وجدت نفسها تبحث عنه بلا كلل، وكأنها تؤمن به عن ظهر قلب كما تؤمن بوجود الله بدون دليل.. راقبته من بعيد في عيون الناس وحكاوي الآخرين الذين تأذوا من شوكه، فعرفت أنه وردة ناعمة في الظاهر، تسحر عيون البشر و تميل قلوبهم نحوها بسحر رهيب، تملأهم أملًا واحتياج زائد إليها حتى ينتمون إليها كوطن يودون لو يحتضنون ترابه، أو يختبئون تحت سمائه الحانية من قسوة الغربة المستوحشة في قلوبهم، ليجدوا الحماية والأمان. سألت نفسها كثيرًا عن وجوده، تمنته أكثر، ولكن هابته طوال الوقت أكثر فأكثر، فكل من يقترب من هذه الوردة ينغمس في غيبوبته حتى يحتضنها فتطلق عليه لعنتها، تقتله قتلة غادرة، فإن لم تكن هذه القتلة بالفراق أو عدم وجود مقابل، فتكون القتلة الكبرى، وهي تحويل حلم الحب إلى حقيقة، حقيقة من الخيال، يعيشها متوهمًا من أرادها حق إرادة، فيسبح في بحر من اللا واقعية، متمنيًا كل ما عرفه وسمعه قبل أن يعرف عنها شئ، ليجد أمامه من يحب.. لا يحب! لن أتسائل عن ما هو، فقد عرفت عنه أكثر من اللازم منذ زمن.. عرفت عنه الغدر، فكلما أعطاك، كلما أخذ منك.. عرفت عنه الخديعة، فهو كساحر ماهر، يهيئ لك الأشياء كحقيقة، فربما تسكن طوال عمرك أحضان الشوك مبتسمًا، فقط لقضاء تلك اللويحظات التي يسكن بها الشوك في أحشائك فلا تعد تشعر بخروجه ودخوله الذي يؤلم كخروج الروح من الجسد، ولكن هنا الاختلاف بأنه يحدث في اليوم ألف مرة، ولكنك تسعد به عند سكون الشوك بتذكر تلك الآلام واهمًا بكونها سر متعة احتضان الشوك. عرفت عنه أنه غامض كموجات البحر الخلابة التي لا يمكنك اعتلائها إلا وابتلعتك، فالحب مصيدة فئران ولا يدخلها إلا الجائع، ولا ينجو منها إلا من أدرك خطرها قبل الغوص في أعماقه، فهو يبدو دافئ وملتهب، ولكن التهابه كحريق يزداد كلما زاد من وقعوا به. سمعت يومًا ما، أن من الأفضل للشخص، أن يحرص على من يحبوه، ولكن يتوخى حذر الوقوع هو بحبهم؛ لإن حبهم له يقويه ويضعفهم، وحبه لهم يقويهم ويضعفه، وكلما مرت الأيام زاد اقتناعي بهذه المقولة، فإذا استطعت إسلاخ نفسي من حضن الشوك، سأصبح أنا لمن يحبني الشوك بعينه، أؤلم قدر ما أشاء ومتى شئت، تركته يهدئ هنيهة حتى يستطع أن يتحمل الألم المقبل، فهذا النوع من العذاب لا يأتي بمجرد الشعور بالحب، بل بأن تكن حققت حلمك بأن تنام في أحضان من تحب ويحبك، ولكنك بعد الوقوع في الفخ تكتشف أنها مجرد وردة جميلة مليئه بالشوك، فتظل طوال العمر مخدوعًا بسكراتها، تتألم وتتعذب، وتموت كل يوم، لست قادرًا على الهروب منا، وكلما مر من جانبك شخص مر الكرام، تأمل هذا الاحتضان الحميم في غيرة، وقال "يا ليتني كنت مكانه".