القاعدة الإعلامية المهنية تقول إنه لا يجوز لمقدم البرنامج أو مدير الحوار أن يكون منحازاً لجانب أو رأى أو اتجاه على حساب الآخر، وأن يترك الحكم للمشاهد، فلا يفرض عليه رأياً معيناً ولا اتجاهاً معيناً، وفى مصر تجاوزات كثيرة حدثت فى هذا الإطار فى السنوات الثلاث الماضية لا بد من الاعتراف بها، ولكل منها أسبابه التى قد تكون فى حينها مبررة. تجاوزنا الحياد الإعلامى أثناء ال18 يوماً فى ثورة 25 يناير، حين رأينا القناصة يقتلون الشباب، والجمل يركض مع الخيل فى ميدان التحرير! ووجدنا أن الحياد فى هذا الوقت خيانة لدم المصريين فى ثورة شعبية عظيمة. وتجاوزنا الحياد الإعلامى بشكل أكثر صراحة وعلانية فى عهد الرئيس المعزول حين ضاقت بنا السبل لوقف مسلسل الأخونة وتفتيت الأرض وبيع القناة والتبرع بسيناء وحلايب وشلاتين وأزمة سد النهضة، وربما لو سكتنا وقتها لكانوا أبرموا صفقة تأجير الهرم 100 عام لقطر! حتى إن المراقبين يضعون للإعلام الخاص دوراً كبيراً فى حشد المصريين وتنويرهم للقيام بثورة 30 يونيو ضد حكم المرشد، وكنا نحمل أكفاننا على أيدينا ونحن نخضع للتهديد أثناء دخولنا لمدينة الإنتاج الإعلامى من ميليشيات «حازمون» الذين كانوا يرابضون بخيامهم وأبقارهم ودورات مياههم حول أبواب المدينة! وتجاوزنا الحياد أيضاً فى التصويت على الدستور بنعم، وكنا ربما نرى أن إنجاز الدستور خطوة مهمة لتجاوز مسألة الشرعية التى خنقنا بها مرسى وعشيرته، لوضع ميثاق قانونى للمرحلة ومن ثم نبدأ الانتخابات. لكن الآن، أعتقد أن زمن التجاوز الإعلامى لا بد أن ينتهى، خاصة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فلا يجوز أن يخرج الإعلام مطبلاً لمرشح ومتجاوزاً حدود المنطق والأخلاق مع مرشح آخر! لأن المصريين لهم حق الاختيار، والصندوق هو المعيار. دور الإعلامى هنا أن يوضح برامج المرشحين وينتقد نقاط ضعفهم ويبرز مكامن قوتهم، لكن أن يخرج على الهواء ليعلن تأييده لمرشح، أعتقد أن هذا يدخلنا فى إطار المصلحة الشخصية للإعلامى؛ لأن بعض هؤلاء المطبلاتية وحاملى الدفوف والبخور على الهواء، يعتقد بسذاجة أن فوز المرشح الذى يدعمه من شأنه أن يقعده مقاعد الصديقين فى منظومة الحكومة والمصالح الشخصية بعد فوز مرشحه! لذلك آثرت الصمت كلما سألنى أحدهم: من هو مرشحك الرئاسى؟ وسأحترم خيار المصريين فى النهاية بحسب الصندوق؛ لأنه لو أعلنتها الآن أن مرشحى «السيسى» سيدخلنى ذلك فى نطاق التطبيل الذى يقوم به كثير من أصحاب المصالح الشخصية، فضلاً عن أننى سأفقد مناصرى «صباحى»، ولو أعلنتها «صباحى» سأكون بذلك أوجه الرأى العام لاتجاه مرشح معين وهذا لا يجوز إعلامياً، إضافة إلى أننى سأفقد مناصرى «السيسى». الحياد التام والموضوعية هما الحل الآن، خاصة مع جو الاستقطاب الحاد، وبروز «فاشية شعبية» من الجميع ضد من يختلفون معهم فى الرأى، إضافة إلى ظهور شبكة مصالح شخصية ومنافقين تخطوا حدود الأدب فى جشعهم وتطبيلهم. وبالنسبة لى شعار المرحلة بكل رقى هو: (صوتى فى الصندوق وليس على الهواء). ونصيحتى المتواضعة لزملائى الإعلاميين: كثرة الضغط والحزق والمبالغة فى التهويل لتأييد وتأليه وتقديس شخص قد تؤدى إلى نتائج عكسية، وسيبقى الإعلامى الأكثر احتراماً لذاته ولمهنته هو من لم يسهم خلال هذين الشهرين اللذين ستتم فيهما الانتخابات فى تفتيت وتصارع المصريين المؤمنين ب30 يونيو، لذلك أقول إن الصمت أبلغ أحياناً من الكلام!