يمثل العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة والذى أسفر عن مقتل وجرح الآلاف وتدمير البيوت والبنى الاساسية تجسيدا واضحا لسياسة اليمين المتطرف الحاكم فى إسرائيل ومراهنته على الحل العسكرى بالتخلص من المقاومة الفلسطينية, فى ظل موازين القوى المختلة بينه وبين الفلسطينيين. فإسرائيل لم تكن بحاجة إلى مقتل المستوطنين الثلاثة أو وقف صواريخ القسام لتبرير اعتدائها على غزة, وإنما اتخذته ذريعة لتنفيذ مخططاتها فى حصار واستئصال المقاومة الفلسطينية المسلحة, فالعدوان الحالى استهدف بشكل أساسى ضرب المصالحة الفلسطينية الأخيرة بين حركتى فتح وحماس, وتشكيل حكومة وحدة وطنية, تمثل بداية لبلورة موقف فلسطينى موحد ولديه أوراق ضغط تجاه أى مفاوضات مستقبلية, حيث تسعى تل أبيب من وراء ضرب غزة وإسقاط هذا العدد الكبير من الضحايا والتدمير إحراج السلطة الفلسطينية وإظهارها بالتخاذل أمام وقف العدوان, وبالتالى تكريس الموقف المتشدد لحماس من تنفيذ اتفاق المصالحة, كما أن إسرائيل, ومع تزايد الضغط الأمريكى لإحياء مفاوضات السلام, توظف ورقة حماس والحرب معها لإجهاض أى جهود للسلام يمكن أن تدفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة وفقا لاتفاق الإطار الجديد الذى قدمه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى, وبالتالى العودة إلى المربع صفر، وتوجيه الجهود من الدبلوماسية إلى التركيز على ما تسميه قضية الإرهاب, والاستمرار فى سياسة فرض الأمر الواقع فى إنشاء المستوطنات وتهويد القدس, كذلك تستهدف إسرائيل توظيف الظروف الإقليمية وتفاعلات الثورات العربية غير المواتية لحركة حماس والتى جعلتها تعانى الحصار والعزلة السياسية, بعد فقدانها حلفاءها فى المنطقة وحالة التباعد بينها وبين الموقف المصرى, والذى لعب دورا محوريا فى اتفاقات التهدئة السابقة, نتيجة لممارساتها السلبية تجاه مصر خاصة فى منطقة الحدود مع القطاع. لكن رهانات الحكومة الإسرائيلية من وراء عدوانها الأخير على غزة خاسرة وخاطئة, فمن ناحية فإن إسرائيل لم تتعلم من الدروس السابقة, وهى أنه مهما تكن قوتها العسكرية، فهى لن تنجح فى كسر شوكة المقاومة الفلسطينية, ليس لأن المقاومة عدلت من توازن القوى، ولكنها نجحت فى تحقيق توازن الرعب، بعد أن فاجأت تل أبيب بصواريخ القسام والجعفرى والتى بلغ مداها 80 كيلو مترا ووصلت إلى تل أبيب وحيفا ومفاعل ديمونة, وطائرتها الجديدة دون طيار والتى دخلت العمق الإسرائيلى. وإنما لأن المعادلة بسيطة وهى أنه مادام استمر الاحتلال فسوف تظل المقاومة والصمود, حيث لم تفلح حربا 2008 و2012 فى تحقيق أهداف إسرائيل العسكرية. ومن ناحية ثانية فإن رهان إسرائيل على صمت الموقف المصرى تجاه عدوانهاعلى غزة, هو رهان خاطئ أيضا, فمصر, ومهما تكن حالة الجفاء مع حماس, لن تتخلى عن ثوابتها فى دعم الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة فى استعادة حقوقه المشروعة, حيث لا يرتهن موقفها بفصيل معين, ولذا كان طبيعيا أن تتدخل مصر لوقف العدوان الإسرائيلى والتوصل إلى اتفاق تهدئة جديد لحقن دم الشعب الفلسطينى ووقف آلة التدمير الإسرائيلية. ومن ناحية ثالثة, فإن إسرائيل هى الخاسر الأكبر من وراء حربها الحالية, حيث زادت من صورتها السلبية أمام العالم وتعاطفه مع الشعب الفلسطينى ضد دولة احتلال معتدية تستخدم كل جبروتها العسكرى فى قتل المدنيين, ولا يتناسب رد فعلها مع حججها الواهية بحقها فى الدفاع الشرعى عن النفس ضد صواريخ حماس, والتى تعلم جيدا أنها لم تؤد إلى ضحايا بشرية أو خسائر مادية تستدعى كل هذا التدمير. وفى المقابل فإن رهان حماس العسكرى على الانتصار على إسرائيل هو رهان خاطئ, فى ظل الفجوة الكبيرة فى ميزان القوى بين الجانبين, بل يزيد من معاناة الشعب الفلسطينى, ولذلك فإن أى اتفاق للتهدئة, فى ظل استمرار بيئة العنف وغياب أفق للتسوية, سوف يكون اتفاقا هشا وسيلقى مصير الاتفاقات السابقة, مادام استمر الصقور والمتطرفون فى إفشاله لسد الطريق أمام أى محاولات لتحقيق السلام, إضافة لتناقض شروط حماس وإسرائيل فيما يتعلق بقضيتى إطلاق سراح الأسرى ونزع أسلحة المقاومة. وبالتالى فإن الحل الوحيد فى تثبيت اتفاق التهدئة, وفقا لشروط اتفاق 2012 بشقه العسكرى فى وقف إطلاق النار، وشقه الاقتصادى فى فتح المعابر والحصار عن الفلسطينيين, هو أن يكون ضمن رؤية وحل شامل وجذرى يمنع اندلاع حرب جديدة فى المستقبل, والعمل الجاد على استئناف المفاوضات, والتوصل إلى اتفاق سلام عادل وشامل يضمن الحقوق العادلة للفلسطينيين, ويزيل كل مسببات الصراع والتوتر, كذلك المضى قدما فى توحيد الصف الفلسطينى واستكمال خطوات المصالحة والحكومة الجديدة, وأن تتنازل حركة حماس عن شروطها التعجيزية وتعمل بتكامل مع السلطة فى الأهداف والأدوار وآليات المقاومة. ولذا فإن الدور الأمريكى والعربى فى حل الأزمة الحالية ينبغى أن يتجاوز مجرد التهدئة إلى تقديم مبادرة حقيقية لإنهاء الصراع التاريخى الفلسطينى الإسرائيلى, وينهى معه بيئة العنف بين إسرائيل وحماس, ودون ذلك فإن الحرب الحالية لن تكون الأخيرة مادام استمر الاحتلال ومادامت ظلت إسرائيل فى رهاناتها الخاطئة. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد