هل يتكرر سيناريو التدخل العسكرى المصرى مرة أخرى كما حدث فى يوليو من العام 1977.. فى إطار دفاع مصر عن أمنها القومى؟ قد لا نتذكر الآن أن ليبيا كان يحكمها مجنون أخرق، وهو «معمر القذافى»، الذى تطاول على مصر ورئيسها الأسبق «أنور السادات» بعدما بدأت مصر التمهيد لاتفاقية السلام مع إسرائيل.. ثم بدأ التصعيد بين البلدين، فتمت مهاجمة السفارات فى البلدين (مصر وليبيا)، ثم قام «القذافى» بطرد حوالى ربع مليون مصرى كانوا يعملون فى ليبيا. بعدها حشد القذافى مظاهرات حاولت اقتحام الحدود المصرية للوصول للقاهرة لعمل اضطرابات فيها، كما أمر حرس الحدود بضرب مدينة السلوم الحدودية المصرية بالمدافع. وهنا، وتحديداً فى 21 يوليو من العام 1977 دخل الجيش المصرى ليبيا ونشبت معركة بينه وبين الجيش الليبى انتهت بانتصار مصرى سريع.. أعقبته هدنة فى 24 يوليو، ثم توقفت العمليات العسكرية وانسحب الجيش المصرى من المدن والمناطق التى احتلها فى ليبيا، وتم تبادل الأسرى بين البلدين. الآن هناك ضغوط كثيرة على القيادة السياسية لتوجيه ضربة عسكرية ضد معاقل الإرهاب والجماعات التكفيرية فى ليبيا.. اللواء الليبى المتقاعد «خليفة حفتر» أعلن تأييده لأى ضربة عسكرية «تؤمّن حدود مصر» حتى لو كانت داخل ليبيا.. ونصح السلطات الحاكمة فى طرابلس بأن يتركوا تأمين الحدود مع مصر لمصر نفسها، لأنهم غير قادرين عليها. وحركتا «كفاية» و«6 أبريل» تمارسان ضغوطاً لتوجيه ضربة ضد ليبيا، خاصة بعد مقتل 23 عسكرياً بالفرافرة فى حادث رجحت مصادر أمنية أن يكون وراءه مجموعات مسلحة مقبلة من ليبيا. أما «عمرو موسى»، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، فقد حذر مما سماه (إمكانية لجوء مصر للدفاع عن نفسها، حال استمرار الاضطرابات على الحدود الليبية)!. أخشى ما أخشاه أن يكون الهدف الأول وربما الوحيد لجماعة «أنصار الشريعة»، و«داعش»، ومن يساندهم من الجماعات الإرهابية، هو توريط الجيش المصرى فى مستنقع الحرب الأهلية التى اشتعلت فى ليبيا!!. من حق مصر أن تدافع عن نفسها، خاصة أن المنطقة الشرقية بليبيا وبنغازى أصبحتا تمثلان تهديداً مباشراً للأمن القومى.. والأمن القومى لا يحتمل التردد، لكن قرار الضربة العسكرية لا بد أن يكون مدروساً ومحسوباً بدقة حتى لا تجر مصر إلى حرب مفتوحة تحكمها العصبية القبلية والميليشيات المسلحة.. حيث لا توجد فى ليبيا -الآن- دولة بالمعنى المتعارف عليه لوقف الحرب المحتملة أو تسوية ما قد ينجم عنها من تداعيات معقدة تتشابك فيها الأرض بالبشر بالحدود.. ودماء قبائل ينقسم وجودها وولاؤها بين مصر وليبيا. يكفى أن هناك قنبلة بشرية انفجرت فى وجوهنا، وهى عودة ملايين العاملين فى ليبيا، وأزمة العالقين على الحدود، وخسائر العمالة العائدة. لقد كشف الصراع السياسى فى ليبيا عن غياب التشريعات والاتفاقيات التى يمكن أن تحمى العامل المصرى بالخارج، وأثبت تراجع قدرة الدولة المصرية على حماية جالية مصرية تقدر بالملايين فى ليبيا.. وشاهدنا -عبر الفضائيات- المآسى التى تعرض لها المصريون بعد أن سيطرت الجماعات المسلحة على مفاصل الدولة، ودمروا المحلات والبيوت وقتلوا المصريين، وأجبروهم على الهرب تاركين تحويشة العمر.. فلا جسر جوى نجده ولا تحركات الدولة كانت بالسرعة والكفاءة المطلوبة!. البؤساء المقبلون من ليبيا -أيضاً- يشكلون مصدر قلق للأجهزة الأمنية، فمن الممكن تسلل عناصر مسلحة تم تدريبها فى ليبيا ضمنهم، للقيام بعمليات إرهابية فى مصر!. هذه بخلاف العبء الاقتصادى الذى يمثله عودة ملايين، لدولة عاجزة أصلاً عن توفير الحاجات الأساسية للملايين التى تعيش فيها.. نحن أمام كارثة حقيقية. لقد ذهب الرئيس «عبدالفتاح السيسى» للجزائر بعد توليه مقاليد الحكم مباشرة للتنسيق الأمنى مع الجزائر لمواجهة الخطر المقبل من ليبيا، وصرح الرئيس، خلال المؤتمر الصحفى، الذى عُقد مع رئيس وزراء إيطاليا «ماتيو رينزى»، أن القوات المسلحة قادرة على حماية حدود مصر مع ليبيا. نحن -إذن- على حدود التماس مع دولة آيلة للسقوط، تحكمها فصائل متطرفة وعصابات لتهريب السلاح، وعلينا تأمين حدودنا الغربية لمنع تسلل الإرهابيين.. والتنسيق مع السلطات التونسية والليبية والجزائرية لمحاصرة الإرهابيين.. ودعم قوات «حفتر» فى معاركها ضد الإرهابيين والانفصاليين. أما التدخل العسكرى، فقد يكون فخاً أو كميناً منصوباً بإحكام لجر الجيش المصرى واستدراجه إلى معارك خارجية واستنزاف قدراته خارج الحدود.. كلى ثقة فى قدرة القيادة السياسية على تقدير الموقف. اللهم احفظ مصر.