■ نجحت شركات الدعاية والإعلان باقتدار فى نقل مظاهر التسول «المحترفة» من شوارع القاهرة إلى شاشة التليفزيون، وتبارت كل شركة فى إظهار قدراتها على جذب دموع المصريين واستدرار عطفهم، ولم يخلُ إعلان واحد لجمع التبرعات بسبب أو من غير سبب من صور لطفل مسكين على وجهه كل هموم الحياة وكأن الله اختصه بمآسى الكون، مع كلمات تثير الحزن واللوعة عن هذا الطفل المنهار وهذه الأم الثكلى رغم أن الإعلان لا صلة له بالطفل أو الطفولة، إلا أنك تشعر كما لو كنت فى الطريق العام تشاهد متسولة تحمل طفلاً لتستدر به عطف الناس وهى تدعو أهل الخير أن يغيثوها.. بالمناسبة هل نفذت الشركات هذه الإعلانات مجانا؟ ارحمونا الله يكرمكم. ■ «لما تقابل ربنا حتقول له إيه لما يسألك عملت كام من تمانية؟».. ده سؤال فى إعلان عن عمل الخير تقدمه جمعية أهلية، وهو نموذج لما وصل له الحال فى بعض شركات الإعلانات، المنافسة على جذب تبرعات المصريين للجمعيات بلغت حد إقامة مزاد بين المصريين على الحسنات والثواب، وتجاوزت إلى إقحام لفظ «الجلالة» فى الإعلانات، باقى الإعلان يقول «هات زكاتك عندنا علشان لما تقابل ربنا ويسألك تقول له أنا عملت 8 من 8».. التجارة بالدين تعود مرة أخرى. ■ الشىء بالشىء يذكر، أكثر ما أثار الضحك الهستيرى هو ذلك الإعلان عن مكافحة الجوع والطفل الذى يربط بطنه بالحجر ليحاصر جوعه، وفى أقل من فيمتو لحظة تنتقل الشاشة إلى إعلان تالٍ عن أدوات مطبخ تضم بين جنباتها «ديوك رومى» محمرة ومشمرة، وأصناف من الطعام تهفو لها النفس فور رؤيتها.. صحيح مفيش أى إحساس أو إنسانية -ده لو كان إنسانية أصلاً- فى الاختيار والترتيب. ■ و فى المقابل تحية خالصة لشركات إعلان تستنهض تاريخ الأمة وروحها وثقافتها فى إعلانات تثير الفخر والسعادة وهى توظف ثقافة شعب فى الترويج والدعاية، لولا الخوف من اعتبار كلماتى دعاية وترويجاً لهذه الشركات لكتبت اسمها فى العنوان تحية وتقديراً لها.. يبدو أنه سيكون لدينا إعلانات بنّاءة وأخرى هدّامة. ■ قبل الحديث عن انهيار الذوق العام والأخلاق ولغتنا الجميلة فإن متابعة الدراما الرمضانية واللغة المستخدمة والإشارات والإيماءات والإيحاءات ومقارنتها بدراما الثمانينات يخرج من داخلك كل مخزون الحزن والغضب على ما نعيشه هذه الأيام، وبعيداً عن أحاديث الأخلاق والفضيلة فما شاهدناه على الشاشة لا صلة له بالدراما قدر ما عكَس واقعاً مراً يعتقد فيه بعض الكتاب أن الحياة كأس وسيجارة وامرأة مثيرة وزعيم عصابة وضحكات هستيرية، وألفاظ وقحة.. المدهش أن غالبية المسلسلات تتناول واقع الأثرياء جداً والفقراء خالص، ولا التفات للطبقى الوسطى إلا بأدوار هامشية هنا وهناك فى إطار توظيف درامى هامشى، ملف عاوز مناقشة حقيقية.. كل سنة وأنتم طيبون.