يتمتع المستشار حسام الغريانى بسمعة طيبة بين رجال القضاء، إذ لم يكن من بين هؤلاء المقربين من النظام السابق، وشغل فى نهاية خدمته أرفع منصب بالقضاء العادى حيث ترأس لمدة عام كامل محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى قبل أن يبلغ السبعين من عمره ويحال إلى التقاعد فى نهاية يونيو الماضى، ولقد كان يميل طوال السنين الماضية إلى الصمت وعدم التواصل مع وسائل الإعلام مما أضفى عليه هالة من الهيبة والوقار. ولدى تشكيل الجمعية التأسيسية الثانية تعالت الأصوات برفض تكرار تولى الدكتور الكتاتنى رئاسة الجمعية بعد حل الجمعية الأولى فوقع الاختيار على المستشار حسام الغريانى لكى يتولى رئاستها. ولدى اعتلائه منصة الرئاسة كانت أول عبارة ينطق بها مخاطبا أعضاء الجمعية التأسيسية: «لقد اخترتمونى لرئاسة هذه الجمعية، وأرجو ألا تندموا على هذا الاختيار». ولقد توقفت طويلا أمام تلك العبارة وتمنيت لو أعرف ما الذى كان يدور بذهن الرجل وهو يصعد درجات المنصة قبل أن يتوجه لأعضاء الجمعية بتلك الكلمات. لكن طريقته فى إدارة الجمعية أجابت عن بعض من هذا التساؤل ، فلا تكاد تمر جلسة إلا ويشتبك مع عدد من الأعضاء، كما وضح أن ضيق الصدر والحديث الخشن هما السمتان الرئيسيتان فى تعامله مع زملائه من أعضاء الجمعية، إلى الحد الذى دفعه للإقرار بأنه تعرض للنقد من أفراد أسرته ومن زملائه بسبب أسلوبه مع الأعضاء. ولو أن الأمر توقف عند هذا الحد لأمكن التجاوز عنه، لكن مشكلتين قابلتا الرجل لم يملك معهما حلا، الأولى ما وضح من أنه يفتقد الحد الأدنى من الخلفية السياسية من ناحية، والثقافة البرلمانية الواجبة من ناحية أخرى، ويحسب له أنه لم يجادل فى ذلك بل اعترف به صراحة فى أكثر من موضع ثابت بمضابط جلسات الجمعية التأسيسية. وإذا كان الدستور ليس مجرد نصوص قانونية أحسنت صياغتها، فإنه من الخطأ أن يتم النظر إلى عملية صنع الدستور باعتبارها عملية قانونية فحسب، وأن الجوانب السياسية فيها تقل أهمية عن الجانب القانونى، ولأن الخلفية السياسية وإلإلمام بالقدر اللازم من الثقافة البرلمانية وقواعد إدارة المجالس التشريعية أمر يتعين توافره فيمن يتصدى لرئاسة المجالس التشريعية بصفة عامة، فإنه من باب أولى يفترض توافره فيمن يتصدى لرئاسة الجمعية التى تقوم بسن التشريع الأسمى بين تشريعات الدولة، ومن ثم فإن القائم على إدارة هذا المجلس التشريعى الأهم فى تاريخ مصر ما بعد الثورة لن تتصور الأجيال القادمة إلا أنه كان موسوعة فكرية وسياسية وقانونية وتاريخية. أما المشكلة الثانية لدى المستشار الغريانى فهى اعتداده برأيه وشعوره بأنه يعرف ما لا يعرفه الآخرون، وأنه الأدرى بمصلحة الأعضاء بل ومصلحة المواطنين، كما أنه ينظر لصاحب الرأى الذى يخالفه باعتباره عضوا مشاغبا، وهو يعتقد أن الأعضاء عندما يبدون آراءهم فإنما يتحدثون إليه بوصفه رئيسا للمحكمة، فيحرص غالبا على مناقشتهم فيما يبدونه من آراء، وإما أن يثنى عليها أو يقوم بتفنيدها، والحق أن الرجل كان واضحا فى ذلك منذ بداية جلسات الجمعية فى رده على اعتراض بعض الأعضاء على طريقته فى إدارة الجمعية حين طلب من الأعضاء أن يختاروا بين قبول إدارة الجمعية التأسيسية بطريقة إدارة المحكمة أو أن يتنحى عن رئاسة الجمعية موضحا أن أسلوب الإدارة الوحيد الذى يعرفه هو إدارة المحاكم. وهكذ بدا أن تلك المشكلات لديه يزداد أثرها وضوحا كلما اتجهت الجمعية نحو المراحل الجادة فى عملها، فها هو يدخل طرفا فى نزاع مع بعض الهيئات القضائية محاولا فرض رأيه الشخصى بشأنها فى نصوص الدستور، بل منح نفسه الحق فى المصادرة على حق لجنة نظام الحكم فى اقتراح النصوص المنظمة للسلطة القضائية ونصّب نفسه متحدثا باسم الشعب حين حاول أن يوجه أعضاء الجمعية والرأى العام إلى أن الشعب لن يوافق على النص على تلك الهيئات القضائية بالدستور وهو الأمر الذى دعاها إلى مطالبته بالتنحى لافتقاده الحياد والتهديد باتخاذ إجراءات تصعيدية من المؤكد أنها لا تصب فى صالح الاستقرار. ومع اقتراب انتهاء لجان الجمعية من عملها وخروج النصوص للحوار المجتمعى تزداد أعمال الجمعية سخونة فى داخلها، وفى علاقتها بأطراف المجتمع خارجها، وهاهى تسفر عن استقالة الناشطة السياسية منال الطيبى، ولأن الأيام المقبلة هى الأصعب بالنسبة للجمعية منذ تشكيلها، لذلك نرجو ألا يصدق حدس المستشار الغريانى بأن يشعر أعضاء الجمعية التأسيسية بالندم على اختياره رئيسا لها، ولكن بعد أن يكون قد تسبب فى هدمها.