قرأت ذات مرة أن الابتعاد عن الناس الذين يتمتعون بقدر من السلبية و بث روح اليأس، يولد نوعًا من الأمل، وبالفعل بدأت بتنفيذ خطتي: كتبت في ورقة صغيرة جدًا كل الأسماء الذين ينغصون علي حياتي و يسربون لي اليأس والإحباط، كان أولهم "حماتي"، فهي حينما تراني لا يكف لسانها عن اتهامي بالتقصير بالبيت وبشؤون العيال وزوجي، ابنها الوحيد، والاسم الثاني، على غرار فيلم الانتقام للفنان أنور وجدي، هو مديري بالعمل والذي لا يراني سوى موظفة مهملة متباطئة كسولة. ثم يأتي كل مدرس يحاول النيل من تربيتي لعيالي بحجة أنهم لا يفهمون ما يقوله بالحصة، وهناك حارس العمارة الذي أسكنها والذي يتجاهل نداءاتي المتكررة.. وغيرهم كثير. أحضرت الورقة و أحرقتها و قلت لنفسي: لن أسمح لأحد بتسريب طاقته السلبية علي، وبدأت بنفسي، لم أعد أشكو من حالي ولا ظروفي وكلما جلست في مكان، وبخاصة العمل ووجدت من تشكو حالها على الفور انسحب من حلقة النقاش واكتفي بعملي أو قراءة كتاب... كان اكتشافي القراءة هو المنقذ الوحيد من تلك الدوامات السوداء، عندما فتحت لي عالم جديد من الدهشة والمعرفة، وجعلت التفكر والتأمل متعة.. وعزلتني عن الطاقات السلبية التي تسببها المشاكل.. حاولت نصح زميلتي بالعمل أن تنتهز الفرصة وتقرأ ولو جريدة الصباح لكنها ترد: "إللي نبات فيه نصبح عليه". لم تعجبنى حالة اليأس التي تسيطرعليها، وشجعتها بقوة على القراءة لكنها رفضت قائلة: إنها لا تحب القراءة حتى لا يضعف نظرها، لم ألتفت إليها وقررت شراء كتب ومجلات لأطفالي، بدأت معهم متأخرًا، لا يهم أن تصل متأخرًا لهدفك طالما وصلت إليه، بالفعل أصبحت القراءة هوايتهم المفضلة.. كنت أراقب شغفهم بالقراءة وهو يتطور يومًا بعد يوم. فالطاقة الإيجابية التي اكتسبتها منهم جعلتني أتسامح مع تشدد حماتي و قسوتها بعض الأحيان، ألتمس العذر لزوجي مرات كثيرة، أهرع لكتاب أنتقيه بنفسي، ساعة واحدة تكفي للقراءة، وبخاصة عندما أركب المترو في طريقي للعمل.. ساعة صباحية للقراءة تجعلني امتص تعسف مديري الذي يود لو فصلني من العمل أو نقلني لقسم آخر لأنني لا أتملقه و أنافقه مثل معظم زملائي للحصول على ترقية مبكرة أو علاوة.