يتابع المصريون الأحداث التى تتفاعل فى ليبيا، ويتراوحون فى شعورهم إزاء ما يحدث بين الشعور الجحوى الشهير: «دماغى.. الضرب برة بيتى»، وبين التوجس من أن يطال ما يحدث هناك مصر بطريقة أو بأخرى. اسم اللواء «خليفة حفتر» ليس جديداً على مسامع المصريين، فقد سبق وقام بانقلاب منذ عدة أسابيع، ثبت فيما بعد أنه مجرد فرقعة تليفزيونية، ووقتها أعلنت مصر دعمها للسلطة الشرعية فى ليبيا. منذ بضعة أيام فوجئنا بتحركات عسكرية يقودها «حفتر» فى ليبيا فى عملية، أطلق عليها عملية «الكرامة» للتخلص من الجماعات الإرهابية فى بنغازى، ثم تطورت الأحداث كما تعلم بمحاصرة قواته للبرلمان الليبى، وتعليق العمل به، وتكليف رئيس الوزراء بإدارة البلاد بصورة مؤقتة. قد يكون من الوارد أن تهدأ الأوضاع بعد هذه الخطوات التى اتخذها «حفتر»، لكن ذلك احتمال بعيد، فالأقرب أن يتفاقم الوضع فى ليبيا بصورة أكبر خلال الأيام المقبلة، فبقايا الجيش الليبى من زمن القذافى منقسمة على نفسها، هناك من ينضم إلى «حفتر»، وهناك من سيحمل السلاح ضده، ليس ذلك وفقط، فالجماعات الإرهابية تمتلك العدد (عشرات الألوف)، ولديها العدة (السلاح بكل أنواعه، خفيف وثقيل). ومن الملفت أن المشير «السيسى» نبّه إلى خطورة الجماعات المتطرفة فى ليبيا -فى حديثه إلى قناة فوكس نيوز- وقال: «إن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلف الناتو، وبسبب رفضهما نشر قوات للمساعدة فى تحقيق الاستقرار فى ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد القذافى تسببوا فى خلق فراغ ترك ليبيا تحت رحمة المتطرفين». الولاياتالمتحدةالأمريكية -من ناحيتها- رفضت فكرة وجود قوات على الأرض الليبية بعد التجربة المريرة التى خاضتها فى أفغانستان والعراق، والمشير «السيسى» معذور -من ناحيته- فهو يخشى من استهداف مصر من جانب المتطرفين الذين يتدربون فى مواضع عديدة من شرق ليبيا. ولعلك تابعت هذا السيل من الأخبار الذى تداولته وسائل الإعلام المصرى خلال الأسابيع الأخيرة، عما يسمى ب«الجيش المصرى الحر» الذى يتدرب فى ليبيا كى يتحرك منها إلى مصر!. فى هذا السياق يمكن أن تفهم سر القلق الذى انتاب البعض من اشتعال الأوضاع فى ليبيا، على يد الجنرال المتقاعد «حفتر». ذلك الذى ظهر فجأة ببيان تليفزيونى، ثم اختفى فجأة وسط سخرية خصومه، ليظهر بعد ذلك من جديد مدعوماً ببضع طائرات عسكرية استطاعت قصف معسكرات الجماعات المتطرفة، ومهدت له التحرك الأرضى بالجنود وبالآليات العسكرية ليدخل مع عناصر هذه الجماعات فى معارك حامية الوطيس. وإذا كان إشعال نار الحرب أكثر الأمور سهولة، فإن إطفاء هذه النار أو محاولة محاصرتها وتحجيم قدرتها على الامتداد إلى مناطق أخرى داخل وخارج ليبيا ليس بالأمر الهين. ولعلك تعلم أن القوات المرابطة على حدود ليبيا مع كل من الجزائر وتونس ومصر بدأت ترفع حالة الاستعداد تحسباً لتسلل عناصر من الجماعات المتطرفة أو تهريب أسلحة. لا أحد يعلم هل يمكن أن تكون عاصفة الحرب مغلقة على ليبيا، أم أن أيادى أخرى يمكن أن تمتد إليها وتشارك فيها. لا تنس أن عظيم النار يأتى دائماً من مستصغر الشرر!.