سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«نيويورك تايمز»: «الكونجرس» أعد برنامجاً سرياً ل«العسكرة» فى التسعينات.. وبدأ عام 2006 متطوع سابق بالجيش الأمريكى: نحن فى الولايات المتحدة ولسنا فى الفلوجة.. وفوجئت بتكتيكات الشرطة
اندلاع المظاهرات الاحتجاجية ضد الشرطة الأمريكية فى مدينة «فيرجسون» بولاية «ميزورى» الأمريكية بعد مقتل الشاب الأسود من أصول أمريكية، كان كفيلاً بفتح جبهة جديدة ضد الإدارة الأمريكية فى الداخل، فعلى الرغم من الانتقادات العديدة الموجهة للرئيس الأمريكى باراك أوباما على مستوى السياسات الخارجية التى تتبعها إدارته، فإن الاحتجاجات التى وقعت فى «فيرجسون» كانت بمثابة «القشة التى قصمت ظهر البعير» فى الولاياتالمتحدة، حيث كانت المعدات والأسلحة التى استخدمتها قوات الشرطة الأمريكية لمقاومة المتظاهرين وفض الاحتجاجات بالقوة، بمثابة مفاجأة صدمت الرأى العام الأمريكى. «عسكرة الشرطة».. مصطلح تداولته وسائل الإعلام الأمريكية قبل أعوام بنوع من الحذر وإبداء المخاوف حول سياسات الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى تسليح قوات الشرطة، إلا أن الرد الرسمى دوماً كان يأتى إما بالنفى أو رفض التعليق، إلا أن الأمر انكشف هذه المرة على الملأ أمام العالم أجمع. المصطلح يعنى فى الأساس أن تتحول قوات الشرطة إلى استخدام معدات وأسلحة وتكتيكات تستخدمها القوات العسكرية على أرض المعارك، وهى تكتيكات ومعدات ليست مخصصة بالأساس لمقاومة الشغب أو فض التظاهرات، ما يعنى أن استخدامها ضد المتظاهرين يعد مخالفاً لقانون أى دولة ديمقراطية، خاصة فى الوقت الذى تدّعى الولاياتالمتحدة فيه أنها هى الديمقراطية الأولى فى العالم. بيتر كارسا، أستاذ العلوم الجنائية والقانون، قال فى بحث سابق صدر له عام 2007، إن ما يجرى هو محاولة لطمس الفروق بين مؤسسات الشرطة والجيش، ما يعنى طمس الفارق بين حالة الحرب وحالة تطبيق القانون فقط، مشيراً إلى أن «تلك العملية هى أن تبتعد قوات الشرطة المدنية يوماً تلو الآخر عن مهمتها الأساسية وتضع نفسها فى إطار تميل فيه إلى النموذج العسكرى». قبل ما يزيد على عام بأشهر قليلة، أجرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه عن أن الإدارة الأمريكية بدأت فى توزيع معدات عسكرية قيمتها ملايين الدولارات على أقسام وقوات الشرطة المحلية بشكل سنوى، بحجة أن تلك القوات التى يجرى تسليمها هذه النوعية من الأسلحة تواجه معدلات مرتفعة من الجريمة فى عدد من المدن الأمريكية. وكشفت الصحيفة الأمريكية عن أن «الكونجرس» أعد برنامجاً سرياً لتزويد أقسام الشرطة الصغيرة بمعدات عسكرية دون مقابل، لافتة إلى أن البرنامج ليس جديداً فى حد ذاته، فهو يعود إلى تسعينات القرن الماضى، إلا أنه لم يكن بهذا المدى وقتها. البرنامج أُطلق عليه اسم «المبادرة 1033» وهى مبادرة انطلقت من وزارة الدفاع للاستغناء عن الأسلحة والمعدات الفائضة عن احتياجاتها إلى قوات الشرطة المحلية بدلاً