ببساطة وبدون تنظير لدى أربعة افتراضات قد تثبت الأيام صحتها أو خطأها، الافتراض الأول أن التحالف القلق بين العسكر والإخوان لا يزال مستمراً رغم عزل المشير وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل. وكل ما حدث أن جناحاً من العسكر وتحديداً جنرالات من داخل المجلس العسكرى التقت مصالحهم مع الرئيس مرسى فى الإطاحة بالقيادة الهرمة والضعيفة للمجلس العسكرى والتى قادت مرحلة انتقالية متعثرة وفاشلة. وضمن الانقلاب الناعم خروجاً آمناً وتكريماً من الدولة للمشير ورفاقه. الافتراض الثانى أن العسكر الجدد شركاء فى الانقلاب وليسوا مجرد تابعين للرئيس مرسى، وهؤلاء الشركاء أغلبهم من الشباب الطامح الذى سيحافظ على دور سياسى مهم للجيش من خلال الحرص على تلقى المساعدات العسكرية الأمريكية، والدفاع على الاقتصاد الكاكى وشبكة المصالح المرتبطة به التى يصعب تفكيكها، إضافة إلى رفض جنرالات الجيش والقيادات الوسيطة التخلى عن صلاحيات وامتيازات المؤسسة العسكرية، تلك الامتيازات التى صارت جزءاً من تقاليد الدولة والمجتمع. لذلك أعتقد أن الدور السياسى المباشر للجيش سيتراجع لكنه لن يختفى وسيتخذ أشكالاً ووسائل أخرى، وعلينا أن ننتظر التشكيل الجديد للمجلس العسكرى، وعلينا ألا نصدق أن الرئيس نجح فى إقصاء العسكر من السياسة فى شهرين بينما استغرق الأمر فى تركيا سنوات طويلة. الافتراض الثالث أن أخونة الدولة والمجتمع عملية مستحيلة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فالحالة الثورية التى نعيشها والحراك السياسى لن يسمح للإخوان أو لغيرهم بإعادة إنتاج نظام استبدادى شمولى على غرار نظام مبارك، علينا أن نثق فى أن الثورة غيرت قطاعات عريضة من الشعب ودفعتهم للعمل العام، بحيث أصبحوا قادرين على التحرك لإسقاط أى محاولة للهيمنة أو الاستفراد. ورغم انقسام وتشتت القوى المعارضة للإخوان فإنها يمكن أن تجتمع وتعمل معاً بقوة النداء العام وضرورات الوجود وحماية الحريات. وإذا نظرنا للثقافة والاجتماع فإن أغلبية المصريين متدينين محافظين ولا يشعرون بالحاجة إلى من يعرفهم دينهم أو يحكمهم باسم الدين، بل إن حضور الإخوان والسلفيين وتجربتهم بعد الانتخابات ترجح احتمال انصراف أغلبية الناخبين عنهم، وتكفى الإشارة هنا إلى أن الرئيس مرسى فاز بفارق ضئيل عن مرشح الفلول. الافتراض الرابع أن الدولة المصرية ستبقرط الإخوان المسلمين، فلدينا مؤسسات بيروقراطية جامدة وبطيئة، وتعمل بشكل هرمى، وهى سمات تتفق مع تنظيم جماعة الإخوان وفكرها الذى لا يزال مؤثراً فى الرئيس ومؤسسة الرئاسة، وبالتالى فإن اللقاء بين كوادر الإخوان والكوادر البيروقراطية فى الدولة سيكون سهلاً وميسوراً لما بينهما من تشابه، لكن افترض أن الغلبة ستكون لكوادر الدولة، نتيجة أولاً نقص خبرة الإخوان بإدارة مؤسسات الدولة، وثانياً النقص الكبير فى كوادر الإخوان فى كثير من التخصصات، وثالثاً قدرة البيروقراط والتكنوقراط على التلون الفكرى والسياسى ومشايعة الغالب، حتى إن قيادات إخوانية اشتكت من ظاهرة المتأخونين. غلبة كوادر الدولة البيروقراطية ستؤدى إلى انتقال كل أمراض البيروقراطية إلى الأداء العام، ومن ثم تباطؤ عمليات الإصلاح أو فشلها، وبالتالى بقرطة الإخوان أنفسهم، خاصة أن لديهم الاستعداد!! ولعل ما يرجح صحة هذا الافتراض أن أول وزارة للرئيس مرسى تضم ثمانية وزراء من المحسوبين على نظام مبارك، كما أن وزراء الإخوان أبقوا على وكلاء الوزارة وكبار الموظفين المحسوبين على النظام القديم، واختار مجلس الشورى عديداً من رؤساء الصحف المعادين للثورة.