لم يكمل خالد شعبان عامه ال25، ساقه حظه لأن يكون جزءا من قصة كبيرة لم يكن يتخيلها قط، إنها الثورة، الشاب القادم من أسرة فقيرة وجد نفسه واحدا من أبناء كيان كبير اسمه الأمن المركزى، قلبه الأبيض لم يتلون بلون الملابس السوداء، لم يكمل مهمته فى بداية تجنيده شاويش تدريب، يوقظ العساكر قبل الفجر، بكل السبل، حتى لو تطلب الأمر ضربهم، آثر السلامة وقرر العمل سائقا، قال لهم فى موقعه إنه يملك «رخصة ميرى»، ليصبح سائقا لإحدى سيارات الأمن المركزى، خلال الأيام الأولى من ثورة 25 يناير. كان يعلم قبل دخوله هذا القطاع الحيوى أن الأمر قد يتطلب منه أن يضرب أناسا لا يعرفهم ولا يعرفونه، لكنه قال فى نفسه: «سأكون سائقا، ولن أكون من الجنود حاملى العصى» يعتقد البعض أن مجندى الأمن المركزى كانوا جزءا من النظام الفاسد لمبارك، وأنهم من مستفيديه، فيما تنحصر الصورة الذهنية لدى البعض الآخر عن هؤلاء الجنود فى شخصية أحمد زكى فى فيلم «البرىء»، لكن الأمر أبسط من ذلك بكثير، يشرحه خالد باختصار: «كنت مجند، واللى حصلى ما يقلش عن اللى حصل لكل المصريين فى النظامين القديم والجديد»، موقعه حتم عليه المواجهة، ليس مع عدو، لكن مع مصرى مثله، اضطر الشاب القروى البسيط أن يواجه شقيقه المصرى فى الأيام الأولى لثورة يناير، بمنطقة باب الشعرية، وجد نفسه وزملاءه وجها لوجه مع مصريين لا يعرف لماذا يتظاهرون، «كنا مرعوبين، إحنا مجندين بنطيع الأوامر العسكرية وبس، قياداتنا بتسيبنا فى وش الناس وتمشى، وكان فيه ناس بتقولنا: «عايزينا نمشى ادونا فلوسنا» أرد عليهم أنا وزمايلى: «طب وإحنا مالنا إحنا عبد المأمور.. كلها أيام ونخرج بره الأمن المركزى خالص». «لم يكن مسموحا لنا مشاهدة التليفزيون، وأحيانا كثيرة كانوا يمنعوننا من الرد على الموبايلات، ويوم ما يكون فيه دلع ممكن نتفرج على فيلم، عشان كده كان طبيعى ما نعرفش إيه اللى بيحصل بره، وعشان كده برضه لو فيه ضرب كان بيبقى بضمير مستريح، دى أوامر، وإحنا ما نعرفش الناس نازلة ليه».. يقولها خالد، لكنه يعود ليهمس: «بس كان فيه ناس بتصمم تتفرج، وتفهم إيه اللى بيحصل حواليها، ولو حكمت كان فيه مجندين بينطوا من السور ويهربوا عشان يعرفوا البلد فيها إيه، والأهالى لما كان قلة التليفونات تطول، كانوا بيقلقوا على ولادهم وييجوا عند المكان اللى إحنا موجودين فيه عشان يطمنوا عليهم». يتذكر الشاب، الذى لم تسعفه ظروفه، زميلا له سأل قائده أثناء الثورة: «أنا هنا مجند فى القطاع لو خرجت بره أجازة ينفع أقول رأيى؟»