من دفع مبالغ طائلة فى تفكيكها مجدداً، وظل الأمر منحسراً فى بعض الحالات المعينة لسنوات طويلة، حتى بدأ فى التوسع بعد الحرب فى العراقوأفغانستان، إلا أن البداية الفعلية له كانت فى عام 2006. شبكة «روسيا اليوم» الإخبارية الروسية كشفت عن معلومات حصلت عليها وفقاً لمستندات رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، أكدت من خلالها أنه منذ عام 2006 وحتى اليوم، تسلمت قوات الشرطة الأمريكية ما يزيد على 432 مركبة عسكرية مدرعة، فى حين تسلمت 435 مدرعة عسكرية مزودة بالأسلحة، وما يزيد على 45 ألف نظارة رؤية ليلية تخص المعدات العسكرية المتطورة، وأكثر من 533 مروحية عسكرية، و93.736 رشاش آلى خاص بقوات الجيش الأمريكى، إضافة إلى عدد من الأسلحة الأخرى. رئيس شرطة مقاطعة «آلبانى» كرايج آبل، برّر حصوله على المعدات العسكرية وقبوله إياها، قائلاً: «بكل بساطة.. تلك معدات مدرعة وثقيلة وترهب من نواجهه، والأهم أنها مجانية ولا ندفع مقابلها شيئاً»، فى حين أن نائب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية آلان إيستفيز، قال إن «الوزارة أبلغت أصدقاءها فى الشرطة بأن لديها مدرعات عسكرية فائضة متاحة يمكنهم الحصول عليها إذا رغبوا فى ذلك». خلال عهد الإدارة الأمريكية تحت رئاسة «أوباما»، وبحسب الوثائق الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية، حصلت قوات الشرطة الأمريكية على عشرات الآلاف من الرشاشات الآلية وما يقرب من 200 ألف قطعة ذخيرة خاصة بها، إضافة إلى آلاف المعدات الخاصة بالتمويه والمراقبة وكاتم الصوت المستخدم فى الأسلحة الخفيفة والسيارات المدرعة والمروحيات العسكرية. أما موقع «إنترسبت» الأمريكى الذى اختص بنشر الوثائق المسربة من وزارة الدفاع الأمريكية، فقال إن «أحداث فيرجسون سلطت الضوء أخيراً على ما سبق أن حذر منه عدد ضئيل من الأشخاص، وهو أن الإدارة الأمريكية تنتهج سياسات (العسكرة) لقوات الشرطة». لم يكد يمر عدة أيام على اندلاع مظاهرات «فيرجسون»، حتى استشاطت الصحف الأمريكية غضباً وصدمة نتيجة ما حدث، حيث تحول التعامل بين طرفى الصدام إلى حالة حرب بين محتل وأصحاب البلد الأصليين، وهو ما أثار حالة من التخبط فى الوقت الذى تزايدت فيه الدعوات إلى نزع المعدات العسكرية التى حصلت عليها قوات الشرطة، وسط تأكيدات على أن قوات الشرطة الأمريكية استخدمت العنف المفرط وغير اللازم فى مواجهة المظاهرات التى تلت مقتل الشاب الأسود مايكل براون. وفور اندلاع تلك التظاهرات بدأت وسائل الإعلام الأمريكية فى عقد مقارنة بين المعدات الأمريكية فى العراقوأفغانستان وبين المعدات التى استخدمتها الشرطة الأمريكية فى «فيرجسون»، حيث تشابهت الأسلحة والمدرعات العسكرية والدروع الواقية التى ارتداها عناصر الشرطة مع تلك التى ارتداها عناصر الجيش الأمريكية فى العراقوأفغانستان، ما أثار موجة جديدة من الغضب ضد الإدارة الأمريكية، وسط اتهامات بعدم التمييز بين التعامل فى الحالتين. لم تكن الانتقادات