قامت ميليشيا «عصائب أهل الحق» الشيعية منذ عدة أيام بمجزرة يندى لها جبين الإنسانية بتفجيرها مسجد «مصعب بن عمير» فى ديالى بوسط العراق.. فقتلت 70 مصلياً وجرحت المئات من السّنة.. وأظهرت اللقطات التى تم بثها للحادث مدى الرعب والهلع الذى أصاب المصلين الآمنين.. مع المشاهد المؤلمة للجثث والأشلاء التى تناثرت فى كل مكان.. والدماء التى غطت كل شىء، فضلاً عن تحطم المسجد تماماً وسقوط مئذنته على الأرض بعد أن كانت عالية فى السماء تهتف دوماً بشعارها العظيم «الله أكبر».. وهى لا تكاد تصدق أن الذين فجّروها ودمّروها من أبناء وطننا ويتحدثون بلغتنا ويتوجهون إلى قبلتنا.. لقد سقطت المئذنة مع القتلى والجرحى تشكو إلى الله ظلم وبغى الميليشيات الشيعية ومنها «عصائب أهل الحق» التى فجرت المسجد ويتزعمها «الخزعلى»، فضلاً عن ميليشيات أخرى مشابهة مثل ميليشيا «بدر» التى يتزعمها وزير النقل السابق هادى العامرى، فضلاً عن ميليشيا «جيش المهدى».. وكلها عاثت فى الأرض فساداً وقتلت الآلاف من السنة دون وجه حق بعد زوال حكم صدام حسين. لقد بدأت هذه الميليشيات عمليات انتقام بشعة ومنظمة لأهل السنة فى العراق، وابتدعت ما يُسمى القتل بالمذهب، فى سابقة لم يعرفها الإسلام من قبل.. وهى أشبه بحالات التطهير العرقى فى البوسنة والهرسك وغيرها.. ولكنه «تطهير مذهبى».. ليس بإقصاء المخالف لها فى المذهب فحسب.. ولكن بقتله وذبحه وتفجيره وتهجيره.. كما سنّت هذه الميليشيات سنة بغيضة جداً هى تفجير مساجد السنة فى العراق. ثم جاء تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين ليزيد الطين بلة فيُفجر مراقد ومساجد الشيعة.. ثم تطور الأمر بينهما إلى أسوأ حال فى تاريخ البشرية والإسلام، وهو تفجير المساجد فى وقت اكتظاظها بالمصلين.. فقامت ميليشيات الشيعة بتفجير الكثير من مساجد السنة فى أثناء صلاة الجمعة.. وقامت «القاعدة» بتفجير مراقد ومساجد الشيعة فى أثناء احتفالاتهم بذكرى أئمة الشيعة. والغريب أن هؤلاء وهؤلاء نسوا أو تناسوا أن العرب فى الجاهلية قبل الإسلام كان لديهم من الأخلاق والقيم والمثل العربية ما كان يمنع العربى من أن يمس غريمه الذى قتل أباه ما دام قد دخل الكعبة.. فقد كان يراه أمامه ويستطيع قتله، فلا يفعل، تعظيماً للكعبة المشرفة.. وكان العربى يلقى قاتل أبيه فى الأشهر الحرم فلا يقتله. ولكن هذه الميليشيات تُفجر المساجد وتقتل الآمنين وتروّعهم وتفزعهم وتحوّلهم إلى أشلاء وجثث دون ذنب اقترفوه أو جُرم ارتكبوه.. إن هذه الميليشيات التى تربّت على سفك الدماء لا تعرف ديناً ولا خلقاً ولا حتى شيئاً من قيم العروبة والرجولة. إن القتل بالمذهب هو أخس أنواع القتل وأحقرها.. فما ذنب الإنسان المسالم أن يكون على مذهب كذا أو كذا.. ألم يقل القرآن عن أهل الأديان الأخرى «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ»؟ ألم يقل عنهم «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ»؟ ألم يقل «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ»؟ وهؤلاء لا يُكرهون الناس حتى يصبحوا شيعة أو سنة أو أتباعاً لهم.. ولكنهم يقتلونهم ويدمرونهم ويفجرون مساجدهم ومراقدهم دون رحمة أو شفقة. ويلحق بهذه السوأة أيضاًً قتل العلماء والدعاة فى المساجد لخلاف سياسى أو فقهى أو مذهبى معهم.. وإذا كانت العراق قد شهدت الموجة الأولى فى تفجير المساجد بين السنة والشيعة فقد قلّدتها باكستان.. فالمجموعات المسلحة الشيعية والتكفيرية وأنصار «القاعدة» يفجر كل منهم مساجد الآخر ليقتل الأبرياء الذين جاءوا للصلاة بقلب خاشع ونفس صافية لا تعرف أحقاد هؤلاء أو هؤلاء. وإنى أسأل نفسى، وأتساءل، مناشداً المسلمين جميعاً: هل رأيتم حمقاً وشططاً وجنوناً أكثر من ذلك؟!!.. هؤلاء لا يفقهون فى الدين أو الحياة أو الإنسانية شيئاً.. ولا يدركون أن أى مسجد فى الدنيا له حظ من قوله تعالى عن المسجد الحرام «وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا».. والآية أمر فى صورة الخبر كما قال المفسرون معناها: «أمّنوا من دخل المسجد الحرام»، ويلحق به فى المعنى «أمّنوا كل من دخل أى مسجد»، ويلحق به «أن كل من دخل دار عبادته فهو آمن حتى وإن لم يكن مسلماً». فقد احترم الإسلام دور العبادة كلها من الكنائس أو المعابد.. ونهى عن الاعتداء عليها، كما نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون عن «قتل الراهب فى صومعته»، لأنه يتخلى فيها بالعبادة.. وليس من أهل القتال والمقاتلة.. ولذا فهو آمن ولا يُقصد بسوء.. ولكن هذه المعانى النبيلة غابت عن مثل هذه الميليشيات وكذلك المجموعات التكفيرية مثل «داعش» ومثيلاتها. هل سمعت عاقلاً كان يتصور أن تقدم جماعة مثل «داعش» على تفجير مسجد وقبر نبى الله «يونس».. ذلك النبى العظيم الذى حكى القرآن قصته وسمّاه «ذا النون».. والذى ابتلعه الحوت بعد أن لامته السماء على تركه الرسالة ودعوة قومه يأساً من صلاحهم وإصلاحهم دون أن يستأذن ربه؟ هل تصور أحد يوماً من الأيام أن تقوم «داعش» بتفجير مسجد وقبر نبى الله «شيث» التاريخى الابن الثالث لسيدنا آدم، وهو نبى عظيم تحدثت عنه كتب السيرة؟ أى قسوة تلك التى طالت الأموات والأحياء سوياً؟!! الغريب فى الأمر أن الداعشى الذى فجّر هذا المسجد وقف فى الفيديو المصور فخوراً سعيداً منتشياً على أطلال المسجد.. وكأنه حرّر القدس أو ردع إسرائيل عن غزة أو أذل نتنياهو وعصابته.. أى فخر يا فتى وأنت كارثة على الإسلام والمسلمين؟! لقد ابتدعت الميليشيات الشيعية ما يُسمى القتل بالاسم.. حيث لم يعرف الإسلام ولا الإنسانية طوال تاريخهما القتل بالاسم.. أو أن يكون اسم الإنسان سبباً فى قتله وذبحه وترحيله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة.. فإذا بها تقتل كل من يتسمّى باسم «أبى بكر أو عمر أو عثمان» وحتى النساء لم يسلمن من ذلك فأى امرأة اسمها «عائشة أو حفصة» كانت تلقى مصيراً أسود على أيدى هذه الميليشيات.. وكأن اسم الإنسان سُبة.. وكأن تسميته باسم وزيرى النبى، صلى الله عليه وسلم، العظيمين الكريمين أبى بكر وعمر، رضى الله عنهما، سوأة وعار.. وهل الإنسان يملك اسمه حتى يعاقبه البعض عليه ويعاقبونه بماذا؟ بالقتل والذبح أو السجن.. ما هذا يا قوم؟! لقد أحدثت هذه الميليشيات الشيعية والتكفيرية خرقاً عظيماً فى الإسلام وفى جدار الإنسانية، بل فى بنيان الرحمة الإنسانية التى ينبغى أن تكون فى قلب كل إنسان، فضلاً عن أن يكون مسلماً سواء كان شيعياً أو سنياً.