في وقت كثر فيه الجدل عن أهمية وجدوى اقتراض مصر من الخارج، تبقى النتائج والأرقام و التنفيذ على أرض الواقع هي المحددات العملية والعلمية لتقييم مدى الاحتياج للاقتراض ومدى النفع المتحقق من وراء قرض ما. و حيث أن تحديد نوع الاقتراض -سواء داخلي أو خارجي- يتوقف علي الهدف من هذا الاقتراض، فالمتعارف عليه أنه اذا كان الهدف هو تغطية عجز الموازنة العامة للدولة فالأفضل هو الاقتراض من السوق المحلي عن طريق أذون الخزانة والسندات مع عدم المبالغة في قيمة هذا الاقتراض حتي لا تكون الحكومة منافسة للقطاع الخاص في استخدام المدخرات المحلية المتاحة للاستثمار، أما إذا كان الهدف من الاقتراض هو تمويل المشروعات التي تحتاج إلي تكنولوجيا حديثة أو إلي استيراد الآلات والمعدات من الخارج ففي هذه الحالة يكون من الأفضل الاقتراض من الخارج. فإذا كان الاقتراض هادفا إلي الاستثمار فسوف يؤدي ذلك إلي توليد دخل يغطي قيمة القرض والفوائد المستحقة عليه. لذلك فإن قرار الإقدام على الاقتراض من الخارج يجب أن يكون مبني على دراسة دقيقة لاحتياجات الدولة والفرص التي يوفرها استثمار هذه القروض و إسهامها في النمو الاقتصادي. الطاقة المتجددة في مصر تعتبر أحد اهم تلك المجالات التي يتواجد فيها احتياج حقيقي للاستثمار و للاستغلال الكفء لموارد الدولة، ذلك الاحتياج لن تلبيه معدلات الادخار المحلية لأن الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تعتبر مجرد مصدر بديل للطاقة التقليدية بل أساس لمشروعات قومية ضخمة و أحد أهم محاور الاستثمار والتنمية في المرحلة المقبلة ومجالا واعدا لتوفير فرص عمل للشباب ومعدلات أجور مرتفعة. و لقد لعب بالفعل الاقتراض الخارجي دوراً محورياً في الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة منذ بدء الاهتمام بهذا المجال في مصر منذ أواخر الثمانينات وخاصة في العشر سنوات الأخيرة حيث أصبح من المخطط أن تصل مشاركة الطاقة المتجددة في مصر إلى 20% من إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية بحلول عام 2020. وتساهم المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي بدور أساسي في قطاع الطاقة في مصر من خلال مشروعات تمويل الطاقة وتقديم المشورة للحكومة المصرية بشان اصلاح سياسات الطاقة. مشروعات قيد التنفيذ في يوليو 2011 تم تشغيل محطة في الكريمات جنوبالقاهرة وهي أول محطة شمسية حرارية في مصر والشرق الأوسط بقدرة 140 ميجاوات، وهي محطة فريدة تشتهر بأنها الأولى من نوعها على مستوى العالم التي تعمل بالغاز الطبيعي و الطاقة الشمسية و قد تم تصنيع 50% من مكونات هذه المحطة محليا. تم تغطية ما يقرب من نصف تكاليف بناء المحطة بما يعادل 200 مليون دولار أمريكي في شكل قروض قدمتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) و توفير النصف الاخر من تكلفة المشروع بمنحة من مرفق البيئة العالمية، و هو آلية تمويل مشترك من قبل منظمات الأممالمتحدة التي تقدم المساعدة لمشاريع التنمية ذات تأثير على البيئة. إن مصدر قوة المحطة الرئيسي هو الغاز الطبيعي ، فالغاز المستهلك يشغل توربين بخار بالإضافة إلى توربين طاقة شمسية حرارية التي تولد ما يقرب من نصف انتاج المحطة الإجمالي مع العلم أن هذه التكنولوجيا المبتكرة تقلل أيضا من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة. إن نجاح هذا المشروع شجع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي على مواصلة تطوير قطاع الطاقة في مصر، مما يساعد على خلق فرص العمل، ويشجع كل من قطاع الأعمال الخاص المحلي والأجنبي على الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، مما يؤدي في نهاية المطاف لمساعدة مصر على تصدير الكهرباء إلى أوروبا. ويستمر التعاون مع الوكالة اليابانية في الطاقة المتجددة من خلال انطلاق مشروع آخر في مارس 2010 هو محطة طاقة الرياح في خليج الزيت على ساحل البحر الأحمر بقرض قيمته 489.917 مليون دولار. والجدول الزمني المخطط لتنفيذ هذا المشروع هو من مارس 2010 الى يونيو 2018 على أن يبدأ استخدام مرافق المحطة في يونيو عام 2015. يهدف المشروع إلى زيادة امدادات الطاقة الكهربائية وتوفير استهلاك الوقود الحفري (البترول و مشتقاته) من خلال بناء محطة طاقة الرياح بقدرة 220 ميجاوات في خليج بجبل الزيت، مما يسهم في تلبية الزيادة في الطلب على الكهرباء وتخفيف انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ليحقق ذلك عائداً ايجابياً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر. المستقبل و فرص التمويل مازال الباب مفتوحا لمزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة نظرا لما تتميز به مصر من توفر الطاقة الشمسية بمعدل الاشعاع الشمسي السنوي العالمي بين 900-2600 كيلوات لكل متر مربع، إلى جانب طاقة الرياح و الطاقة المتولدة من الكتلة الحيوية المتوفرة بإمكانيات كبيرة في مصر والتي تقدر بحوالي مليون طن في السنة. لا شك أن المشروعات القائمة ستشكل عنصراً محفزاً لمزيد من الجهات المانحة و المؤسسات المالية الدولية و المستثمرين الأجانب لتوفير التمويل اللازم بمجرد تحقق الاستقرار السياسي في البلاد. ولكن على الرغم من الانجازات المتحققة من الاستثمار في الطاقة المتجددة باستخدام قروض خارجية ميسرة و مصحوبة باستشارات فنية و نقل للتكنولوجيا، يجب على الحكومة القادمة ان تتجه إلى تنويع مصادر تمويل الاستثمارات لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، فتجمع بين القروض لهيئات اقتصادية و الشراكة بين القطاعين العام والخاص و تفعيل نظام المناقصات التنافسية بين شركات القطاع الخاص، مع التوسع في السياسات التشجيعية مثل دعم المدخلات الأولية و تخفيض الضرائب و الرسوم الجمركية و توفير تسهيلات ائتمانية بأسعار فائدة منخفضة...إلخ