خلال العشرة أشهر الماضية حاصرت رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان عدة أزمات سياسية طاحنة، لم يواجه حتى واحدة منها خلال مدة حكمه التى تجاوزت العقد، بداية من احتجاجات حديقة «جيزى» المندلعة فى يونيو الماضى، وفضيحة الرشاوى والفساد التى انكشفت فى ديسمبر الماضى، والاستقالات التى بدأت تعرف طريقها إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومشكلات كبيرة فى السياسة الخارجية التركية. بداية الأزمات السياسية كانت فى 31 مايو 2013 بعدما أثار إجلاء الشرطة العنيف بعض الناشطين البيئيين المعارضين لمشروع هدم حديقة عامة متاخمة لساحة تقسيم فى إسطنبول، تعبئة سادت البلاد بكاملها. وطوال ثلاثة أسابيع تظاهر نحو مليونين ونصف مليون بالإجمال فى ثمانين مدينة للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء الذى يحكم البلاد منذ 2003. أدت المواجهات التى رافقت حركة الاحتجاجات الكبرى إلى مقتل ثمانية أشخاص وجرح أكثر من ثمانية آلاف وتوقيف نحو خمسة آلاف شخص. وأثار القمع العنيف استياء عالمياً، خاصة دول الاتحاد الأوروبى الذى تسعى تركيا إلى الانضمام إليه. كان من الممكن أن يتجاوز رئيس الوزراء الأزمة، لكن «فتح الله جولن» زعيم حركة «الخدمة» الإسلامية، أو الشيخ الذى ساند تلميذه «أردوغان» فى الوصول إلى حكم تركيا من قبل، رفض الطريقة التى تعاملت بها الشرطة مع متظاهرى «جيزى»، واشتدت الأزمة بإعلان أردوغان عن حظر مدارس إعداد الطلاب الخاصة التابعة لحركة «جولن» التى تمثل الرئة المالية ووسيلة النفوذ القوية لحركة الخدمة، التى تنتشر فى كل أنحاء البلاد. ثم جاءت الأزمة الكبيرة بكشف فضيحة الفساد والرشاوى التى طالت عدداً من كبار المسئولين بمن فيهم رئيس الوزراء ذاته وأفراد أسرته وعدد من الوزراء وأبناء الوزراء، بعد حملة توقيفات طالت أكثر من ثمانين شخصاً من بينهم أبناء وزراء الداخلية والاقتصاد والعدل. رئيس الوزراء قابل فضيحة الفساد بالتنديد، معتبراً كشفها عملية هدفها الانقلاب على حكومته، والإساءة إلى سمعته وسمعة تركيا، متهماً مباشرة حركة «جولن» التى وصفها ب«الدولة الموازية» بالوقوف وراءها، وبعدها بدأ حملة كبيرة بإقالة ونقل الآلاف من قيادات الشرطة التركية وخاصة فى أنقرةوإسطنبول، وعدد من القضاة والنواب العامين.. وفى 25 ديسمبر 2013 أجرى أردوغان تعديلاً لنصف حكومته بعد استقالة وزراء طالتهم الفضيحة، فيما طالب الآلاف باستقالته وسط انهيار تاريخى لقيمة الليرة التركية فى مواجهة الدولار الأمريكى، حيث وصلت إلى 2.2 يوم الأحد الماضى. كانت الأنظار تتجه نحو الجيش التركى، لكنه أكد فى أكثر من مناسبة أنه ابتعد تماماً عن الحياة السياسية وأنه يسير وفق القانون والدستور، لكن الجيش فى 2 يناير 2014 طالب بإعادة النظر فى إدانة مئات العسكريين فى 2012 و2013 فى محاكمات قادها قضاة مقربون من حركة «جولن»، وأبدى أردوغان تأييداً غير مسبوق له على هذا المستوى، وصل إلى حد الإفراج عن رئيس هيئة أركان الجيش التركى السابق «إيلكر باشبوغ»، وهى الخطوة التى اعتبرتها عدة صحف تركية، أبرزها صحيفتا «حرييت» و«تودايزمان»، مصالحة للجيش حتى يستطيع رئيس الوزراء مواجهة حركة «جولن». ووسط الحرب الطاحنة مع حركة «جولن» والمعارضة المتربصة بأخطاء رئيس الوزراء، أقر البرلمان الذى يهيمن عليه نواب حزب العدالة والتنمية قانوناً يشدد سيطرة القضاء على الإنترنت فى 15 فبراير الماضى، متجاهلاً المعارضة الشديدة والمظاهرات التى ملأت الشوارع رفضاً للقانون. فى 24 فبراير، بدأت الفضائح تتتالى على رئيس الوزراء بعدما اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعى بتسجيلات صوتية عديدة تكشف تورط «أردوغان» وأسرته، وخاصة ابنه «بلال»، فى فضائح الفساد. وكان أبرزها التسجيل الصوتى الذى دار بين رئيس الوزراء ونجله بلال يتحدثان فيه عن تهريب مبالغ مالية كبيرة قالت صحف تركية إنها نحو مليار دولار، ثم تسجيلات صوتية أخرى كشفت تدخله فى شئون القضاء والإعلام. ومن الواضح أن رئيس الوزراء كان له أزمة كبيرة مع موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» منذ احتجاجات «جيزى»، ثم التسريبات الصوتية الخاصة بالفساد التى هزت عرش أردوغان، ولفتت أنظار المجتمع الدولى، ما دفعه فى 20 مارس، إلى اتخاذ قرار بحجب موقع تويتر، وهو القرار الذى أثار انتقادات حادة بحق تركيا ولا سيما فى الخارج.