قلب يدمى ومشاعر هى خليط من الكمد والألم والأسى لما يحدث فى غزة على مدار واحد وخمسين يوماً عملت فيها آلة القتل على حصد أرواح الأبرياء فخلفت وراءها أكثر من 2200 شهيد منهم أكثر من 500 طفل وفى ظل توتر يومى ينذر بارتفاع أعداد الشهداء وبدون أى مقدمات قبلت حماس بهدنة طويلة الأمد.. عجباً لقد قبلت إسرائيل بشروط حماس فوافقت على ميناء بحرى لغزة وإعادة فتح المطار تحت إدارة وسيطرة حمساوية كاملة واتساع نطاق دائرة الصيد فى البحر المتوسط لتمتد إلى 16 ميلاً بدلاً من ثلاثة أميال فقط... وغيره وغيره... ماذا؟ لم تقبل إسرائيل بأى من هذه الشروط بل تمسكت بنزع سلاح حماس! إذن، على أى أساس قبلت حماس هذه الهدنة طويلة الأمد؟ نعم لقد قبلت حماس هذه الهدنة بناء على المقترح المصرى الذى تقدمت به الإدارة المصرية منذ الأسبوع الثانى لعمل آلة القتل فى غزة وكان يومها لا يتعدى عدد الشهداء مائة وخمسين شهيداً. وبما أننا قد ابتلينا بداء النسيان فلا مانع من أن أذكر نفسى وإياكم حينما اندلعت شرارة القتال فى غزة انتفضت مملكة شبكة التواصل الاجتماعى فى مصر لنصرة غزة ودحر الغزاة والوقوف إلى جانب حماس أحباب الله، ولكى تكتمل الصورة فلا بد من اتهام مصر وإدارتها بالخيانة والعمالة والتخاذل لنصرة الإسلام والمسلمين.. وشاهدنا جميعاً كيف نشط أتباع الإخوان فى مصر لنشر صور على شبكة التواصل الاجتماعى تهز المشاعر لما يحدث من قتل فى غزة آملين فى إثارة الشعب والجيش.. ولم يتحقق لهم هدفهم المنشود. وتقدمت مصر بمبادرتها لوقف آلة القتل وسخر منها قادة حماس واستعصموا بقطر وتركيا وصاغوا الخطب الحنجورية فى كيفية إبادة إسرائيل وكيف أن أردوغان خليفة المسلمين سوف يدكها دكاً. وبعد واحد وخمسين يوماً قبلت حماس بالمقترح المصرى نفسه الذى رفضته من قبل ولكن بعد ارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 2200 شهيد. والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن: لماذا رفضت حماس ثم عادت فقبلت المقترح نفسه الذى رفضته من قبل؟ هل هذا نتيجة استهداف إسرائيل لقادة حماس فى الأسبوع الأخير من القتال واعتبارهم أهدافاً مشروعة فى أى بقعة من الأرض؟ أم جاءت الموافقة بعد ضغوط قطرية على خالد مشعل؟ سوف أترك إجابة هذا السؤال لمحترفى السياسة فهم أقدر الناس على قراءة ما بين السطور. ولكن ما يدعو إلى العجب هو احتفال قادة حماس فى غزة بالنصر وإطلاق الألعاب النارية فى الهواء ورفع الأعلام، وقد تناقلت وكالات الأنباء صورهم وهم يرفعون أيديهم بعلامة النصر ويحتضن كل منهم الآخر! أىّ نصر هذا الذى أودى بحياة 2200 من أهل غزة نحسبهم عند الله شهداء.. أىّ نصر هذا الذى دمر مساكن وبنية تحتية لمدينة تئن وتتوجع ولا تحتمل المزيد.. أىّ نصر هذا الذى لم يحقق أدنى شرط من الشروط التى تقدمت بها حماس وهذا باعتراف أحد قادتهم فى حديث على CNN.. إنها حالة من حالات انعدام الوزن لإنكار الواقع وتوهم ما هو ليس بحقيقى.. بل هى حالة من انعدام الرؤية. مَن الخاسر فى كل هذا؟ إنهم أهلنا فى غزة ضحية ألاعيب سياسة قذرة ومكاسب مادية زائلة. نعم مكاسب مادية لقادة حماس وأبنائهم الذين يعملون فى المقاولات.. فالآن جاء وقت بناء ما دمرته آلة القتل الإسرائيلية وإعادة إعمار غزة وسوف يجمعون الملايين والمليارات تحت بند الإعمار.. سيناريو تكرر على مدار السنوات الماضية. فلا هنيئا للمقاولين وتجار السياسة.. وصبراً جميلاً أهل غزة.