"فين الشاي بتاعي؟"، "حليلي بقي عشان ربنا يحلي بوقك"، "ألف سلامة يا باشا"، كلمات تسمعها في كل شوارع مصر حين تركب سيارتك فتجد السايس يفتح له باب السيارة والمرآة وينظر لك مبتسمًا ينتظر "البقشيش"، أو عندما تدخل البنزينة لتغسل سيارتك تجد العامل لا يأخذ راتبًا ويعتمد على "البقشيش"، أو عندما تتجوَّل بالشارع فتجد "المبخراتي" يتجوَّل يدخل المحال ويطوف على الباعة، كل هذه النماذج يعتمد دخلهم على "البقشيش"، يحلمون براتب ثابت والبعض الآخر يرضى بما قسمه الله له. يقف بالساعات يوميًا يحمل بيده خرطوم المياه واليد الأخرى المنشفة، عمل "محمد إسماعيل" عامل غسيل سيارات بإحدى البنزينات في شارع أحمد عرابي بالمهندسين، لا يعتمد على الأجر ولا بالشهر ولا باليومية، وإنما يعتمد على "البقشيش"، ويقول الشاب العشريني "ده كان اتفاقي مع صاحب البنزينة إني أشتغل بالبقشيش وماخدش مرتب وأنا رضيت"، لم يعلم "محمد" أنه سيواجه ما نعانيه من ارتفاع مستمر في الأسعار حتى امتنع بعض الناس عن إعطائه "بقشيشًا"، مضيفًا أن صاحب السيارة يدفع 30 جنيهًا لغسيل السيارة وعندما يسأله "محمد" ويقول له "خدمة تانية يا باشا" يرد عليه قبل أن يكمل جملته "هو انت مش بتاخد مرتب؟"، حيرة محمد جعلته في حزن، ويلوم نفسه يوميًا أنه يعمل بذلك العمل يومًا تلو الآخر، حسب قوله. ظلَّ "محمد" يفكِّر كثيرًا كيف ينفق على أسرته التي تتكوَّن من زوجته وابنه الذي لم يتعدَّ عمره عامين فعمل سائق ميكروباص بالنهار وبالليل يعمل في بنزينة، ويقول: "ممكن أشتغل طول الليل وأروَّح معايا 10 أو 20 جنيه والناس بتتعامل معايا وفاكرني طماع وصاحب البنزينة مالوش دعوة". لم يكن "محمد" الوحيد الذي يعتمد على "البقشيش"، لكن "رجب السايس" أيضًا الذي يعمل بمدينة الشيخ زايد أمام أحد المتاجر المشهورة يعاني أيضًا، "يوم حلو ويوم مر" لم يكن اسم فيلم ولكن جملة قالها رجب، الرجل الثلاثيني، الذي يسكن في إحدى الشقق بالإيجار في حي بولاق الدكرور، فهو متزوج وله ابنتان في المراحل الأولى من التعليم الابتدائي، ويقول "أنا بقف وأنا ونصيبي ممكن زبونة تمد إديها في شنطتها تديني 20 وممكن 5 جنيه وأهي بتفرج"، كلمات رجب التي يعبِّر بها عن حاله هو وزملاؤه الذين ليست لديهم حرفة أو بالمعني الأدق مهنة يمتهنوها. ويضيف رجب قائلاً: "يا ريت أبويا كان علمني مهنة أعرف أشتغل وأكل منها عيش"، مؤكدًا أنه حاصل على دبلوم تجارة منذ عام 2007 ولم يجد عملًا حتى الآن، حسب قوله "إحنا يا باشا عايشين على البقشيش ولو يوم مروحتش لمراتي بفلوس ممكن تتهمني إني متجوز عليها"، معلومات زوجة رجب أن السايس بيكسب يوميًا فلوس كثيرة، حسب قوله "الواحد في اليوم بيتعرض لخناقات ومشاكل وبهدلة وكل سايس فاكر إن المكان اللي بيقف فية مكتوب باسمه"، وتمنَّى رجب أن يجد مهنة أخرى، لأن "السايس"، حسب وصفه، "مهنة بتهين صاحبها". أما "عم سيد المبخراتي" فكان له رأى آخر فهو يري أن "المبخراتي" مهنة تعزز صاحبها، حسب قوله، حيث يتجول الرجل الخمسيني في أحياء روض الفرج، ويدخل المحال والمتاجر وأيضًا يمر على البائعين الجائلين، منهم من يقول له شكرًا ومنهم من يرحِّب به ويضع في يده أو جيبه "اللي فيه النصيب"، ويقول عم سيد: "أنا بشتغل الشغلانة دي من 6 سنين وهي السبب في شهرتي في المنطقة دلوقتي، وكل الناس عرفاني بالاسم"، لا يريد أن يفصح عن الفلوس التي يجمعها يوميًا، ترديده لبعض الآيات والدعوات مع رائحة البخور تجعل كل من يراه أن يعطي له اللي فيه النصيب، "مبشوفش الفلوس اللي الناس بتدهاني بالبركة حتى لو روحت بجنيه رضا الحمد لله"، يسكن "عم سيد"، بحسب قول أهالي المنطقة، في غرفة خشبية أعطاها له صاحب أحد المنازل بروض الفرج بعد أن فقد زوجته نتيجة مرضها بالسرطان ومعاناتها مع المرض لفتره طويلة، وهم ليس لديه أبناء يعولهم أو أحد يسأل عليه، مؤكدًا أنه يعتبر كل أهالي المنطقة عائلته، حسب قوله.