «شرا العبد ولا تربيته»، وانتهت السلسلة بسؤالين: 1- إذا كانت هذه التجربة الناجحة اسمها التجربة «الفسّاوية».. فماذا نسمى التجربة المصرية؟ 2- ولماذا لا نعتبر ما أكتبه «بلاغاً» إلى الرئيس مبارك والنائب العام.. عليهما «استدعائى» أو استدعاؤهم للتحقيق، تفادياً للمجاعة التى ستحدث فى 2010، و«ثورة الجياع فى 2011»؟ اللهم إنى قد بلغت.. وجاءنى الرد وقتها، بكبسولة من سمير عجب، ومانشيت من الله يرحمه رئيس تحرير روز اليوسف، وحدثت الثورة فى 2011. (2) نرجع لموضوعنا ونسأل: كيف أحدثت الحكومة الفسّاوية «طفرة» بقطاع الزراعة؟ أولاً: وضعوا «رؤية استراتيجية» ثم «سياسات»، «وبرامج» تطلبت «آليات» للوصول إلى «الأهداف» فى 10 سنوات.. وفى 9 سنوات تفوقوا على أنفسهم، ليصبحوا «نموذجاً» به عبر ودروس لمن يستفيد! 1- قرروا حفر قناة بطول 160كم (80 كم على الناشف + 80 كم تطهير) لرى المساحات المستهدفة فى الخطة، وحفروها فى 4 سنوات. 2- أنشأوا مدارس زراعية بالقرى لتعليم الإناث وتدريبهم، ولتأهيل الذكور للأعمال اليدوية، وإدارة الميكنة، والإرشاد، مع برامج متعددة لتجييش وحشد الناس وإقناعهم بأن «الزراعة» هى مستقبلهم، واهتموا جداً بالبحوث الزراعية.. 3- حدّدوا «عدداً» من المحاصيل التى تحقق الاكتفاء الذاتى، وذات عائد مجزى (الحبوب + الزيوت + الفاصوليا الخضراء، والورود).. فقفزت إنتاجية القمح والذرة والشعير من 1.5 مليون طن إلى خمسة ملايين طن.. والزيوت من الكانولا والسمسم والفول السودانى أصبحت على جدول «الصادرات» لفوائضهم. 4- باختصار: اكتفوا ذاتياً.. وزاد دخل الفرد من 370 دولاراً فى السنة إلى 1300 دولار.. واستوعبت الزراعة 90% من القوى العاملة موسمياً. ثانياً: والأهم عندما ظهر للعالم كله أن «مصر» على وشك الخروج من زراعة «القطن».. (لقطوا الخيط)، وقرروا أن يكون «الدهب الأبيض» هو الحل.. فوضعوا الخطط والسياسات.. وبعد 6 سنوات، أصبحت «بوركينا فاسو» N.o 1 رقم «واحد» فى القارة الأفريقية لإنتاج وتصدير القطن، بعد أن استنبطوا «تقاوى» لأصناف غزيرة الإنتاجية (أكثر من 12-14 قنطاراً للفدان، و20 قنطاراً من أصناف فى أستراليا.. وفى المحروسة من 6: 8 قناطير)، ومطلوبة فى صناعة النسيج حول العالم، كما أقاموا «لوبى» مع تشاد والنيجر ومالى.. للتحكم فى أسعاره الخام والمغزول، فاحتكروا أسواق الصين وسنغافورة وتايلاند.. بالمناسبة «مصر» استوردت فى 2010 من بلاد الفاسو 20 ألف طن «قطن فسّاوى»!! والآن أصبح «الذهب الأبيض» عندهم يمثل 1/4 (الناتج القومى 25 مليار دولار)، فهم لا يملكون بترولاً ولا غازاً، ولا منافذ بحرية، ولا أنهاراً، ولا بنية تحتية جيدة، ورغم ذلك «بالإرادة»، و«الرؤية» و«السياسات» احتلوا أسواق شرق آسيا، وكان خطؤهم الفادح هو: إهمال «التصنيع الزراعى»، وتصدير كل شىء خاماً، ولهذا ظلت البطالة تتصاعد، والآن بدأوا فى تدارك هذا الخطأ، فعدّلوا قوانين الاستثمار، وتحركوا لجذب استثمارات صينية وسعودية لهذا الغرض، وفى المحروسة نكرر نفس الخطأ، ولا نهتم بالتصنيع الزراعى. (3) أما نحن فى «القطن» فحدث ولا حرج، بعد أن نزلنا من المركز الأول إلى ذيل القائمة، من 10: 12 مليون قنطار إلى 2 مليون، نعجز عن تسويقها.. وسوف نسمع قريباً صراخ الفلاحين 