كلام فى السياسة حسب ما فى الموسوعات المعرفية ليس فقط هو الكلام فى مجال الانتخابات أوالمجالس النيابية أو فى مقار الأحزاب أو فى ما جرى من انتخابات رئاسية، ولكنه أيضا الكلام والفكر والمفاهيم فى مجال خدمة المجتمع واستقراءً لما سوف يجرى من أعمال وتنفيذ مخططات لمستقبل المجتمع فى مصر. وعلى هذا أتعشم فى المستقبل القريب أن تتحقق فيه ثلاث أمنيات. أولاهم أن تعمل الدولة ومؤسساتها التنفيذية على تحقيق ما تم كتابته فى الدستور الحالى فى المادة (رقم 78) عن التزامها بتحقيق الارتقاء ب "جودة الحياة" فى الحضر، وفى الريف وفيما سميناها ب "العشوائيات". ثانيتهم أن نسلك نحن شعباً وحكومة فى الحضر ما أسمته الأمم المتحدة العام قبل الماضى " المدن المستدامة". وثالثتهم أن تهتم المؤسسات التعليمية أولاً والبحثية بفكر ومفهوم "الإيكولوجيا الحضرية" والتجهيز لتطبيقه علميا وعمليا. أما لماذا الأمنيات الثلاث تلك، فلأنًه وبما يخص الأولى فقد تخلفنا كثيرا عن الركب العالمى فى الحقبة الحالية سنة وراء سنة منذ عام 2009 وحتى الآن بحيث كان الترتيب ضمن 194 دولة هو 132فى 2009، و 136 فى 2010، 137 فى 2011. ووصلنا الآن فى عام 2014 فى ذلك الترتيب العالمى للدول الى رقم 65من 68 دولة تم تقييمها فقط. واعتقد أن ذلك نعتبره سبباً كافياً كى نعتبر تلك الأمنية ذات خصوصية وقد تكون فى المقام الأساسى خصوصا أنها تشمل أحد عشر توجهاً منها الاجتماعى والتعليمى والاقتصادى والاسكانى والبيئى والأمنى. كما أن جودة الحياة تعتمد مباشرة على قيمة السعادة كمتطلب جوهرى فى الحياة عموما، وكيف بدونها نحيا؟ أما عن تعريف جودة الحياة فهى ببساطة وفى كلمات قليلة " إدراك الفرد لوضعِهِ فى الحياة من الجانب الثقافى و الجانب القِيَمى. أماعن ثانية الأمانى فهى عما أصدرته الأمم المتحدة فى تقريرها باللغة العربية من الأردن عن "المدن المستدامة"، وهو الموضوع الذى أزعم أن لاأحد يوليه الاهتمام اللازم فى مجالاتنا الثقافية ولافى المجالات العملية. وأنا أعلم للأمانة العلمية أن السيد وزير الإسكان السابق د.طارق وفيق كان قد بدأ وله الحق فى التمهيد لذلك الفكر، ولكن انتهى الفكر للأسف حيث بدأ. والسبب فى الاهتمام بذلك الفكر أن نُظُم التخطيط الحضرى الحالى لم تعد مناسبة لما يتم من تغيرات فى المُناخ العالمى والإقليمى، والتغيرات الديموغرافية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والديموقراطية النامية فى أرجاء الوطن. علينا أن نعتنى بجدية فى التخطيط العمرانى المناسب لماهو موجود من ضخامة الفقر المنتشر فى أرجاء المعمور المصرى ، ولذلك التهميش الاجتماعى لمناطق ما تسمى "العشوائيات" التى طغت فى نسبة تواجدها على الحضر الرسمى على أرض الواقع الحضرى. إن ذلك الجزء من عمراننا يحوى أقتصادا غير رسمى يوازى فى حجمة حجم الاقتصاد الرسمى. فكيف لانعتمد عليه فى حياتنا العمرانية ؟ ومن الدوافع الفكرية لذلك المفهوم ما تسوق له الأمم المتحدة ، وليس مؤكدا أنه توجهاً ايجابياً حتى الآن، ما أسمته " المدن المدمجة" أو " الاحياء المدمجة" حيث تقترب أماكن الأنشطة الإنسانية من عملٍ وسكنٍ وتسوُّق من بعضها حتى تتلاشى مشكلة التكدس المرورى فى الشوارع التى تربط بينها، وحتى تزداد الألفة بين الجمهور، ويزيد استخدام الدراجات وتزداد كثافة المشاة. ولهذا كله معايير محسوبة ومعروفة فى البنية التحتية وفى المبانى وتجمعاتها تخدم تلك التوجهات العمرانية المفقودة بالكامل حاليا فى كل مدن مصر وحتى الحديثة منها. ونقطة أخيرة يجب أن نعرفها، هى أن فى مصر كلية تخطيط عمرانى واحدة موجودة فى جامعة القاهرة ولايوجد غيرها فى أى من جامعات مصر الكثيرة. ( فى نيجيريا فقط للتنويه يوجد ثلاث عشر كليه للتخطيط العمرانى). لكن امتد النشاط الأكاديمى فى جامعات كثيرة عندنا فى السنوات الأخيرة نحو إنشاء كليات للصيدلة وأخرى للأسنان وغيرهما، ولكن لم يحظ التخطيط العمرانى بأى دور لكى ينشأ له كلية جديدة أخرى غير ما هو موجود فى جامعة القاهرة. لماذا؟ أما ثالثة الأمانى فهى عن "الإيكلوجيا الحضرية". هذا يُعنَى بالعلاقة الحياتية بين البَشَر وبعضهم مع محيطهم الحضرى. انها تعنى بالحياة العصرية وخاصة بالأطفال رجال المستقبل ، كما تعنى بالأحياء الشعبية، والمبانى اياً كانت وظيفتها وما تقدمه من ظروف صحية للقاطنين فيها وخاصة مواد البناء وتأثيرها البيئى على الموجودين داخلها وحولها. والسبب فيماذا اهتمامنا بها هو أنه فى غضون أربعين سنة قادمة سيُشَكّل ثلثى السكان فى مصر عبئا على العمران حيث يحتمل أن يصل عددهم الى حوالى مئة وأربعين مليونا، وهو عدد يجب أن نفكر فيه خصوصا فى تجاربنا الماضية فى مجال تحديد النسل، وفى مجال الانتشار السريع للعشوائيات التى تبلغ حاليا 1221 منطقة منتشرة على أرض المعمور المصرى. ومرة ثانية متى وأين نقوم بتلك الدراسات وعندنا المعاهد والكليات الجامعية ومراكز الأبحاث القليلة التى تعنى بذلك الفكر. أتعشم فى الإرادة السياسية الجديدة أن تأخذ بعين الاعتبار تلك الأمنيات، وتبدأ بنوايا جادة وأساليب ذكية فى التخطيط والتنفيذ لمعالجة تلك الأمور. لست متشائما ، ولم أكن يوما، ولكنى أَطَلْتَ كما يقال المثل رقبتى قليلا ورفعت رأسى عاليا كى أرى المستقبل الذى قرأتَهُ الآن.