اعتدنا منذ ثورة 25 يناير وبعد ثورة 30 يونيو أن نخاطب الشعب المصرى بكل آيات التبجيل والتقدير عن حق لما قام به من انتفاضة غير مسبوقة وغير متوقعة ضد استبداد وديكتاتورية حكم «مبارك»، وانتفاضته الكبرى التى أجهز بها على حكم الإخوان الإرهابيين ودعوته الصريحة لقواته المسلحة أن تسانده فى التخلص من «مرسى» وأهله وعشيرته، فكان يوم 3 يوليو 2013 يوماً مشهوداً فى التاريخ المصرى الحديث؛ حيث تم عزل «مرسى» وإعلان خارطة المستقبل التى أتم الشعب استحقاقها الأول بموافقته على دستور 2014، كما اقترب من إنجاز الاستحقاق الثانى بانتخاب رئيس للجمهورية بعد أقل من شهر. وتلك إنجازات يستحق المصريون عنها كل الشكر والتقدير. ولكن وفى ذات الوقت فإن للمصريين سلبيات كبرى تكاد تعصف بإنجازاتهم وتفرغها من مضامينها وتحولها إلى مشكلات وأكاد أقول «كوارث»! وأول مثال على تلك السلبيات: أن المصريين تركوا ميدان التحرير بعد الثمانية عشرة يوماً المجيدة التى وُجدوا خلالها فى الميدان مطالبين بإسقاط نظام «مبارك»، فلما تخلى عن الحكم وعهد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمسئولية «إدارة شئون البلاد»، ظن المصريون أن مهمتهم الثورية قد انتهت وانصرفوا من ميادين الثورة وتركوها للفصيل المخادع الذى ركب موجة الثورة وأوهم الجميع بمن فيهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والأحزاب والقوى السياسية وكثير من القوى الأجنبية بأنهم أساس الثورة وحماتها، وأنهم قادرون على حكم البلاد وتحقيق مطالب الشعب فى العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولقد نجح الإخوان الذين وصفهم مرشدهم الأول بأنهم «ليسوا إخواناً ولبسوا مسلمين»، وحلفاؤهم من عناصر التيار السياسى المتأسلم، فى تضليل الأغلبية من المصريين وإقناعهم بالموافقة على التعديلات الدستورية التى صاغتها لجنة «البشرى» لصالح الجماعة بأن التصويت ب«نعم» يعنى الانتصار للإسلام، وأن من يصوِّت ب«لا» هم العلمانيون الكفرة أعداء الإسلام! واستمرت جماعة الإرهاب السياسى باستخدام الدين فى خداع المصريين الذين تأثروا بأقوال المرشد وجماعته وتابعيه من السلفيين الذين استغلوا سيطرتهم على الشارع المصرى بمختلف أنواع الإغراءات المادية والمعنوية، واستمرت سلبية الشعب المصرى الطيب بانصياعه إلى دعاوى الإخوان ومن تبعهم من أحزاب ليبرالية وحتى اليسارية الذين اعتقدوا أن تحالفهم مع الإخوان يضمن لهم الدخول الآمن بلا مجهود إلى مجلس الشعب فى الانتخابات التى كان مقرراً لها أن تتم فى نهاية شهر سبتمبر 2011 وفق ما حدده الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 30 مارس 2011. كذلك استطاع ذلك الفصيل الإرهابى، بفضل انصياع أغلبية المصريين لدعاياتهم وتضليلهم من إرهاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة فنكص عن إصدار إعلان دستورى يحدد معايير اختيار الأعضاء المائة لتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الأول بعد ثورة 25 يناير، فكان ذلك النكوص تسليماً لمجلس الشعب ذى الأغلبية من الإخوان والسلفيين بصياغة دستور يتفق مع أهواء الجماعة وأهدافها فى تحويل مصر إلى دولة دينية! وكانت نتيجة انصياع غالبية المصريين إلى دعاوى الإخوان ومنهم كثيرون من «النخب»، الذين ذهبوا إلى فندق «فيرمونت» قبل إعلان نتيجة انتخابات الإعادة وأعلنوا تأييدهم ل«مرسى»، أن حصل مرشح الإخوان «الاستبن» على منصب رئيس الجمهورية ليعبث بمقدرات الوطن وأمنه، ويواصل خطة الأخونة وتمكين عناصر الجماعة من السيطرة على مفاصل الدولة وتحويل مصر إلى دولة تابعة للتنظيم الدولى للإخوان وفتح حدود الوطن لعناصر «القاعدة» و«حماس» وجماعات التكفير والتخطيط لنزع سيناء من مصر وتوطين الحمساويين فيها. ورغم المخاطر التى يتعرض لها المصريون نتيجة الإرهاب الإخوانى ومئات الشهداء والمصابين فى حوادث التدمير والحرق والتفجيرات فى مختلف المواقع، فإن رد الفعل الشعبى لم يخرج عن مجرد الإدانة والرفض السلبى، ولم يصل إلى مستوى الحركة الشعبية الرافضة للوجود الإخوانى والداعمة للقوات المسلحة والشرطة بإيجابية تؤدى إلى تضييق الخناق على قوى الشر الإخوانية وتجعل استمرارهم مستحيلاً ضمن النسيج الشعبى الوطنى ما لم يعلنوا التوبة ويتقبلوا القصاص العادل لما اقترفوه من جرائم فى حق الوطن والمواطنين. وبعد مرور ما يقرب من عام على عزل «مرسى» وإنهاء حكم الجماعة الإرهابية، ما زال المصريون يحاربون معارك تقليدية بحثاً عن الحد الأدنى للأجر أو تحسينات فى رواتب فئات كالأطباء والصيادلة، وهم بذلك منشغلون عن المعركة الكبرى، معركة بناء الوطن وفرض مشاركتهم ورؤيتهم الشعبية على المسار الوطنى فى جميع المجالات! فالمصريون منشغلون عن مستوى الحياة غير الآدمى الذى تقبله الملايين منهم فى العشوائيات، وهم منشغلون عن أوضاع البطالة والفقر وتردى الخدمات الصحية والتعليمية التى يكافح الملايين فى الحصول عليها بشق الأنفس! ويكرر المصريون ذات السلوك السلبى المتواكل؛ إذ يعتقدون أن المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية قادر على حل مشكلاتهم كلها، لدرجة أن رئيس الوزراء صرَّح فى حوار لجريدة «الأهرام» بأن «الرئيس القادم قادر على حل مشكلات مصر.. بثقة الشعب»! إن التأييد الشعبى للمرشح الرئاسى الأوفر حظاً وقبولاً عند الناس لا يعنى أن يعطيه المصريون أصواتهم ويحملوه إلى قصر الاتحادية ثم ينصرفوا إلى حال سبيلهم كما فعلوا طوال سنوات عدَّة استمرت منذ يوليو 1952 حتى الآن. إن المصريين مطالبون بالمشاركة الفاعلة فى الحياة السياسية والدخول بقوة فى أول تجربة قادمة ليقولوا كلمتهم فى الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك موضوع حديثنا فى الأسبوع المقبل إن شاء الله. حمى الله مصر.