من جانب وسائل الإعلام الأمريكية فحسب، فالنائبة الأمريكية بالكونجرس إليزابيث وارين، وجّهت انتقادات عنيفة للتعامل الأمنى مع المظاهرات فى «فيرجسون». وقالت على حسابها الرسمى على موقع «تويتر»، إن «هذه هى الولاياتالمتحدة.. هذه ليست منطقة حرب.. سكان فيرجسون يرغبون فى الحصول على الأجوبة فقط، نحن جميعاً نسعى للحصول على الأجوبة»، فيما أعرب المدعى العام الأمريكى إيريك هولدر عن مخاوفه وقلقه من «عسكرة الشرطة الأمريكية»، مؤكداً أنه يسعى لإجراء تحقيق شفاف وعادل فى مقتل الشاب الأمريكى على يد الشرطة. الصور التى التقطتها كاميرات المصورين ووكالات الأنباء العالمية كانت كافية لتثير الجدل من جديد حول التعامل الأمريكى الأمنى مع التظاهرات فى «فيرجسون»، حيث ظهرت عناصر الشرطة بتسليح عسكرى مكثف، ففى الوقت الذى يفترض فيه أن تكون المعدات التى تحصل عليها قوات الشرطة لمكافحة الشغب وفض التجمعات غير القانونية تنحصر فى إطار الغازات المسيلة للدموع، ظهرت قوات الشرطة الأمريكية فى «فيرجسون» ب«قناصات» ومدرعات عسكرية ورشاشات آلية. لم يكن التعامل الأمنى ضد المتظاهرين وحده هو ما أثار غضب الأمريكيين والعالم بشكل عام، فالصحفيون أيضاً تعرضوا لانتهاكات كان من المفترض ألا تحدث لهم فى «الديمقراطية الأولى فى العالم»، حيث تعرّض عدد من الصحفيين فى شبكات وصحف أمريكية إلى الاعتقال خلال تغطيتهم الأحداث التى وقعت فى «فيرجسون»، وهو ما دفع منظمة الأمن والتعاون الأمريكية إلى رفض «ترهيب المراسلين» الذين يتابعون الأحداث فى المدينةالأمريكية. ناثان بيت، المتطوع السابق بالجيش الأمريكى فى أفغانستان، قال إنه فوجئ بالتكتيكات التى تستخدمها قوات الشرطة فى «فيرجسون»، مشيراً إلى أنه نشر عدداً من الصور لأحد عناصر القوات الأمريكية يشير بضوء الليزر إلى شاب صغير لم يكن يحمل أى سلاح، مؤكداً أن استخدام هذا النوع من التسليح ليس مناسباً لهذا الحدث، وأضاف: «هذه مدينة أمريكية.. لسنا فى الفلوجة الآن.. لسنا حتى فى مدينة كبيرة يخشون أن تخرج فيها الاحتجاجات عن السيطرة.. القوات تتعامل كما لو أنهم يغزون الفلوجة فى عام 2004»، أما كارا دانسكى، الباحثة بالاتحاد الأمريكى للحريات المدنية، فقالت فى دراسة نشرتها فى يونيو الماضى تحت عنوان «الحرب فى وطننا»، إن «الإدارة الأمريكية عجّلت من عملية عسكرة الشرطة وزادت من معداتها العسكرية بشكل لا يمكن تبريره». جاى نيكسون، حاكم ولاية «ميزورى» التى شهدت تلك الأحداث، لم يستطع هو الآخر الدفاع عن قوات الشرطة أو تبرير ما حدث، مؤكداً أنه بدلاً من أن تكون «عسكرة الشرطة» هى سبب جلب الأمان إلى الولاياتالأمريكية، فقد تسبب هذا المشروع فى تقليل الأمن فى هذا الوضع الذى تشهده مدينة «فيرجسون»، مؤكداً فى الوقت ذاته أن الشرطة يجب أن تكون على قدر التعامل مع الإرهابيين والمتفجرات، ولكن هذا لا يعنى أن تتجول مدرعة عسكرية فى الشوارع ووسط المتظاهرين، لافتاً إلى أن هذا الأمر لا يساعد على تهدئة المتظاهرين.