إسرائيل لا تُعلن عن أهدافها من ضرب غزة دفعةً واحدةً، فهى تمد يدها نهاراً بهدف، وليلاً بهدف آخر، حتى تنتهى من تنفيذها، ولا ننكر على إسرائيل ذكاءها السياسى، وقدرتها على تهيئة الأجواء المناسبة للاستحواذ على تعاطف العالم، بالرغم من بشاعة ما تقوم به من قتل وتدمير، فى الوقت الذى تخسر فيه القضية الفلسطينية مؤازرة الحكومات، على الرغم مما تتعرّض له من قتل وتدمير، لقد فشلوا فى إقناع العالم بعدالة قضيتهم، فهم أسوأ محامين فى أعدل قضية، وقالوا قديماً نصف الحق فى نصف المنطق، ومنطق العالم أن حماس فصيل يمارس الإرهاب ضد دولة معترف بها وفقاً للقوانين الدولية. إسرائيل لم تُظهر من أهداف الغزو حتى الآن سوى أربعة أهداف: 1- تدمير الأنفاق التى تصل بين القطاع وإسرائيل، خصوصاً رفح، والتى أنشأتها حماس بأموال التبرعات وتستخدمها فصائل عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحماس، للمرور إلى عمق إسرائيل لارتكاب أعمال عدائية من وجهة نظر إسرائيل والعالم، ومقاومة محتل من وجهة نظر حماس. 2- تدمير شبكة الصواريخ بعيدة المدى التى تمتلكها حماس، والتى أظهرت بعد إطلاقها على إسرائيل بعض القصور فى القبة الحديدية الإسرائيلية، ولقد وعدت أمريكا بتمويل إسرائيل بحوالى مائتين وعشرين مليون دولار، لتطويرها ورفع كفاءة أدائها، وحجم الصواريخ فى غزة حوالى تسعة آلاف صاروخ، تم تدمير البعض من إسرائيل، وإطلاق البعض من حماس، حتى وصل رصيد غزة حوالى ثلاثة آلاف (أى الثلث)، والهدف هو استكمال القضاء عليهم وتدميرهم. 3- عودة مباحثات السلام بين الفلسطينيين واليمين الإسرائيلى (حكومة نتنياهو) إلى نقطة الصفر، وإجبار الفلسطينيين على قبول فكرة الحكم الذاتى، لأن اليمين الإسرائيلى لا يوافق على إقامة دولة فلسطين فى القطاع وغزة، وذلك لعلم إسرائيل بنوايا الفلسطينيين فى تحرير أرضهم، واعتبار الدولة الوليدة نواةً لإقامة دولتهم، ونقطة انطلاق إلى التحرير بالقوة مهما كان الاتفاق موثقاً، وهذا ما تخشاه إسرائيل لعدم ضمانها الفصائل الفلسطينية المتناحرة. 4- نزع سلاح الفصائل الفلسطينية فى الضفة وغزة، تنفيذاً لمعاهدة أوسلو لضمان أمن إسرائيل، ولذلك لن توافق إسرائيل على إنشاء مطار محدود فى القطاع (كان قد أنشئ سابقاً، وتم تدميره)، وكذلك مساحة من المياه الإقليمية لغزة، لإتاحة المجال للصيد فيه دون حصار، لعلم إسرائيل ويقينها عن نية حماس فى استخدامها، لتزويد القطاع بالسلاح، تمهيداً لتنفيذ خطة التحرير. إسرائيل محددة الهدف واضحة الاستراتيجية، تُهيئ العالم تارةً للغزو، وتارةً لمباحثات السلام، فى الوقت الذى تريده وتُهيئ العالم لاتخاذ قرار التعاطف معها، مهما كانت خسائر الجانب الآخر، والفصائل الفلسطينية غير محددة الهدف والاستراتيجية، كل فصيل يعمل منفصلاً عن الآخر، ولهذا يخسرون تعاطف العالم، مهما كانت قسوة الإسرائيليين. مطلوب من الفلسطينيين الاتفاق أولاً على الهدف، إما المقاومة والكفاح وإما السلام، ودراسة حسابات المكسب والخسارة، ومتى تبدأ المقاومة للوصول إلى الهدف إذا اختارت الكفاح والمقاومة، أما إذا كان قرار الاختيار هو السلام وإنشاء الدولة الفلسطينية على الضفة والقطاع، فلا بد من البدء الفورى فى تعبئة العالم للتعاطف واستمالة الحكومات لعدالة قضيتهم وحقهم فى إقامة دولتهم، وكسب ود وتعاطف وتأييد العالم وفقاً لمنهجية تاريخية علمية وموثقة. وأتساءل، أىُّ الطريقين يسلكون؟ ومتى يتفقون على الهدف والوسيلة؟ ومتى تتوحد الفصائل على هدف محدد، بعيداً عن الأهواء الشخصية والزعامة الفارغة والأموال المسروقة فى بنوك وشركات العالم، على حساب دم الأطفال والشهداء الفلسطينيين؟ وفى النهاية يوجهون سهام النقد إلى مصر وجيشها.