سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«أبوالريش للأطفال».. صوت «الألم» يعلو على «فرحة العيد» «تقى»: نفسى أخف وألعب مع أصحابى تانى زى الأول.. و«ماجدة»: قاعدة فى المستشفى بقالى شهرين وما حدش بيسأل عنى ومش معايا تمن العلاج
طرقات وعنابر مستشفى أبوالريش لا تعرف السكون ليلاً ونهاراً إذ تضج بصراخ الأطفال تارة، وبكائهم تارة أخرى، وما بين الحالتين تحاول الأمهات بذل كل ما فى وسعهن للتخفيف عن فلذات أكبادهن، حتى يغشاهم النعاس أو يخفف عنهم الله ويشفيهم. بوجه شاحب وجسد نحيل أنهكه المرض، استلقى محمد خالد، الذى يبلغ من العمر 15 سنة، على سرير فى إحدى الغرف بالطابق الخامس، وبجواره والده وأمه يحاولان التخفيف عنه، قصة مرض «محمد» بدأت منذ عامين ونصف العام عندما حاول أبوه كشف سبب ضعف بنيته الجسدية التى لا تناسب سنه، فأجرى بعض التحاليل التى أثبتت وجود ضعف فى هرمون النمو، ثم صرف الأطباء حقناً لمعالجة هذا الضعف، وبعد 3 شهور، أوقف الأطباء الحقن، بعد ارتفاع إنزيمات الكبد على حد وصف والد «محمد»، الذى قال: «كل مرة نذهب فيها إلى المستشفى نكتشف مرضاً جديداً دون معرفة السبب، وبالتالى لم يستطع الأطباء تشخيص المرض وصرف علاج مناسب له لمدة عامين كاملين حتى تدهورت حالته بصورة كبيرة». ويضيف: «طوال العامين الماضيين ترددنا على مستشفى 57357 لسرطان الأطفال ومستشفى أبوالريش، لا يوجد وجه للمقارنة بين الاثنين، رغم وجود كفاءات كبيرة فى مستشفى أبوالريش، وهم يبذلون قصارى جهدهم فى خدمتنا لكن المشكلة تكمن فى الإمكانات؛ فمثلا جهاز منظار الكبد يتعطل باستمرار ونضطر فى كثير من الأحيان إلى إجراء الأشعة والتحاليل خارج المستشفى وعلى نفقتنا الخاصة وبعيداً عن معامل التأمين الصحى لأنها ليست نظيفة، أجرينا تحليلاً فى يوم واحد ب1300 جنيه، وتقريباً العلاج يتكلف شهرياً 1500 جنيه. وتقول والدة «محمد»: «ابنى الكبير هو كمان تعبان بالكبد، إحنا مؤمنين باختيار ربنا، ونعرف أن هذا اختبار حقيقى، من وقت أن اكتشفنا مرض محمد، الأيام كلها بالنسبة لنا شبه بعضها مفيش فرق بينها، لا فرحنا برمضان ولا العيد ولا بأى مناسبة لأنى ببساطة على طول فى المستشفى مع محمد، أبوه هو كمان ساب شغله فى أحد مطاعم فى منطقة الدقى من شهر وتفرغ لعلاج محمد، فى يوم كنا ننتظر أذان المغرب فى شقتنا فى شبرا الخيمة ولسه هنفطر بعد المغرب، تقيأ دماً على الأكل، طبعا سبنا الأكل وطلعنا نجرى». تنهمر دموع الأم وتتحدث بصوت حزين: «يا عالم هنعمل إيه فى العيد، حالة محمد ليست مستقرة، وهنقضى العيد هنا فى أبوالريش، محمد عنده ورم على الكبد وتليف كبدى وتضخم فى الطحال والتهاب فى المعدة، حالة ابنى نادرة جداً ونسبة الشفاء بها منعدمة جداً؛ لأن الأطباء لا يستطيعون التعامل مع المرض، كل العلاج اللى بياخده تلطيفى فقط حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً، أصعب شىء ممكن تمر بيه فى حياتك كلها، لما يكون اللى قاعد قدامك مش عارف تعمل له حاجة». فى الغرفة المجاورة ل«محمد»، جلست «ماجدة»، تبلغ من العمر 30 سنة، على مقدمة السرير الذى يعالَج عليه طفلها الرضيع «أدهم» الذى لا يزيد عمره على 4 شهور فقط، والدة الطفل الرضيع نحيفة الجسد، بسيطة الحال، تقيم بالمستشفى منذ شهرين بشكل متواصل منذ قدومها من قرية تابعة لمركز العياط فى محافظة الجيزة، تسكن مع زوجها العامل الزراعى فى شقة بالإيجار ولا يشد من أزر السيدة أى أحد من أهلها أو أقارب زوجها، لا تترك المستشفى إلا للذهاب للصيدلية المجاورة له، لا تعرف أى أماكن أخرى فى القاهرة غير مستشفى أبوالريش للأطفال. تمسح بيدها على رأس طفلها الرضيع الذى يخرج من بطنه خرطوم قسطرة بلاستيك لجمع الصديد الخارج من الكلية وتتحدث قائلة: «أدهم كان تعبان فى بطنى وأنا حامل فى 6 شهور، الأطباء قالوا حاولى تنزليه عشان عنده ميّه على الكلى، قلت: لا مش هفرط فيه، رحت المستشفى سحبوا الميه من على الكلى وبعدين ارتحت أنا وهو. تكشف الأم عن بطن الرضيع وتقول: «بطنه زى