أكد خبراء فى التغير المناخى والبيئة أن تقلبات الطقس التى نشهدها مؤخراً، وآخرها «عاصفة التنين» التى ضربت مصر على مدار ثلاثة أيام وأدت لخسائر مادية وبشرية كبيرة، جاءت نتيجة للتغيرات المناخية التى نتجت بدورها عما أحدثه الإنسان فى بيئته من أضرار شملت زيادة التلوث وانبعاثات الغازات الضارة وتناقص المساحات الخضراء والغابات. رئيس "بحوث الصحراء" الأسبق: تناقص الزراعات والمساحات الخضراء وراء زيادة حرارة الأرض وقال د. إسماعيل عبدالجليل، خبير التغير المناخى ورئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، إن ارتفاع درجة حرارة البحر المتوسط والمحيطات الناتج عن التغيرات المناخية يؤدى لتحرك أعاصير وسقوط أمطار كثيفة، مشيراً إلى أن هناك مراكز للرصد وتتبع التغيرات فى درجات حرارة البحار والمحيطات، وهى التى تنبأت بما حدث فى عاصفة التنين قبل أن تحدث. وأوضح الخبير الذى شارك فى إعداد التقرير الأخير الصادر عن «الهيئة الدولية للتغيرات المناخية»، المسئولة عن متابعة التغيرات المناخية فى العالم، أن الأغلبية تنظر نظرة قاصرة للتغير المناخى على أنه تغير فى الحرارة والأمطار فقط، بينما الحقيقة أنه مرتبط بعدة عوامل كثيرة، منها مثلاً التصحر، أى فقد مزيد من الأراضى الزراعية نتيجة لزيادة الماء الأرضى وسوء الصرف. "عبدالجليل": غازات الاحتباس الحرارى الدفيئة تحرك أعاصير وأمطاراً كثيفة وأضاف «عبدالجليل»: «عندما يكون لدينا معدل تصحر عالٍ فإن ذلك يكون أحد الأسباب الرئيسية للتغير المناخى، علماً بأن معدل التصحر فى مصر طبقاً لتقرير صادر عن مركز البحوث الزراعية عام 2010، مدعم بصور الأقمار الصناعية، هو 3.5 فدان من الأراضى الزراعية الخصبة كل ساعة، بمعدل 30 ألف فدان فى السنة. وتابع: «عندما نفقد أراضى زراعية، سواء بسبب التصحر أو لأى أسباب أخرى، فإننا نفقد أحد العوامل الرئيسية لامتصاص غاز ثانى أكسيد الكربون، الذى يمتصه النبات، وهو أحد الغازات الدفيئة التى تسهم فى التغير المناخى، إذاً فنحن عندما نزيل مسطحات خضراء وتتناقص مساحتها، فنحن نزيل ما يمكن تسميته بالبلاعة التى تمتص الغازات الدفيئة التى تسبب التغير المناخى». «وهكذا يبدو أن التغير المناخى له أسباب ودوافع، وبالتالى فقبل أن ننظر للسماء لنرى الأمطار الغزيرة الناتجة عن التغيرات المناخية لا بد أن ننظر للأرض باتجاه الأسباب التى تؤدى لهذه التغيرات، ومنها أيضاً استخدام المبيدات الزراعية التى تقتل العديد من الكائنات الحية الدقيقة والبكتيريا والفطريات التى تمتص جانباً من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحرارى». وأضاف: «هناك مجموعة من الخدمات والسلع البيئية التى تُقدم مجاناً للبشرية، وتقدَّر قيمتها الاقتصادية بحوالى ضعف الناتج الإجمالى لكل سكان الأرض، أى بحوالى 40 تريليون دولار، ومن مجموعة الخدمات تلك أنشطة الكائنات الحية والتنوع الحيوى، فضلاً عن الزراعة التى تمتص جزءاً من الغازات الدفيئة التى تسبب الاحتباس الحرارى، وهو الأمر الذى جعل العالم يغير اسم الفلاح ليصبح مانح الحياة، بما يعنى أنه ليس فقط منتجاً للغذاء وإنما يحافظ على الأرض من هذه الغازات الضارة». وأشار رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق إلى أن التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الدولية للتغيرات المناخية، والذى تم توزيعه على جميع حكومات العالم، وتسلمت مصر نسخة منه فى مايو 2019، جاء ليوقظ العالم لينظر إلى الأرض وأسباب انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والتغيرات المناخية، لافتاً إلى أنه لدينا فى مصر وكثير من الدول الأفريقية، أسباب تؤدى لذلك، ومنها انكماش مساحة الرقعة الزراعية والمسطحات الخضراء. وكشف عن أن التقرير يتضمن فصلاً عن واحة سيوة، يُظهر أن هناك أنشطة تتم هناك على الأرض، وربما بحسن نية، ويقال بحسن نية إن هدفها التنمية، ولكنها تؤدى للتصحر، وبوار أراض زراعية هناك، ومن ثم تلعب دوراً كبيراً فى التغيرات المناخية، هذا فضلاً عن أن المساحات المزروعة بالأرز والتوسع فيها، ليس فقط يستنفد المياه، وإنما ينبعث عنها غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة الضارة التى تؤدى للتغيرات المناخية. وتابع خبير التغيرات المناخية، قائلاً: «المفروض أن يوجه مجلس الوزراء