على الرغم من تحذير المراقبين وأساتذة الإعلام وعلى الرغم من لقاء الرئيس السيسى مجموعة من إعلاميى القنوات الخاصة، سواء قبل توليه الرئاسة أو بعدها، لتوضيح ومناقشة ما قد يتناسب من خطاب إعلامى مع الأوضاع الحالية بالوطن، فإن الرسالة على ما يبدو إما أنها لم تصل للكثيرين بوضوح؛ لأنها لم تدخل فى نطاق اهتماماتهم ومصالحهم، أو أنها وصلت ولكن المتحكمين بالمنظومة «الإعلامية» و«الإعلانية» فى حاجة إلى التنسيق لتطبيق سياسة ينضبط بمقتضاها الخطاب الإعلامى والسياسة «الإعلانية المستفزة» عن الأطعمة والسلع الترفيهية والمنتجعات السياحية ووحدات الكومباوند السكنية التى لا ترحم مشاعر الفقراء وإنما تستفزهم بشكل صارخ، خاصة أنها تذاع تزامناً مع بعض الإعلانات الأخرى الداعية للتبرع من أجل القضاء على «الجوع» أو «العشوائيات»، مما يعكس تناقضاً صارخاً بالمجتمع المصرى فى ظل المغالاة فى تصويره كما لو كان مجتمعاً «برجوازياً» وليس كمجتمع يعتبر 40٪ من سكانه الطيبين تحت خط الفقر، أى لا يجدون قوت يومهم، وقد لا يجدون سكناً فيفترشون الأرصفة أو يتخذون من المقابر سكناً لهم! إن شبكة المصالح والبزنس بمصر وبالمجال الإعلامى، على وجه الخصوص، لن تلقى بالاً بالمصلحة الوطنية أو السلم الاجتماعى تحت أى ظرف من الظروف وهى تعى ما تفعل جيداً، ولكنها بالطبع تطبق ما تجده مناسباً لزيادة الأرباح والمكسب، حتى إن كان الدور الذى تقوم به قد يضر باستقرار الوطن أو يهدد السلم الاجتماعى أو الأمن القومى إذا اعتبرنا أن الجوع والعشوائيات تستهدف الأمن القومى المصرى؛ لذلك فإن التعويل الآن فى ضبط هذا المشهد أصبح على عاتق التشريعات التى من الممكن أن تصدر بمجلس الشعب المقبل أو سن ميثاق ينظم الأداء الإعلامى ويضبط الأداء الإعلانى أيضاً، الذى يصور تناقضاً صارخاً للمجتمع المصرى حتى أمام العالم الخارجى الذى قد يترجم هذا المشهد المتناقض بأنه مشهد فاسد فى أعقاب ثورتين. ومع ذكر المشهد والأداء الإعلامى برمضان، نجد المسلسلات العربية تتصدر المشهد بجوار الإعلانات لتعبر هى الأخرى عن مجتمع آخر لا نعرفه! مما يطرح تساؤلاً كبيراً حول ما إذا كان المجتمع المصرى هو نفسه ما نتابع أحداثه بهذه المسلسلات أم أنها لا تمت له أو للواقع بصلة؛ فهى تعكس كيف أن الدراما هذا العام قد ضلت طريقها وفشلت فى توثيق فترات مهمة من تاريخ الوطن من خلال مسلسلات أو أفلام كانت ستبقى للأجيال المقبلة لتطلعها على تاريخها فى فترة مهمة أو لتصحح بعض مفاهيمها؛ حيث اتجهت لإفساد المجتمع أكثر فأكثر بمفاهيم مغلوطة وأفكار هدامة ومشاهد عبثية وغير لائقة بالشهر الفضيل أو حتى باقى أشهر السنة، فى ظل مناخ أصبح الإسفاف به هو سيد الموقف أو عنوان المشهد وينتظر فيه أحياناً بعض الكبار والصغار، على حد سواء، وبكل أسف، برامج تقوم فكرتها على فكرة الكاميرا الخفية ولكن تتخللها كثير من الألفاظ والمواقف الفجة والمبالغ فيها إلى حد كبير، وبالتالى نجد أن الإعلام والإعلانات الاستفزازية بشهر رمضان الفضيل لا يستهدفان فقط قدسية الشهر وإنما يستهدفان أيضاً أمن وقيم المجتمع المصرى والسلام بين الناس لعدم مراعاة أمور كثيرة غاية فى الدقة والحساسية لنجد أنفسنا أمام وجبة تعتبر أشد خطورة من برامج التوك شو المحرضة أو العبثية التى نتابعها طوال العام! عذراً أيها الإعلام.. ترفق بالوطن وبالمجتمع المصرى ولا تعزف على آلامه فقط من أجل المكسب، فأنت أيضاً صاحب المصلحة فى استقراره، فكل ما نتابعه هذه الأيام يثبت أن الجميع قد أخفق ولم ينجح أحد.