هذه مقالة مكونة من ثلاث مقالات منفصلة، ولكن ماذا نفعل والخطوب تتكالب علينا والأحداث تتسارع؟! المقالة الأولى منها كلها أسى وأسف وحسرة على ما يحدث فى غزة، غزة تتعرض لحرب إبادة من إسرائيل، ولا تتعجب لو قلت لك: «ومن حماس أيضاً»، تحت رعاية قطرية تركية، كل ذلك من أجل فض اتفاق الحكومة الفلسطينية الحيادية التى من المفترض أن تقود لانتخابات برلمانية ورئاسية، فلا إسرائيل ترغب فى ذلك، ولا حماس تحب هذا، وإن كانت وافقت عليه مرغمة، ولعبة جر شكل إسرائيل حركة مكشوفة، ورغم ذلك فإن مصر تناست جرائم حماس معها وبادر الرئيس المصرى بتقديم مبادرة ولا أروع، ولكن غربان حماس رفضوها رغم موافقة إسرائيل عليها وموافقة الاتحاد الأوروبى وكل المنظمات العالمية، وتحركت أسراب الغربان لتشويه المبادرة المصرية، والأغبياء من كل جنس ولون يخضعون لدعايات الغربان ولا يعرفون أن حماس كان يجب أن ترفض المبادرة المصرية «ليس حباً فى زيد ولكن كراهية فى عمرو»، إذ إنها لو قبلتها ستكون قد أعطت لمصر رعاية اتفاق التهدئة وساعتها ستحج كل الدول لمصر للمشاركة فى رعاية الاتفاق، وهذه دونها الموت، أمصر تقوم بدورها الذى تقبله دول العالم فينسى العالم الإخوان وترهاتهم؟ الإخوان وحماس عندهم أولى من الشعب الفلسطينى، فلترق هناك الدماء ولتكن كربلاء، فما أعظم أن تكون ضحية، ولكن ما أبشع أن تكون غبياً، ولتقم من أجل هذا «تركيا - قطر» بتقديم مبادرة بديلة للمبادرة المصرية، ستتضمن نفس شروطها، بل قد تكون أقل كثيراً منها، ولكن ستتحرك الآلة الدعائية لحركة الإخوان العالمية فى وصلات غزل فاحش لهذه المبادرة، وسيفرح بها الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره، المهم أن تبتعد مصر، وليكن، فلتبتعد مصر فقد سئمنا الغباء، وليفرح الفلسطينيون بحماس، فأهل غزة كما قال صديقى محمود الكردوسى أدرى بحماسها. المقالة الثانية عن الشأن المصرى، ويا لهول الشأن المصرى، نقع دائماً فى نفس الأخطاء ولا نتعلم من تجاربنا السابقة، ننظر تحت أقدامنا، نبحث عن مصالحنا الخاصة لا مصلحة مصر، ومع ذلك فنحن نجيد الإنشاد لمصر «وكلٌ يدعى وصلاً بمصر ولكن مصر لا تقر لهم بذاك» وبأيدينا سنُدخل مصر إلى نفق آخر ثم سنجلس على الأطلال نبكيها، وكيف لا نفعل ونحن نقودها ناحية التشرذم والتشظى والانشطار، ومن غير مبالغة فإن قدراتى الحسابية قد أعيتنى فلم أستطع حصر عدد التحالفات الانتخابية التى تتم الآن بمعدل تحالف كل ساعة، كلهم يبحث عن المغانم، وسيكون فى مواجهتهم حزب النور الإسلامى الذى سيستطيع أن يحصد كل أصوات الطوائف الإسلامية والمتعاطفين معهم، ساعتها سيكون حزب النور هو صاحب الأكثرية، وصاحب الكيان الأكبر فى البرلمان، وليفرح المتحالفون بتحالفاتهم. المقالة الثالثة عن ظاهرة فى منتهى الغرابة، هى ظاهرة «التكفير الجوال» وقد اكتسب