ما أن يطل بوجهه الذي تكسوه المعالم المصرية الأصيلة على الشاشة الصغيرة، حتى يبعث في النفوس بهجة لم تتغير باختلاف اللون الفني الذي يقدمه، لم ينته دوره عند رسم البسمة على الشفاه، بل ظهر في بعض الأوقات حكيما فيلسوفا ينتظر الجميع طلته عبر "كلمتين وبس" على أثير الإذاعة المصرية، والتي قدم بها رسائل حياتية عجزت كتب وأحاديث طويلة عن إيصالها. الراحل فؤاد المهندس، نموذج الفنان الذي صعد السلم من أولى درجاته حتى وصل إلى منتهاه، بدأ حياته الفنية ممثلا بفرقة "ساعة لقلبك" الإذاعية، ثم مشاركا في بعض الأفلام السينيمائية، التي فاق تأثيره في بعضها نجومية العديد من أبطال الشاشة الفضية، ثم دخل مرحلة البطولة من خلال شخصيات "مستر إكس"، "وشنبو في المصيدة" و"وفرافيرو"، إلى أن أصبح نجم الشباك الأول من خلال مسرحياته التي أصبحت مدرسة كوميدية متكاملة، سار على دربها العشرات من نجوم أجيال جاءت بعده. يقولون أن عشق المهندس لحبيبته وزوجته شويكار، كان السبب في أن يقدم معها أروع أعماله المسرحية، المتمثلة في "انا فين وأنتِ فين، أنا وهو وهي، سيدتى الجميلة، حالة حب، إنها حقاً عائلة محترمة، إلى جانب عدد كبير من الأفلام السينمائية والمسلسلات الإذاعية"، إلا أن أصحاب هذا القول لم يضعوا في الاعتبار أنه قدم بدونها نخبة لا تقل قوة عن سابقاتها، أبرزها "عشان خاطر عيونك، هالة حبيبتي"، اللتان أصبحتا علامات في تاريخ الكوميديا المسرحية. "الراجل ده هايجنني هايجنني.. يا إخواتي صايم وراجل شقيان ومراتي عايزة تجوعني حتى في رمضان"، معلم لا يمكن أن يستقبل المصريون أول أيام رمضان إلا بحضوره، والاستماع أغنية إلى صوت "فؤاد والشحرورة" يشتكي كل منهما الآخر، ولكن الجديد أن الأغنية نفسها خرجت إلى النور، ولكن مع رفيقة عمره "شويكار" بنفس الاسم. "فوازير عمو فؤاد"، كانت البصمة التي تعلقت به من خلالها الملايين من قلوب الأطفال الذين أصبحوا ،اليوم، شبابا وفتيات، يستحضرون أجمل أيام طفولتهم، عند مشاهدة الفوازير، التي حظيت بقدر كبير من نسبة مشاهدة كافة الفئات العمرية وقت إذاعتها في شهر رمضان، ما جعلها تستمر منذ نهاية عقد الثمانينيات وحتى وقت قريب. "عمو فؤاد عمو فؤاد ويا الأجداد، راح يقابلهم واحد واحد، ويدردش مع 30 واحد، يحكي حكاية مصر الغالية ويفكرنا بالأمجاد"، لم تكن تلك الفوازير مجرد أداة للتسلية فقط، بل أعطى من خلالها الراحل فؤاد المهندس دروسا للأطفال عن تاريخ بلادهم وحضارة أجدادهم من خلال فزورة "عمو فؤاد ويا الأجداد"، التي شملت 30 حلقة، قابل في كل واحدة منهم شخصية تاريخة تحدث معها وأبرز دورها، وشملت التاريخ المصري منذ عهد الفراعنة وانتهاءً بمصر الإسلامية. لم تكن خفة دم المهندس وحضوره على الشاشة هي السبب الوحيد لنجاح فوازير "عمو فؤاد"، بل كان من خلفه فريق عمل دؤوب يتصدرهم المؤلفان شامخ وفداء الشندويلي، والمخرج محمد رجائي، والنجوم علا رامي، وعلاء زينهم وهشام عبد الله، الذين تصدروا السباق الرمضاني لمدة 10 سنوات. "عمو فؤاد والقناة الفضائية"، كانت آخر ما قدمه الفنان فؤاد المهندس لجيل الأطفال في منتصف التسعينات، لتلحق بسلسلة طويلة من حلقات "عمو فؤاد إدانا معاد، عمو فؤاد بيلف بلاد، عمو فؤاد رايح الاستاد، عمو فؤاد والعصابة المفترية، عمو فؤاد والسياحة، عمو فؤاد رايح يصطاد"، والتي ظلت أغانيها تتردد على لسان الأجيال المتعاقبة حتى بعد انقضاء أكثر من 20 عاما على إذاعتها".