بدأ حزب «العدالة والتنمية» التركى الحاكم، أمس، وضع خريطة عمل لمرحلة ما بعد الفوز بالانتخابات البلدية، التى أجريت يوم الأحد الماضى، والتى تتضمن إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق مع الوزراء المتهمين بالفساد وتوسيع صلاحيات منظمة الاستخبارات الوطنية، وبحث تقديم مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، تمهيداً لترشح رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان، للانتخابات الرئاسية. وقالت صحيفة «حرييت» التركية، إن «البرلمان سيبدأ فى 8 أبريل الجارى تشكيل اللجنة البرلمانية المختصة بالتحقيق مع الوزراء السابقين المتهمين فى فضيحة الفساد، وأمام البرلمان مهلة حتى 3 مايو فقط لتشكيل اللجنة التى تتولى، بحد أقصى 4 أشهر، التحقيق فى الدعاوى المقدمة من أحزاب المعارضة ضد الوزراء الأربعة السابقين، ليتم التصويت بعدها فى الجلسة العامة للبرلمان بشأن إدانتهم أو عدم إدانتهم». ولفتت الصحيفة إلى أن «الحزب الحاكم سيعمل على تقديم مشروع قانون يخص منظمة الاستخبارات الوطنية التى يترأسها حاقان فيدان، المقرب من رئيس الوزراء، لتعزيز صلاحيات المنظمة ومعاقبة كل من ينشر وثائق خاصة بالمخابرات، وسيتم تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لتمريره قبل العطلة المقررة فى يونيو المقبل». وأضافت: «الحزب كذلك يفكر فى مستقبل رئيس الوزراء إذا كان سيترشح إلى الرئاسة أم سيظل فى منصبه رئيساً للوزراء، والخيار الثانى يقتضى إجراء تعديل على لوائح الحزب بحيث يلغى حد الولايات الثلاث الذى يمنع أى مسئول بالحزب من تقلد منصب رئيس الوزراء لأكثر من ثلاث فترات»، مشيرة إلى أن استطلاعات الرأى تشير إلى أن الحزب الحاكم فى حال غاب عنه رئيس الوزراء ستكون نسب فوزه فى أى انتخابات مقبلة تتراوح ما بين 30 إلى 34%، وهو ما يدفع مسئولى الحزب إلى التفكير فى إعادة النظر فى لائحة الولايات الثلاث، وتابعت: «الحزب كذلك يفكر فى موعدى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين، وإمكانية ربط الاثنين معاً». على جانب آخر، شددت المعارضة التركية على أن فوز الحزب الحاكم بالانتخابات البلدية لا يعنى أنه تمت تبرئة رئيس الوزراء من تهم الفساد الموجهة إليه. وقالت صحيفة «تودايزمان» التركية، إن زعيم حزب «الحركة القومية» المعارض دولت بهتشالى، قال: «يجب ألا يكون فوز رئيس الوزراء وحزبه مدعاة لطمس قضايا الفساد ووضعها تحت السجاد، بغض النظر عن أن حزبه فاز بالمخالفات والانحرافات فإنه لم يتم تبرئته»، فيما أكد زعيم حزب «الشعب الجمهورى»، كمال كليجدار أوغلو، أنه «على الجميع احترام خيارات المواطنين فى صناديق الاقتراع»، منتقداً فى الوقت ذاته عدداً من المسئولين المتهمين بالفساد الذين وقفوا إلى جانب «أردوغان»، أثناء إلقائه خطابه الذى أعلن فيه فوزه بالانتخابات البلدية.*وحشد «الشعب الجمهورى» جميع أعضائه للمشاركة فى تدقيق عملية فرز الأصوات بعد المنافسة بين مرشحه لبلدية أنقرة، منصور ياوش، ومرشح «العدالة والتنمية»، مليح كوكجك. وذكرت صحيفة «ميلليت» التركية، أمس، أن آلاف المتطوعين من أعضاء «الشعب الجمهورى» وأنصار رئيس بلدية أنقرة الحالى ومرشح حزب «العدالة والتنمية» للدورة الجديدة، يشاركون فى التدقيق فى فرز الأصوات وبدأت عملية المقارنة بين أعداد الناخبين لصالح الشعب الجمهورى وأعداد الناخبين التى وصلت إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للتوصل إلى حقيقة الأمر. وتأتى هذه الخطوات بعد تشكيك الحزب فى نتائج بلدية أنقرة وتأكيده فوز مرشحه. فى الوقت ذاته، أطلقت مجموعة مجهولة الهوية النار على بهمن آيدن، مرشح حزب «السعادة» الإسلامى فى بلدة «تيللو»، التابعة لمحافظة «بتليس»، ما تسبب فى مقتل «بهمن» فى موقع الحادث وإصابة 5 من أعضاء حزبه بجروح، وتم نقلهم إلى أحد المستشفيات لتلقى العلاج. من جهته، طالب الاتحاد الأوروبى رئيس الوزراء التركى، أمس الأول، بالتواصل مع كل المواطنين فى البلاد وليس فقط أولئك الذين منحوه الأغلبية فى الانتخابات البلدية، مشيراً إلى التطورات المقلقة التى شهدتها أنقرة الفترة الماضية على خلفية فضائح الفساد. وحثت ماجا كوسيجانيك، المتحدثة باسم المنسق الأعلى للشئون الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبى، كاترين