لم يكن توصُّل قادة وممثلي 195 دولة مختلفة حول العالم لاتفاق باريس في ديسمبر 2015 بالأمر الهيّن، حيث يعتبر اتفاق باريس للمناخ، الناتج عن مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين، هو أول نتاج عالمي معتمد لخفض الاحتباس الحراري والتعهد بالنظر الإيجابي لقضايا المناخ والأخذ في الاعتبار الهدف الخاص باحتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين والسعي لتحديده في 1.5 درجة. وبالرغم من إشارة الاتفاق إلى ضرورة الوضع في الاعتبار الظروف الخاصة للبلدان النامية، ولاسيما تلك المعرضة للأضرار الناجمة عن تغير المناخ وأن الدول المتقدمة تتحمل عبء غير عادي بمقتضي الاتفاقية، إلا أن الدول الصناعية والدول التي يطلق عليها مجازًا "دول الشمال" لم تعبأ بتضمين ذلك الاتفاق ضمن سياساتها المناخية والصناعية والاقتصادية بشكل فعال حتى الآن، بل أن بعضها استمر في التحايل على مواد الاتفاق، فنجد أن هناك 10 دول هي المسئولة عن ما يقرب من 69 % من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، ومن بين تلك الدول العشر التي تنتج ثلثي الانتاج العالمي من الغازات الدفيئة سنجد أهم ثلاث قوى اقتصادية في العالم يتصدرن القائمة وهم على التوالي الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وتلك القوى الثلاث الكبرى فقط تسهم بما يقارب 46 % من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، والتساؤل لا يكمن هنا فيما تنتجه تلك الاقتصادات الضخمة من انبعاثات، بل يُثار التساؤل حول مدى تأثير تلك الغازات الدفيئة على توافر الغذاء والمياه وما يرتبط بهما من توافر فرص العمل ودفع اقتصادات الدول النامية، فالكثير من دول الجنوب، لا سيما الدول الأفريقية، تعاني من كوارث بيئية ومناخية ضخمة كانت تلك الغازات هي المتسبب الأول فيها. تعرضت مدينة "كيب تاون" الجنوب أفريقية في عام 2018 لخطر ندرة المياه وأضحى الكثيرين من سكانها في افتقار للماء، وتعرضت مناطق في موزمبيق وزيمبابوي للجفاف، وأصبحت التربة في شرق أفريقيا تعاني التصحر، الأمر الذي انعكس على معدلات الأمن الغذائي، وصارت مدن مصر والمغرب وأنجولا معرضة للغرق، الأمر الذي يهدد حياة مئات الآلاف من السكان وينذر بهجرة جماعية، وكل تلك المؤشرات إنما تشير إلى ما أضحى يعرف ب"العدالة المناخية". وبالرغم من أن أكثر من نصف الدول العشر المسئولة عن ما يقارب ثلثي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم تقدم نفسها على أنها تحمي قيم العدالة وحقوق الإنسان، وهو أمر جيد، إلا أن قضية العدالة المناخية تشير إلى أن تلك الدول لا تستخدم تلك الأمور إلا في السياق الذي تراه مجدي بالنسبة لها؛ فهي تقاطع تارة وتشجب وتدين تارة أخرى إذا ما تعلق الأمر بالدول الأخرى، أما إذا ما أثيرت الحقوق البيئية لمواطني الدول النامية ودول الجنوب وتعرضهم للمجاعة والعطش والموت أحيانًا كنتيجة للسياسات الاقتصادية لتلك الدول التي تسمح بانبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة فإنها تغض طرفها. شريف الرفاعي، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين