وسط موجات الثورة المصرية والبحث عن حلول للمشكلات الضخمة التي تعاني منها مصر يظل التعليم الجيد هو الضمانة الوحيدة للتخلص من تلك المشكلات التي تواجه مصر في مجالات السياسة والاقتصاد وفي الإدارة بأنواعها، وإذا تفحصنا الأمر سنجد أن حل هذه المشكلات منبعها الأساس هو سوء حالة التعليم في مصر. فالتعليم ليس مجرد سنوات دراسية يمر بها الطالب، ومع نهايتها يحصل على شهادة لا تتعدي كونها ورقة ممهورة ببعض التوقيعات ومختومة ببعض الأختام الرسمية. تعاني مصر من نسبة أمية مرتفعة للغاية مقارنة بالمعدلات العالمية، فالنسبة فيها تتعدى 27% طبقًا للتقديرات الرسمية، في حين ترتفع بها بعض التقديرات الأخرى إلى 40% هذا غير نسبة غير قليلة من الأميين بين حاملي الشهادات خصوصًا المتوسطة منها، وذلك نظرًا لتردي مستوي التعليم بهذه الشهادات لدرجة تقترب من الانعدام، بالإضافة إلى أشكال أخرى كثيرة من الأمية مثل الأمية التكنولوجية أو الثقافية أو السياسية. والتعليم النوعي الجيد ليس ترفًا، ولكنه ضرورة قصوى لتخليص مصر من عدد من الأغلال التي ترزح فيها حاليًا، وكلها نتائج لسوء التعليم بشكل مباشر أوغير مباشر، فالبطالة المنتشرة سببها المباشر هو سوء التعليم الذي يعجز عن تقديم الخريجين الأكفاء المناسبين لسوق العمل داخل مصر أو في الخارج خاصة في دول الخليج؛ ما ينتج عنه إحلال عمالة منافسة من أوروبا وشرق أسيا والهند وبنجلاديش وباكستان مكان العمالة المصرية التي تعود لمصر لتمثل عبئًا إضافيًا على سوق العمل المصري، مع الأخذ في الاعتبار أن تحويلات المصريين في الخارج ماتزال المصدر الأكبر للعملة الصعبة في مصر، ومن الممكن مضاعفتها بسهولة إذا تم الاهتمام بالتعليم خصوصًا في الجانب الذي يتعلق بفرص العمل خارج مصر. ونظرًا لضعف مستوى التعليم فإن سوق العمل في مصر يضطر في بعض الأحيان إلى استيراد العمالة الكفؤ من الخارج خصوصًا على مستوى الخبراء في المؤسسات الصناعية، كما أن مستوى العمالة المصرية الغير مرتفع نظرًا لضعف المستوى التعليمي يجعلها قليلة الانتاج، وتنتج في الغالب إنتاجًا غير منافس وهو ما يزيد من البطالة بشكل غير مباشر، وعلى نفس درب البطالة تسير معظم المشكلات الاقتصادية التي تواجه مصر فجميعها ناتج مباشر وغير مباشر لضعف المستوى التعليمي وإذا انصلح التعليم فإن إصلاح معظمها يكون من السهولة تحقيقه. أما على مستوى السياسة فلا يخفى على أحد أن الكتلة الكبرى من الأميين وسيئي التعليم في مصر هي هدف أساس لكثير من التيارات السياسية التي تستهدفها دائما للسيطرة الفكرية عليها لضمان مساندتها السياسية، وأصواتها الانتخابية، وذلك للأسف بطرق ليست مشروعة ولاأخلاقية في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من أن الولاء يؤثر بشكل كبير على مجريات الحياة السياسية ويمنع أصحابه في كثير من الأحيان من اتخاذ مواقف موضوعية تجاه العديد من القضايا وخصوصًا الانتخابية منها إلا أن التعليم الجيد يساعد في رفع مستوى الفهم العام بين الناخبين، ويساعدهم في تمييز الاتجاهات السياسية الإيجابية من تلك الاتجاهات المتاجرة بأحلامهم ومشكلاتهم لكسب مناصب أو مقاعد برلمانية أوغيرها. نستنتج مما سبق أن الاهتمام بالتعليم هو أولى خطوات وضع مصر على طريق النهضة الحقيقية، وليست الوهمية سواء على مستوى الكم "بمحاربة الأمية" أو على مستوى الكيف "بتحسين مستوى التعليم". فإذا ركزت الإدارة المصرية القادمة على التعليم الجيد الذي يناسب احتياجات العصر واهتمت به فسيكون هذا مدخل مصر للتخلص من مشكلاتها المزمنة والولوج للعالم المتقدم.