أشتون، السلطات على التواصل مع الجميع لضمان مشاركة أوسع فى إجراء إصلاحات مقبلة. وقالت «كوسيجانيك» إن «تركيا كبلد مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ينبغى أن يمضى قدماً فى مزيد من الإصلاحات، ووضع أجندة تتماشى مع المعايير التى وضعها الاتحاد الأوروبى فيما يتعلق بسيادة القانون والحقوق الأساسية». فى السياق ذاته، احتفلت الأفرع المنتمية إلى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان بفوز حزب «أردوغان» بالانتخابات البلدية، خاصة حركة «حماس»، التى نظمت مسيرات، مساء أمس الأول، فى قطاع غزة احتفالاً بالفوز، فيما اعتبر راشد الغنوشى، زعيم حركة «النهضة»، التابعة للتنظيم الدولى للإخوان فى تونس، أن انتصار «أردوغان» هو انتصار للثورتين فى مصر وسوريا. وأشاد «الغنوشى» بنتائج الانتخابات البلدية فى تركيا، التى أفرزت نتائجها الأولية فوزاً كبيراً لحزب «العدالة والتنمية»، ورأى أن ذلك «يمثل مصدر بهجة وفخر للديمقراطيين والإسلاميين فى العالم». ورأى «الغنوشى» أن انتصار «العدالة والتنمية» فى الانتخابات البلدية التركية هو رسالة تأييد للثورتين المصرية والسورية، وقال: «لا شك أن المصريين الديمقراطيين والإسلاميين مبتهجون بما جرى فى تركيا، فقد كسبت الثورة المصرية بانتصار حزب العدالة والتنمية نصيراً مؤيداً قوياً، وكذلك الثورة السورية وبقية ثورات الربيع العربى».*وفى اتصاله مع «الوطن»، قال عادل الشاوش، القيادى فى حزب حركة «نداء تونس» التونسى، إن «تصريحات الغنوشى غير مقبولة، وبمثابة تدخل فى الشئون الداخلية المصرية وهو ما نرفضه». وأضاف «الشاوش»: «من المفترض أنه كحزب وفق ما هو متعارف عليه يرسل برقية تهنئة إلى حزب العدالة والتنمية، دون الحاجة إلى مثل هذه التصريحات الإعلامية، لكن هذا غير مستبعد على الغنوشى الذى دوماً ما يخرج بمثل هذه التصريحات». وقال «الشاوش» إن «احتفاء الغنوشى بحزب أردوغان هو أمر مستغرب، لأنه فى حقيقة الأمر العدالة والتنمية ليس حزباً إسلامياً، وأردوغان فقط يدافع عن المصالح الاقتصادية التركية ومكانة تركيا على الساحة الدولية، والأتراك إن اختاروا حزبه فى الانتخابات فقط لأنه يعيد إليهم جزءاً كبيراً من إرث الإمبراطورية العثمانية». ولفت «الشاوش» إلى أن تصريحات «الغنوشى» تعكس مدى تناقضه، فهو يؤكد مراراً وتكراراً أن حركته لا تنتمى إلى الإخوان، وأنها لا تدخل فى شأن أى دولة أخرى، لكن يأتى بمثل هذه التصريحات غير المبررة التى تعكس مدى الأزمات الداخلية فى حركته التى تعتبر ما وقع فى مصر بعد 30 يونيو انقلاباً عسكرياً. وفيما يتعلق بحركة «حماس»، قال الدكتور أيمن الرقب، القيادى بحركة «فتح»، إن «حماس حولت انتصار حزب أردوغان فى الانتخابات البلدية إلى انتصار للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وهو نفس المشهد الذى كررته عندما احتفلت احتفالات كبيرة بفوز الرئيس المعزول محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية 2012». وأضاف «الرقب»، فى اتصاله مع «الوطن»، أن «الجميع يعلم العلاقة التى تجمع حماس بحزب أردوغان، وأنهم ينتمون إلى نفس مدرسة الإخوان، وهى باحتفالها تريد توصيل رسالة إلى مصر بأنها ما زال لها حلفاء أقوياء متمثلة على سبيل المثال فى تركيا، لمحاولة الخروج من الحصار الذى هو بالأساس حماس هى من فرضته على نفسها بفعل تدخلها فى الشأن المصرى». وأكد «الرقب» أن على «حماس» ألا تنظر إلى الانتخابات البلدية لأكثر مما ينبغى، لأن البلديات فقط تعتمد على الجوانب الخدمية، وما زال الاختبار الحقيقى فى الانتخابات البرلمانية، وقال: «حماس تستغل أى تقدم لحلفائها لتحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب، وهو ما حاولت فعله عندما فاز مرسى، وكانت أكثر تعنتاً فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية». على جانب آخر، دعت الخارجية الأمريكية، أمس الأول، السلطات التركية إلى التوقف عن المطالبات بتسليم زعيم حركة «الخدمة» الإسلامية فتح الله جولن، المقيم فى ولاية «بنسلفانيا» الأمريكية، الذى تتهمه السلطات الحاكمة بالوقوف وراء الاضطرابات السياسية وفضائح الفساد الأخيرة. وأكدت «الخارجية» أنه على «أنقرة» التركيز أكثر على العلاقات المهمة مع «واشنطن»، كالشراكة فى حلف شمال الأطلنطى (ناتو).