«عبود»، «المؤسسة»، «محطة مصر» أماكن لتجمعات المصريين بجميع فئاتهم واختلافاتهم، لذلك كان لا بد أن نزور بعض هذه التجمعات، وكان الاختيار هو «عبود» حيث موقف سيارات الأجرة التى تنطلق إلى كل محافظات مصر، وفى 5.30 صباحاً وقبل طلوع الشمس كنا أمام المدخل الذى ما إن وقفنا ببابه حتى التقينا أحمد عبدالرحمن، مفتش حركة فى إدارة المواقف، وهى المهنة التى يطلق عليها السائقون «الكارتة»، حيث يقف بتذاكر على باب الموقف ليحصل على مقابل مادى من السائقين أثناء دخولهم وخروجهم من الموقف. يقول الرجل الثلاثينى: «باشتغل مفتش حركة من تسع سنين، ساكن فى شبرا الخيمة باصحى الساعة 4 الفجر وآجى استلم ورديتى من الساعة 5 الصبح لغاية الساعة واحدة الظهر»، مضيفاً: «باخلص شغلى وأروح أتغدى وأريح شوية وأنزل آخر النهار عندى محل موبايلات بافتحه، وأقف فيه لغاية بالليل عشان أقدر أفتح بيتى». وحول الحركة فى الموقف فترة الصباح يقول: «مع الفجر يبدأ السواقين اللى بايتين فى الموقف يقوموا وياخدوا أدوارهم، ويبدأ الركاب ييجوا يركبوا وبتزيد الحركة على الساعة 7 الصبح»، مشيراً إلى أن ركاب فترة الصباح من مختلف الفئات، فمنهم المحامون الذين لديهم قضايا فى محافظات أخرى وطلبة الجامعات وبعض الموظفين. يرفض أحمد فكرة أن الشعب المصرى يستيقظ متأخراً، ويقول: «فيه ناس كتير شغلها بدرى وبتصحى من الفجر أو من الصبح بدرى زى اللى شغالين فى هيئة النقل العام، والسواقين، والموظفين، وفيه فئات تانية زى الصنايعية بيبدأوا شغلهم متأخر شوية، لكن اللى شغله بيبدأ بدرى بيقوم بدرى». نترك أحمد على كرسيه وتحت مظلته ليتابع حركة دخول وخروج السيارات، وننطلق إلى داخل الموقف لنجد السائقين، كل أمام سيارته يقومون بالنداء، كل حسب الخط الذى يعمل عليه، ونلتقى بخالد كساب، وهو أحد السائقين، فى العقد السادس من عمره، يعمل على سيارة «بيجو 7 راكب» على خط المنصورة، ويحكى كساب قصته اليومية قائلاً: «بأصحى من النوم الساعة 3 أو 4 الفجر وأحياناً بكون بايت فى الموقف وأقف آخد دورى ولكن إحنا بنصحى بدرى ونقف ناخد دورنا وناخد وقت عقبال ما نحمل وبعدين ممكن نفضل فى الطريق بالأربع ساعات بسبب إن الطريق زحمة وغير ممهد ومفيش إضاءة». ويضيف: «إحنا ملناش ميعاد نخلص فيه شغلنا لأن كله حسب الدور والطريق، وأيام كتير بنبات فى الموقف ننام شوية ونصحى قبل الفجر ناخد دورنا ونحمل»، نترك كساب ونتجول داخل الموقف ونتقابل بمنتصر عبدالحميد، الذى يحمل على يديه الصحف اليومية، وبعض أكياس المناديل، ويتجول بين السيارات ليبيع الصحف والمناديل للركاب والسائقين، تبدو عليه ملامح البساطة والطيبة يقول: «عمرى 37 سنة وبقالى 20 سنة بأبيع جرايد، وبأصحى من الساعة 2 بالليل عقبال ما أجيب الجرايد وآجى على الموقف بتبقى الساعة حوالى 4»، سألناه عن سبب استيقاظه فى هذه الساعة المبكرة وكانت إجابته: «عشان أستنى الزبون مش الزبون اللى يستنانى، والحركة بتبدأ تشتغل فى الموقف على الساعة 6 الصبح»، وكان سؤالنا الآخر عن استيقاظه فى هذا الوقت وهل يسبب له إزعاجاً أو ضيقاً فقال: «بيضايق طبعاً بس هعمل إيه، عندى 4 عيال هيجيبلهم منين، دا أكل عيشى أنا وعيالى». بدأت الأرض تشرق بنور ربها وتخطت الساعة السادسة صباحاً وبدأت الحركة تزداد قليلاً على الموقف وبداخل إحدى سيارات الأجرة التى تعمل على خط «دكرنس» التقينا أحد الركاب، وهو أحمد عبدالحفيظ، الذى يبلغ من العمر 56 عاماً، ويعمل فى الإدارة العامة للأمن المركزى، وقال إنه يعمل فى التفتيش ويذهب كل يوم إلى مكان مختلف عن الآخر وإنه يستيقظ منذ 40 عاماً على صلاة الفجر ليؤدى الصلاة وينطلق إلى عمله وحتى يوم الإجازة يستيقظ الفجر أيضاً ليؤدى صلاة الفجر، وقال «الرزق كله ساعة الصبحية». داخل كشك على الرصيف بالموقف يجلس أحمد خليفة محمد، مفتش حركة، التقينا به وقال: «ورديتى بتبدأ من الساعة 6 الصبح لغاية الساعة 1 الضهر، وبأصحى من الساعة 5 الصبح عشان ألحق أكون فى الموقف الساعة 6». ويضيف: «من الصبح بدرى الموقف بيكون فيه ركاب من مختلف الفئات من طلبة وعمال وموظفين ومستشارين وظباط». وبجوار موقف سيارات طنطا وفى السادسة والنصف صباحاً التقينا بأحمد حسام، طالب فى الفرقة الأولى بكلية التجارة جامعة طنطا، تحدث معنا قائلاً: «أنا هنا عشان أركب أروح كليتى فى طنطا أنا ساكن فى القاهرة فى شبرا وبأروح الكلية 4 أيام فى الأسبوع منهم 3 أيام عندى فيهم محاضرات الساعة 8 ونص الصبح فبقوم من النوم الساعة 5 ونص وبأركب من الموقف على 6 أو 6 ونص». يضيف أحمد: «فى أيام الإجازة طبعاً مش بأقوم بدرى كدا بس نص أيام الدراسة تقريباً أنا وأغلب زمايلى بنقوم من الصبح بدرى عشان المحاضرات وبأقابل فى الطريق ناس كتير اللى رايح شغله واللى مسافر واللى رايح يقضى مصلحة».