اتجاه بدأه البعض نحو "مينيمالزم" أو البساطة، بدأ الانتشار في دول عدة، يتبناه أفراد لأهداف أو معتقدات خاصة بهم، لكن السعي الأول في "المينيمالزم" يأتي للتخلص من الأشياء والقرارات اليومية غير المهمة. مجموعات عدة أسسها "منيمالستس" أو الساعين نحو البساطة، على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الفكرة، والفوز بحياة بسيطة يتشاركون فيها أفكارهم وابتكاراتهم، ويعرضون أغراضا ليسوا بحاجة إليها، ليست للبيع، وإنّما لمستهلك آخر يمكنه الاستفادة بها. لا يتوقف معتنقو هذا الاتجاه عند مجرد السعي إلى تطبيقه في حياتهم، بعد أن تغيّر شكل يومهم التقليدي، بقليل من القرارات وكثير من المحاولات لجعل الحياة أكثر بساطة، سعيا لتلخيص القيمة في أشخاص وأغراض أقل، "الوطن" تحدّثت مع أصحاب هذا الاتجاه، الذي رووا تفاصيل يومهم ودافعهم لانتهاج "مينيمالزم". منى: "عبودية الكراكيب" غيّر حياتي.. وعندي كنكة واحدة بعمل فيها كل مشروباتي داخل شقة صغيرة تضم أغراض قليلة، تظن بمجرد دخولها أنّ مالكها زاهدا في الدنيا، فتجد المطبخ الذي عُرف في البيوت المصرية بازدحامه بأواني مختلفة، هادئا، به طبق واحد وكوب واحد وملعقة وشوكة وسكين، في مشهد بسيط اختارته منى منتصر، معلمة، شكلا لحياتها قبل 3 سنوات، بعد قراءة كتاب "عبودية الكراكيب"، الذي عرّف "الكراكيب" بأنّها أي شيء يمتلكه الشخص لسنوات دون استخدامه، أو أي شيء يرتبط بذكريات سيئة ويحتفظ به الشخص رغم عدم حاجته له، لتقرر التخلص من كل شيء لا تحتاجه: "بدأت متأخر بس بتطور بسرعة". تستيقظ منى كل صباح بعيون حائرة، تبحث عما يمكن التخلي عنه في بيتها، تفحص أغراضها التي تقل يوما بعد يوم فتزداد أهمية كل قطعة، وتختار منها ما لم يعد مفيدا لها، مبررة ذلك بشعور الحرية الذي يكسبها إياه التخلص مما لا تحتاج إليه، تحت شعار "إذا كان الامتلاك سعادة ففي عدم الامتلاك حرية": "جعلت من هذه الشعارات برنامجا لتفكيري" قالت منى ل"الوطن". بعد تناول وجبة الإفطار، تبدأ منى الاستمتاع بكوب شاي كشري: "بعمله في كنكة، وبعمل فيها كل مشروباتي"، بعدها تتجه إلى المواصلات العامة، تتصفح هاتفها وتتخلص من الصور غير المهمة المخزنة على هاتفها، وتتأكد من أنّ أصدقائها الافتراضيين "حقيقيين"، ولكل منهم دور فاعل في حياتها، وتحذف من لا تربطه بها علاقة شخصية. أما عن ملابسها، تقول منى إنّها "تغض بصرها عن المحلات"، وحين تحتاج إلى قطعة ملابس تتجه للمنتديات الافتراضية، أو إلى محل بعينه لشراء ما تريد غير آبهة بتكلفته المادية: "المينيمالزم مش معناه منصرفش فلوس، لكن نختار الأجود، بدل ما اشتري 10 بنطلونات بشتري واحد أكثر قيمة". "بفرح نفسي وأفسحها بس بطريقة مختلفة"، قالتها "منى" في وصف أوقات الترفيه، إذ تحرص على أن يكون ما تفعله لترفه عن نفسها لا يسبب لها "كراكيب"، فتصطحب نفسها إلى مطعم بدافع "الأكل مش هرجع بيه البيت فمش هيعمل كراكيب"، وفي شهر رمضان بدلا من اقتناء الفوانيس التي تعشقها، تكتفي برؤيتها وتعيش الفرحة المؤقتة بمشاهدة ألوانها. منى: المجتمع ورثنا أفكار إننا مينفعش نعيش لوحدنا، لازم نملا الفراغات بأي أشخاص وفي العلاقات الإنسانية تقول منى إنّها تعلمت الإبقاء على من يستحق التواجد في حياتها