1/2 مليون مزارع (من قيراطين لفدانين) لأننا لم نستعد لتسويق أقطان هذا الموسم.. والحل: أ- استنباط «تقاوى» لأصناف جديدة غزيرة الإنتاجية (جيزة 80 بيجيب 14 قنطار، ومعهد بحوث القطن فى غيبوبة)، ومطلوبة لمصانع النسيج المحلية والعالمية، مع تطوير مصانع الغزل والنسيج الحكومية. ومنع تهريب الغزول والخيوط الصينية وغيرها. ب- قبل زراعة الأصناف طويلة التيلة.. يجب التعاقد عليها مسبقا ً(فأين الملحقون التجاريون بالعواصم العالمية، وشركات التسويق الحكومية). ج- دمج الخمس شركات الحكومية الباقية فى شركتين (بورسعيد - الشرقية - إسكندرية - مصر - المساهمة) والمنوط بها تجارة القطن محلياً وخارجياً، وحل مشاكلها من عمالة زائدة، وتوفير «السيولة» لها، ببيع بعض المحالج الخاوية والتى ترتع بها القطط والكلاب الضالة حالياً. د- «الدعم».. الدعم الآن يذهب إلى «التاجر» وليس «الفلاح»، ففى بداية هذا العام، دفعت الحكومة «لتجار الفضلة» أى بواقى الموسم الفائت 350 جنيهاً للقنطار، و«التاجر» كالعادة ضربهم فى جيبه، وضغط على الفلاح وخسف بالسعر الأرض، ولهذا سنسمع قريباً جداً «صراخ» الفلاحين بعد عجزهم عن سداد مديونياتهم، وعلى الحكومة أن تتحرك وتنقذهم قبل أن يسجنوا أو يهربوا إلى بوركينا فاسو وتبقى فضيحتنا بجلاجل.. تخيلوا «الفلاح» المصرى هربان فى بوركينا.. يزرع ويجمع قطن فى بلاد «الفاسو».. لماذا؟.. لأننا ندعم بتوع «الكويز»، رغم أن أسواق أمريكا بدون جمارك، وبدون حصص عكس أغلبية الدول المنافسة.. وكل صادراتنا «الكويزية» لا تستخدم القطن المصرى!! (طظ فى الكويز، وممنوع الدعم لأى صادرات أقمشة أو ملابس لأمريكا، لمن لا يستخدم القطن المصرى وإشمعنى إسرائيل تشغل مصانعها ونستورد منها 10.5% طبقاً للكويز)؟ (4) صباح الخير سيادة الرئيس: لدى «خبر سار».. سمعت «والعهدة على الراوى» أن وزير الزراعة، شال أو «رفت» المسئول عن وحدة إنتاج «التقاوى» بمركز البحوث الزراعية، وأتى بأستاذ يقال إنه (مشهود له بالكفاءة) من القطاع الخاص، له باع فى إنتاج «التقاوى» وقرروا إنتاج كل «تقاوى الخضار» الذى نستورده من طوب الأرض، وإذا كان هذا صحيحاً فنحن نشجعه وندعمه ونحييه، وعقبال ما نسمع عن «رؤية استراتيجية»، ونشوف خطط تُغير من حياة الفلاح بعد أن أصبحت «الفلاحة مناحة»، تحتاج إلى قرارات عاجلة وحاسمة قبل فوات الأوان. وبمناسبة البحوث الزراعية: هوه ينفع يا ريس إن الدولة تدعم «التليفزيون» اللى ما حدش بيشوفه.. بأكثر من 350 ألف مليون جنيه سنوياً.. والبحوث الزراعية بأقل من 100 مليون لا تكفى المرتبات، والمدهش أيضاً أن مراكز بحوث الصحراء المسئولة عن 94% من مساحة مصر - ميزانيتها 20 مليون جنيه سنوياً، علماً بأن كل «جنيه» يستثمر فى البحوث الزراعية عائدة المباشر 25 جنيهاً!! (واسألوا د. أيمن أبوحديد، ود. إسماعيل عبدالجليل). همسة عتاب من فلاحى مصر: يا ريس.. الفلاحين واخدين على خاطرهم، لأنهم بيحبوك وكانوا متعشمين فى «عيدهم» 9 سبتمبر، يسمعوا من سيادتك «قرارات» انتظروها عقوداً طويلة.. فهل ممكن عمل احتفال لهم بالقصر الجمهورى، تكريماً وتقديراً واحتراماً.. فهم ملح الأرض وتاج رؤوسنا.. والزراعة هى مستقبلنا، والتصنيع الزراعى هو فرصتنا. ونستكمل الثلاثاء المقبل.