فى منزل لم تفارق الضحكة أركانه عاشت أسرة أشرف رشاد، فها هى ابنته «ميادة» الفتاة العنيدة المجتهدة المثابرة، التى يحبها الجميع وتسعى دائماً لإرضاء وإسعاد من حولها حققت حلمها وتخرجت فى كلية الإعلام، والتحقت بالعمل كصحفية بجريدة «الدستور». فتاة ريفية دفعها الطموح إلى ترك قريتها الصغيرة، مودعة أسرتها بعد أن حزمت أمتعتها متجهة إلى القاهرة، حيث مقر عملها الذى يتطلب منها الوجود دائماً وسط الأحداث المشتعلة. تكتفى بيوم واحد تقتصه كإجازة من عملها للاطمئنان على والدتها وأسرتها. تنتظر الأم قدوم ابنتها لكن تمر الأيام والشهور ولم تطرق ميادة الباب بعد 123 يوماً. تجهز الأم كل ما لذ وطاب من الطعام الذى تحبه ابنتها، وتجلس خلف الباب لانتظارها ولكنها لا تأتى ولن تأتى. تلك هى الحقيقة التى تأبى «عزة رمضان»، والدة الشهيدة ميادة أشرف تصديقها. تقبض السيدة الأربعينية على قرط ذهبى يتدلى من أذنها متذكره مشهد ابنتها الأخير، قائلة «قبل عيد الأم ميادة كانت هنا، وراحت جابت لى الحلق ده وقالت لى دى هديتك يا أمى عشان مش هكون هنا. كل يوم بتكلمنى تطمن علينا وتطمنا عليها. فى اليوم ده كل شوية كانت تتصل على غير العادة. وتبعت رسايل كتير وتغنى لى فى التليفون يا ست الحبايب. قولت لها إيه يا ميادة مالك فيه إيه؟ قالت لى خلاص يا ماما متزعليش مش هقولها لك تانى». تواصل والدة الشهيدة ميادة «عشان تحلى الدنيا ومتقلقناش عليها، كانت مخبية علينا إنها بتنزل وسط الضرب والرصاص، رغم إنها مش بتخبى عنى أى حاجة، بس لما نتكلم عن شغلها والقتل والضرب اللى بيحصل فى البلد والناس اللى بتموت من غير ذنب كانت دايماً تقول مفيش حاجة، بس إنتى ادعيلى يا ماما. قلت لها هتيجى بكرة يا ميادة، وحشتينى بقالك 10 أيام منزلتيش يا بنتى؟ ردت عليَّا ادعى لى بكرة يعدى على خير وهاجى إن شاء الله». بابتسامة يملأها الألم تقول الأم «ميادة كان نفسها تتجوز مهندس، ويوم الجمعة اللى استشهدت فيه كان جايلها عريس مهندس، وكان هياخدها ويسافر أمريكا، وكنت مبسوطة إنها هترتبط باللى هى عايزاه، وتبعد عن الخطر وتطمن قلبنا عليها. لكن ربنا عوضها بيه فى الآخرة. جت لزمايلها فى الحلم بتضحك وقالت لهم أنا اتجوزت واحد أمور، وحامل آهو». على بعد خطوات من المنزل يقع القبر، لم ينقطع الأب عن زيارته يوماً، بينما لم تقو الأم على الذهاب إليه سوى يوم الخميس من كل أسبوع كى تطمئن عليها وتؤنس غربتها. وأمام اللوح الرخامى الأبيض الذى يحمل اسم الشهيدة، يضع الأب الزهور، طالباً من الله الرحمة لابنته، والقصاص العاجل ممن قتلها. دعوات لم تفارق لسان الأبوين. أمام الكعبة وقفت والدة ميادة وهى تحمل حقيبة يدها الأخيرة التى ما زالت آثار دمائها عليها، تتعالى صيحات الأم «ربنا يرحمك يا بنتى وينتقم من اللى قتلك، ويحرق قلب أهله عليه زى ما حرق قلوبنا، ويتمنى الموت ومايلاقيهوش». بتنهيدة تشق القلب تواصل والدة ميادة «لما بقعد لوحدى بسرح فى موتها بيوجعنى فراقها، وبقول لنفسى إنها فى مصر وجاية وبتخيل إنها تفتح عليَّا الباب فى أذان المغرب، وأنا بحضّر الفطار، وتقول لى كل سنة وإنتى طيبة أنا جاية أفطر وأعيّد وأصلى العيد معاكى. متزعليش منى غصب عنى، الإخوان كانوا خاطفينى بس أنا جيت لك آهو».