فقط، مؤمنة في قرارة نفسها بأنّ الوحدة أفضل من الأنس المدفوع بانبهار كاذب أو صورة مزيفة: "المجتمع ورثنا أفكار إننا مينفعش نعيش لوحدنا، لازم نملا الفراغات بأي أشخاص، وده اللي بيخلينا نعاني من الأشخاص بدل ما يكونوا سند". ومن منزل منى إلى منزل الشابة العشرينية، مادونا يوسف، تجد الأمر مختلف بعض الشيء، إذ عرفت البساطة في الحياة قبل أن تحمل أي مسمى أو تصبغ بتوجه عالمي، فكانت والدتها تهديها أغراض معاد تدويرها، كإطار لصورتها من الكرتون والورق أو ملابس معاد نسجها من مواد أخرى، لكنها لم تتأثر كطفلة، بأي من ذلك، كانت مهووسة بالأدوات المكتبية واقتنائها بكميات كبيرة. مادونا: اتعلمت من اليابانيين التخلي.. هما مستعدين لإخلاء المباني في أي وقت عشقها للثقافات المقارنة، دفعها لاستطلاع كيفية تدبير مختلف الشعوب لشئون حياتهم، فشاهدت في بداية العام مقطع فيديو لناشطة يابانية تروي طريقة ترتيبها لحقيبة سفرها من جديد عن طريق ترتيب الأغراض على مقياس يبدأ من الأهم إلى الأقل الأهمية، فأخذت تحاول تطبيق ذلك في حياتها تدريجيا ، فترتب غرفتها بما يتيح لها التخلص من أكبر قدر ممكن مما لا تحتاج إليه. قطعت مادونا رحلة من البحث عن أساليب تنفيذ المنيماليزم والسعي نحو حياة أكثر بساطة، فوجدت اليابانيين يطبقون الأمر بأنّهم على استعداد دائم لإخلاء المباني بأقل وأهم الأغراض التي يحتاجون إليها، حال حدوث زلزال أو إعصار، فحولت غرفتها التي تصفها ب"كراكيب" لمتجر صغير تجمع فيه الأوراق والكتب التي لا تحتاج إليها، وتبحث عن مشترين بهدف إعادة تدوير الورق أو قراءة الكتب، ثم اتجهت إلى دولابها للتخلص من الملابس التي لا تحتاجها وتحتفظ بها بحجة "الذكريات"، ما ساعدها في نهاية العام على اقتناء هاتف جديد من الأموال التي جمعتها من بيع ممتلكاتها. "المينيمالزم تلقائيا عمل على تنقية حياتي من الأشخاص المزيفين"، حيث بدأت "مادونا" ارتداء نفس الملابس أكثر من مرة فوجدت أن البعض يحبها ويحترمها لشخصها والبعض الآخر لمجرد كونها تبدو بمظهر يروق لهم. مادونا: آية من الإنجيل ومبدأ دفعوني للمينيماليزم عدد من المبادئ تحرص "مادونا" على تذكرة نفسها بهم، مع بداية كل يوم جديد ليزداد اقتناعها بمبدأ الاتجاه نحو حياة أكثر بساطة، فتستشهد بإحدى آيات الكتاب المقدس بإنجيل متى "لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض" ما جعلها تختار، إراديا، ألا ترى في الأشياء المادية قيمة أكبر من قيمتها. "جسدك معبدك"، مبدأ آخر تتخذه مادونا في حياتها، حيث تحرص على تناول الطعام الذي يحتاجوا جسدها فقط، فتبتعد عن المأكولات غير الصحية التي كانت تحبها بهدف توفير تكلفتها والحفاظ على جسدها. لقاءاتها مع أصدقائها تحولت أيضا للأبسط، فتقول مادونا، في حديثها ل"الوطن"، فبدلا من أن يكون محور الخروج مع الأصدقاء الذهاب إلى المطاعم وتناول الكثير من الطعام فتحولت إلى تقدير قيمة الوقت الذي تقضيه معهم، موضحة "بقينا نخرج نتنمشى على النيل أو نحكي شوية مش لازم أكل وتكاليف مادية". واختتمت مادونا حديثها متمنية أن يتحول المينيمالزم أو الحياة البسيطة إلى اتجاه عائلي تنتهجه الأسرة والمقبلين على الزواج فتتقلص التكاليف المادية ويؤسسوا لجيل جديد أكثر بساطة.