جميع الجهات المعنية بتنفيذ التوصيات التى جاءت فى التقرير كل فيما يخصه، وأن ندرك أن المطلوب أن نُعد أنفسنا لتخفيف آثار التغيرات المناخية ونزيد قدرة مؤسساتنا على مواجهة الكوارث، وألا نكون رد فعل، وإنما تكون سياستنا سابقة للفعل». أستاذ علوم البيئة: سنعانى من جفاف وتغييرات فى أماكن وتوقيتات غير متوقعة وعلينا اتخاذ خطوات جريئة للمواجهة ومن ناحيته قال د. سامى صابر، أستاذ البيئة بكلية العلوم جامعة الأزهر، إن التغيرات المناخية أصبحت حقيقة واقعة يشعر بها الناس كل يوم، وفيما يتعلق بنا فى مصر فقد بدأنا نشعر بتقلبات الطقس بطريقة عنيفة لم نشعر بها من قبل، ومنطقتنا من أكثر الأماكن المرشحة للتأثر بالتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، والتى تمتد لأبعد من الأشياء المحسوسة مثل المطر والسيول. وأضاف «صابر» موضحاً: «الاحتباس الحرارى ناتج عن الغازات التى نتجت مع الثورة الصناعية، والتى كما يحدث فى الصوبة الزراعية تؤدى لاحتباس يزيد من درجة حرارة الأرض، وهو الأمر الذى له تبعات كثيرة جداً، حيث إن الكرة الأرضية تغطيها كمية كبيرة من المياه، وعندما تسيح الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى نتيجة لزيادة درجة الحرارة، فإن المياه ستذهب للبحار والمحيطات وستزيد مناسيبها». وتابع أستاذ البيئة: «توزيعنا السكانى متركز فى الدلتا ووادى النيل، ودلتا مصر التى تُعتبر أكثر منطقة فى مصر بها تكدس سكانى، من أكثر المناطق المرشحة لطوفان ارتفاع سطح البحر، ومناطق كبيرة منها ستتغير، وكلما زاد مستوى سطح البحر ستغرق مساحات أكثر منها، ولو كانت مزروعة أو فيها كائنات حية ستغرق، وسيؤثر ذلك على مخزون المياه الجوفية العذبة». وأوضح: «نفس الشىء سيحدث بالنسبة لساحل البحر الأحمر، ولو درجة الحرارة زادت أكثر وذابت الثلوج وارتفع مستوى سطح البحر، ستطغى مياه البحر على الشواطئ وستضر الأنشطة السياحية، وستأكل مناطق كثيرة جداً، ويؤثر ذلك على كائنات حية مهمة، كالسلاحف التى تضع بيضها على الشواطئ، ولن يمكنها وضع بيضها عليها، وبالتالى سيؤدى ذلك لانقراضها، هذا فضلاً عن أن زيادة درجات الحرارة التى يتم تحضين بيض السلاحف فيها تؤدى لإنتاج إناث فقط، وهو ما سيعمل على انقراضها أيضاً». «كما أن درجة الحرارة عندما تزيد تؤثر سلباً على الشعاب المرجانية، بما يؤدى لموت الكائنات التى تعيش فى هذه الشعاب التى يأتى إليها السياح من مختلف أنحاء العالم لمشاهدتها، وهو ما سيجعلنا نفقد جزءاً كبيراً من دخلنا القومى من السياحة». يعود «صابر» هنا لتفسير الأسباب وراء كل هذه التغيرات الكارثية، قائلاً: «انبعاثات ثانى أكسيد الكربون التى تخرج من المصانع وعوادم حرق الوقود البترولى، كانت أشجار الغابات تأخذها وتُخرج لنا فى المقابل الأكسجين، لكن ما حدث فى العالم فى السنوات الأخيرة أن هذه الغابات تدهورت وتقلصت بطريقة سريعة جداً، كما هو الحال مثلاً فى إثيوبيا التى كانت 65% من مساحتها غابات، أما الآن فأصبحت الغابات تشغل 3.6% فقط من مساحتها». "صابر": الآثار تشمل تراجع السياحة والدخل وإعادة توزيع الحشرات المسببة للأمراض وبعد أن تقلصت مساحات الغابات التى كانت تعمل بمثابة رئة للعالم، وفقاً لأستاذ البيئة، أصبحت البحار والمحيطات تمتص كميات ثانى أكسيد الكربون الناتجة عن التلوث، وهو ما أدى لزيادة درجة حموضة المياه بها، وأثر سلباً على الكائنات الحية الموجودة فى البحر. وبالإضافة لما سبق، وفقاً لأستاذ البيئة، فإن زيادة درجة حرارة الأرض عن معدلاتها المعتادة جعلت الكائنات الحية التى كانت تعيش بالقرب من خط الاستواء تهرب إما شمالاً أو جنوباً، حتى تصل لدرجة الحرارة المناسبة لها، ومن المعروف أن المناطق الاستوائية بها الحشرات التى تسبب الأمراض، وبالتالى سيعاد توزيع الكائنات المسببة للأمراض فى مناطق لم تكن موجودة بها من قبل. وفى النهاية سنجد تغييرات غير متوقعة مثل هطول أمطار فى توقيتات وأماكن غير متوقعة، وحدوث جفاف فى مناطق غير متوقعة، علماً بأنه من ضمن الظواهر المتوقعة أيضاً فى مصر جفاف أماكن كثيرة جداً لدينا، وذلك فى بلد يُعتبر من أكثر مناطق العالم جفافاً، وهو ما يفرض على العالم أن يتخذ خطوات جريئة فى مكافحة التغيرات المناخية، وأن تتعاون الدول الغنية مع الدول الفقيرة فى ذلك، وفقاً ل«صابر».