منذ أسابيع ناقشت هنا فرضية مغايرة لأخونة الدولة، وهى أن تبتلع البيروقراطية المصرية العريقة جماعة الإخوان وتبقرطها، وتبدو فرضيتى غريبة لأن كثيرا من قرارات الرئاسة ومجلس الشورى تصب فى مصلحة الأخونة، وظهرت البشاير فى مجالى الإعلام وحقوق الإنسان وحركة المحافظين. لكن علينا أن نلاحظ أن ما يعرف بعمليات الأخونة تجرى وفق منطق وآليات الدولة البيروقراطية، وبنفس الأساليب التى كان يتبعها مبارك، ما يعنى أن الأخونة قد تنقلب إلى بقرطة للإخوان أنفسهم، فالتوجهات العامة للسياسة الداخلية لم تتغير، كذلك السياسة الخارجية. والشواهد والتفاصيل كثيرة.. لم يطرأ تعديل على الموازنة العامة، ولم يتحرك الحد الأدنى أو الأعلى للأجور، ولم ترتفع الضرائب على الدخول المرتفعة. والأهم أن الرئيس مرسى ملتزم بتقاليد الدولة وممارسات مبارك؛ فقد التقى اتحادات الطلبة قبل بدء الدراسة تماماً كما كان يفعل المخلوع، واختار الرئيس أربعة محافظين من العسكر للمحافظات الحدودية وأربعة من الإخوان واثنين من القريبين منهم، ولم يرغب الرئيس فى تغيير تقليد تولى العسكر محافظات الحدود رغم عدم تحقيقهم نجاحات مبهرة فى الماضى -سيناء نموذجاً- أو ثبوت فشل المحافظين المدنيين فى إدارة تلك المحافظات. التزم الرئيس بتقاليد وقواعد البيروقراطية المصرية، ولم يفكر أو يرغب فى كسرها، فلم يقترح مثلا إجراء انتخابات للمحافظين، وكان بإمكانه إصدار قانون بذلك، ولم يفرج الرئيس عن الضباط المعتقلين فى 8 أبريل، أو بقية معتقلى الثورة أو الثوار الذين صدرت ضدهم أحكام من القضاء العسكرى، وإنما شكل لجانا غرقت فى دهاليز الدولة. ولا شك أن الرئيس لديه سلطات واسعة يمكن أن يستخدمها لتعميق مسار الثورة، لكنه لا يرغب ولا يستطيع، لأن بيروقراطية الدولة المصرية تحاصره، وخبرة الإخوان محدودة وكوادرهم قليلة، كما أن الطابع المحافظ لتكوينه كأحد كوادر الإخوان يجعله أكثر ميلاً لقبول قيود البيروقراطية وكراهيتها للتغيير. وهنا قد يرى البعض أن استخدام الرئيس لبيروقراطية الدولة يصب فى مصلحته، حيث يوسع من سلطاته ويدعم من مكانته ونفوذه، وهذا التفسير صحيح لكنه لا يمنع من سقوط الرئيس والإخوان فى قبضة بيروقراطية الدولة الفرعونية. على المنوال نفسه سار مجلس الشورى، فقد استعمل القوانين والنظم المقيدة لحرية الصحافة التى وضعها السادات واستفاد منها مبارك وأصبحت جزءاً من بيروقراطية الدولة الاستبدادية؛ اختار مجلس الشورى رؤساء التحرير من الإخوان والمتأخونين والفلول، ولم يفكر فى تشجيع الصحفيين على انتخاب رؤساء التحرير ومجالس إدارات الصحف القومية، ثم عين الشورى أعضاء المجلس الأعلى للصحافة ولم يفكر فى تغيير قانون وأهداف المجلس الذى تجاوزته الأحداث، وصدر أصلاً لتكبيل حرية الصحافة وتقليص سلطة نقابة الصحفيين، كما لم يفكر مجلس شورى ما بعد الثورة فى إلغاء المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى لا مثيل له فى الدول الديمقراطية، فقد أنشأ مبارك المجلس كى يسحب البساط من تحت أقدام جمعيات حقوق الإنسان المستقلة، ويقدم للعالم الخارجى رواية رسمية لسجل حقوق الإنسان تزيف الواقع الفعلى لحقوق الإنسان فى مصر. أتمنى أن يفكر ويعمل مرسى وجماعة الإخوان خارج صندوق بيروقراطية الدولة الاستبدادية، ويسقطوا القواعد والقوانين التى ضمنت لسنوات طويلة الاستبداد والطابع الأمنى للدولة، وأنا هنا لا أقصد هدم الدولة بل الحفاظ عليها وتطويرها من خلال تقليص بيروقراطيتها وجمودها وفسادها، وهى شروط أساسية لضمان تحول ديمقراطى سليم. ولتكن نقطة البداية الاستماع إلى المستشارين والمساعدين من غير الإخوان، الذين اختارهم الرئيس بنفسه، والاستفادة من خبراتهم وأفكارهم، وعدم تحويلهم إلى مجرد واجهات لتحسين صورة الإخوان وهيمنتهم على مؤسسة رئاسية بيروقراطية تخاف من التغيير.