ما انت شايف كبيرة والتعب باين عليها، لو أى حد لمسها بيفضل يعيط، أنا بقالى هنا شهرين ما روحتش فيهم البيت ولا مرة، متجوزة من 13 سنة ومعايا بنت عمرها 10 سنوات وولد عنده 8 سنين، سيبتهم مع والدهم فى العياط، هو الوحيد اللى بييجى يزورنى مرة كل أسبوع، بيشتغل يوم ويقعد يومين، كل مدة بيغيروا العلاج، من 3 أيام ما جبتش العلاج اللى المفروض أدهم ياخده لأنه مش موجود فى أبوالريش، والأطباء قالوا اشتريه من بره وتمنه 180 جنيه وأنا لو كان معايا فلوس كنت جريت أجيبه لابنى، لكن ما باليد حيلة». يدخل الطفل الصغير فى نوبة بكاء قصيرة ثم يهدأ وتكمل والدته حديثها قائلة: «رمضان مالوش طعم السنة دى ولا حسيت بأى فرحة عشان العيد، مش عارفة أفرح وأنا سايبة عيالى فى البلد، طالبت الأطباء بالسماح لى بالخروج من المستشفى، قالوا لى اكتبى إقرار على نفسك إنك هتسيبيه أو تجيبى حد مكانك، والدتى متوفية وأبويا اتجوز بعد وفاتها ومفيش حد من اخواتى الولاد بيسأل عنى ولا حتى بيتصل عليا إلا لما برن عليهم، لما حد بييجى يزورنى هنا بيهون عليا شوية». فى قسم الغسيل الكلوى بالطابق الرابع فى مستشفى أبوالريش، يتمدد أكثر من 10 أطفال على الأسرة، اتصلت بأجسادهم خراطيم الغسيل لتنقل دماءهم إلى الماكينة بانتظام عن طريق وصلة قسطرة فى الرقبة، لا يجد الأطفال مفراً من الشعور بالألم أثناء تركيب وفك خراطيم الغسيل 3 مرات فى الأسبوع، كل جلسة منها مدتها 4 ساعات، الجزء الأول والأكبر من وحدة الغسيل مخصص للأطفال غير المصابين بفيروس سى، والثانى مخصص للمصابين، أعمار الأطفال المصابين بالفشل الكلوى لا تزيد على 12 سنة، يعيش بعضهم على أمل نجاح عملية زراعة الكلى. ترقد على السرير الأول «تقى»، الطالبة فى الصف السادس الابتدائى، التى تبلغ من العمر 12 سنة، متفوقة جداً فى الدراسة ومن أوائل المدرسة، تقول: «نفسى أخف وارجع العب تانى مع أصحابى زى الأول». والدة «تقى» سيدة ثلاثينية من سكان الحلمية، ربة منزل وحاصلة على ليسانس حقوق، دموع عينيها لا تنضب ولا تجف، تبدل شكل حياتها تماماً بعد مرض ابنتها وتحول فرحها إلى حزن والأمل إلى اكتئاب، وأصبحت ملامح وجهها لا تعرف البسمة. تقول «منى» بصوت خفيض: «لما تقى تعبت من سنة ونص، الأطباء قالوا عندها اللوز وطلبوا إجراء تحاليل لإجراء عملية إزالة اللوز مثل تحليل سيولة الدم، وأجريت تحاليل كاملة للاطمئنان على ابنتى، ورغم أن التحاليل أظهرت ارتفاع نسبة الكرياتينين فى الكلى فإن الأطباء لم ينتبهوا إلى ذلك، ومنذ 4 شهور مرضت مرة أخرى، الطبيب المعالج لها قال: واخدة دور برد. وصرف لها مضادات حيوية متنوعة على مرحلتين، لكنها لم تسفر عن أى تحسن فى الحالة، حتى تم تحويلها إلى معهد ناصر واستطاعوا بفضل الله إنقاذها من الموت المحقق لأنها كانت قد أصيبت بغيبوبة كاملة وتسمم فى الدم وضعف فى عضلة القلب، وخضعت لعملية الغسيل الكلوى 3 مرات حتى تحسنت حالتها قليلاً، ثم نقلت إلى هنا فى أبوالريش، حالة تقى كانت معجزة بكل المقاييس وربنا كتب لها عمر جديد». تضيف: «كل يوم بيعدى عليا بيكون صعب، والأيام كلها بقت شبه بعضها، لما بتدخل عشان تغسل بقعد طول الساعات الأربعة قلقانة عليها، لأن دمها كله بيكون طالع بره جسمها بينقّى فى المكنة، وحالتها النفسية طبعاً بتكون سيئة جداً كما أن كلماتها تعذبنى وتجلدنى فى بعض الأحيان، خاصة عندما تقول لى: انتى مش حاسة باللى فيا. بيعدى عليها أوقات ما بتحبش تيجى المستشفى عشان تغسل، بتصعب عليا لكن مش فى إيدى حاجة أعملها، من ساعة ما تقى تعبت وأنا ما بعرفش أنام، حياتنا اتغيرت تماماً، أوشكنا على الانفصال أنا وزوجى بسبب مرض البنت، ونسبة السكر والضغط زادت عند والدتى بصورة غير معقولة». تتساقط الدموع من عينى «منى» وهى تقول: «اللى فى سنها المفروض بيجروا ويلعبوا دلوقتى، أنا كل يوم بفسحها عشان أنسيها إنها تعبانة، مستشفى أبوالريش فيها كفاءات جيدة جداً لكن إعلامياً مش واخدة حقها عشان الإمكانيات ممكن تكون ضعيفة شوية مقارنة بالمستشفيات الأخرى».