التكفير الذى أعنيه صفة التجوال لأنه يتجول ويرحل من مكان لمكان ومن زمان لزمان ولكنه دائماً يصيب صاحبه، كيف هذا؟! خذ عندك، شيخنا الجليل الراحل محمد متولى الشعراوى كان قد دخل فى صراع عقائدى مع الراحلين الكبار توفيق الحكيم وزكى نجيب محمود ويوسف إدريس على خلفية عدة مقالات كان الحكيم قد كتبها فى جريدة الأهرام، مقالات الحكيم كانت من وحى خياله حيث تحركت حاسة الأديب عنده وجعلته يتخيل حواراً دار بينه وبين الله رب العالمين، ولم يكن هذا الأمر معتاداً فى الأدب العربى وإن كان معروفاً فى الآداب الغربية، وكان الحكيم فى حواره له نظرات فلسفية عميقة ولكن الدنيا قامت ولم تقعد، وبدأ عدد من الشيوخ فى تكفير الحكيم، وفوراً دخل الراحل الجليل الشيخ الشعراوى فى خط التكفير واتهم الحكيم ومعه زكى نجيب ويوسف إدريس بالكفر وأنه مستعد للدخول فى مناظرة معهم لكشف كفرهم، وأوقفت الأهرام مقالات الحكيم، ولكن التكفير الجوال تحرك من مكانه ليصيب الشيخ الشعراوى، إذ قال الشعراوى فى البرلمان المصرى ذات مرة إن الأمر لو كان بيده لقال إن السادات لا يُسأل عما يفعل، وهذه مقاربة مع الآية الكريمة عن الله سبحانه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) فما كان من بعض المشايخ إلا أن كفروا الشعراوى بسبب هذا القول. لم يكن الشعراوى وحده، ولكن الشيخ الراحل عبدالصبور شاهين اتهم الكاتب الكبير الراحل نصر حامد أبوزيد بالكفر على خلفية أبحاث كتبها أبوزيد دار معظمها حول أنسنة النص المقدس من حيث الفهم، فالنص الإلهى مقدس لا شك فى ذلك ولكن هذا النص يتحول إلى نص إنسانى من حيث فهم الناس له، وكلنا يعرف الذى حدث لنصر أبوزيد، وتدور الأيام ويكتب عبدالصبور شاهين كتاباً اسمه «أبى آدم» يقول فيه إن آدم ليس هو أول البشر وإنه مولود من أم وأب، فقامت الدنيا على الشيخ واتهمه أهل السلف والخلف بالكفر! ومع الكاتب الراحل جلال كشك كانت رحلة تكفير أخرى، حيث قام هو الآخر بتكفير نصر حامد أبوزيد، فإذا بكشك يكتب كتاباً عنوانه (خواطر مسلم فى المسألة الجنسية) يقول فيه إنه يباح لأهل الجنة إتيان «الولدان المخلدون» من أدبارهم، أى أن الشذوذ مباح لهم فى الجنة، وأن «الولدان المخلدون» قد خلقهم الله لهذه المهمة، فقامت جمهرة كبيرة من الشيوخ والعلماء بتكفير جلال كشك! أما الأغرب فهو سيد قطب ذات نفسه، فقطب قام بتكفير العالم كله، بمسلميه وغير مسلميه، ثم دارت الأيام وقرأ العلماء تفسير سيد قطب عن مسخ الله بعض اليهود إلى قردة وخنازير، فإذا بقطب يقول فى تفسيره إن مسألة المسخ هذه مجرد أساطير لا أصل لها! ثم يتطرق إلى إماتة الله لليهود لما طلبوا رؤية الله جهرة ثم أحياهم الله بعد ذلك، فيقول فى تأويله إن مسألة الإماتة والإحياء هى أساطير، فقام علماء المملكة السعودية بتكفير قطب الذى كفّر الدنيا! وكما تدين تدان.