المسافة بعيدة بين المخترع وبين الإرهابى، وبين العدل وبين الظلم، فى تلك المسافة يقف ضابط شرطة وقاضٍ!! منذ أسابيع ألقت أجهزة الشرطة القبض على عبدالله عاصم، شاب صغير من محافظة أسيوط، قبل سفره إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتمثيل مصر فى مسابقة «إنتل» العالمية، لاختراعه نظارة للمعاقين تعمل بالكمبيوتر، بدعوى أنه ممنوع من السفر بقرار من النائب العام لاتهامه بحرق سيارتى شرطة فى محافظته!! «عبدالله» عُرض على النيابة وأمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة القضية، وجدد له القاضى حتى أخلى سبيله إلى حين اتخاذ قرار بتحديد جلسة لمحاكمته أو تبرئته وحفظ التحقيق! منذ الإعلان عن القبض على «عبدالله» والكتابات والاستغاثات لا تتوقف لوزير الداخلية والنائب العام، لإنقاذ «عبدالله»، المخترع الصغير، وإنقاذ سمعة مصر، التى شاع عنها فى الفترة الأخيرة أنها تبالغ فى عمليات القبض العشوائى والحبس الجماعى.. وكانت الردود الجاهزة: لا تدخل فى أعمال القضاء، وبماذا تطالبون لإرهابى حرق سيارتى شرطة؟! ألا ترون ما يحدث من إرهاب الإخوان، وشهداءنا الذين يسقطون كل يوم؟! على مستواى الشخصى، أتفهم أن الشرطة تعمل تحت ضغط رهيب، وأن كل ضابط وجندى يعمل فى ظروف مرعبة، ويحمل روحه على كفه، كما أؤمن بأن العنف فى الشرطة ليس ممنهجاً، بحكم أن والدى قضى حياته مدرساً فى أكاديمية الشرطة، لكنى فى الوقت نفسه أرفض الظلم، وأرى أن العدالة البطيئة والظلم سواء، وأن الخطأ فى عمليات القبض يجب أن يتم تداركه بأقصى سرعة، حتى نحافظ على سمعة الشرطة والقضاء المصريين، ولا نفقد ثقة الشباب البرىء الذى يُقبض عليه خطأً!! مساء الأحد أثارت الإعلامية لميس الحديدى فى برنامجها «هنا العاصمة» قضية المخترع الصغير، فأجرى مساعد وزير الداخلية، مستجيباً لاستغاثة الإعلامية الشهيرة - التى أدت عملها على خير وجه- وأخبرها أن وزير الداخلية قرر السماح ل«عبدالله» بالسفر!! وهنا ثارت دهشتى؛ «عبدالله» مخترع وبرىء أم إرهابى؟!.. وهل رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر مسئولية وزير الداخلية أم النائب العام؟! لماذا لم يتدخل وزير الداخلية طوال هذا الوقت، وماذا عن الأبرياء الذين لا يصلون إلى الإعلام؟! إن ما حدث فيه وجه إيجابى للاستجابة، وفيه مخاوف من تداخل السلطات، ووجود مظلومين فى السجون يحتاجون إلى من يستمع إلى استغاثاتهم!! لا تجعلوا الظلم يحول أبرياء إلى إرهابيين، ولا تجعلوا بطء العدالة خنجراً فى قلب القضاء، وبعد القبض على متهم وتوجيه اتهامات مفزعة له، فهمونا لماذا يكون الإفراج السهل من الجهة نفسها التى قبضت عليه ووجهت له الاتهامات التى تستوجب أقصى العقوبات؟!