، لكن القائد ما ردش عليه، «أنا عن نفسى ما مسكتش عصاية وضربت متظاهر، بس الحاجة الوحيدة اللى ندمت عليها إنى ما شاركتش فى الثورة كمواطن مش عسكرى، كان فاضل ليا أيام وأخرج من الأمن المركزى، وكنت دايما أسأل نفسى هاروح لأهلى فى صندوق ولا على رجلى؟». الحياة لم تكن جنة فى معسكرات الأمن المركزى: «إحنا كان بيتضرب على معسكراتنا نار، ما كناش عارفين دى من أهالى ولا من فلول، وفى أوقات كتير ما كناش عارفين المفروض نعمل إيه، لما كنا بنقعد مع بعض بنقول لما نخرج من الخدمة لازم هنشارك فى المظاهرات، ونعرف فيه إيه بره، البلد كانت ماشية بالعصاية». عقب انتهاء خدمته شارك خالد فى بعض مظاهرات ميدان التحرير، وتعلم معنى أن يختار رئيسه بنفسه، لكنه لم يلبث أن أصيب بحيرة لفرط تعقد المشهد وتفاصيله، يقول: «إحنا رضينا نمشى دولة ديمقراطية بانتخابات عادلة، وانتخبنا الرئيس، نتابعه بقى بتركيز، وما نختلفش مع بعض عشان ما نقسمش البلد لقسمين، أنا واحد من الناس كنت أيام الثورة فى الأمن المركزى وأخويا فى قوات أمن المطار، أمى كان قلبها هينفطر من الخوف علينا، وكل أم مصرية زى أمى بالظبط، عشان كده لازم نستقر بقى، للأسف الشعب اتشتت وبقى ملهوش فكر، 50 رأى واتجاه، أنا حاليا معرفش أمشى يمين ولا شمال، أنا مواطن الحاجة الوحيدة اللى أعرفها دلوقتى إن لو دولة أجنبية دخلت هاعرف بس إنى أضحى بنفسى عشان ولاد بلدى ومش هاسأل ده اتجاهه ولا فكره إيه؟». «أنا طبعا محبط، لما كنت مجند وكنت حاضر الأحداث، كنا بنتكلم أنا وزمايلى وبنقول إننا هنطلع نلاقى الدنيا بره بيضة مقشرة، كله بقى تمام ونضيف، والحياة حلوة، لكن خرجت اتصدمت، لا اشتغلت، ولا لاقيت حاجة حلوة، الحاجة الوحيدة اللى كسبتها بجد من الثورة إن بقى ليا رأى، وأقدر أتكلم فى السياسة، وأقول ده حلو وده وحش لكن أى حاجة تانية لأ»، يلخص خالد المراحل الانتقالية بالنسبة له فى كلمات بسيطة: «لازم الحقيقة تبقى واضحة، والحاكم يقول الحق، الشعب دول بنى آدمين، إحنا مش شوية غنم يتضربوا، اللى حاصل فى البلد ما يرضيش ربنا، حرام اللى بيحصل، إحنا ناقصنا حاجات كتير أوى وراضيين وساكتين، فيه ناس ناقصهم صرف صحى، عارف إن 100 يوم مش هتكفى الريس مرسى، رأيى نديله سنة واحدة مهلة، بعدها نفرض رأينا، وأنا بعد السنة لو ملقتش حاجة حصلت هاطلع فى مسيرة، أهتف ضده، حتى لو روحى هتروح». تابع الفتى، الذى لم يتزوج حتى الآن، مشاهد الرئيس مرسى فى عدة مواقع ومواضع، يقول: «شوفته كتير وهو بيصلى، ده كويس، لكن دى حاجة خاصة بربنا مش لينا، لكن ربنا هيسأله عنى وعن كل المصريين، هل شفت مين كَل ومين شرب، ومين مات من المرض ومحدش لحقه؟ أنا عاوز كهربا وصرف صحى، وميه نضيفة، ولما أنزل المترو ماموتش من الخنقة فى الضلمة، صلاته هو حر فيها، لكن اللى أنا عاوزه بجد يسأل اللى تحت إيده ويتابعهم»، خالد يخشى من المستقبل كثيرا، ولا تبشره الأوضاع الحالية بما كان يأمله: «لو الرئيس استمر على أدائه الحالى، لسه مركزش ومعرفش الدنيا ماشية إزاى، هتزيد اللخبطة، والبلد هتنزل أكتر ما كانت نازلة، الأمن مضروب، والأكل والشرب، والجرايم على ودنه، وربنا يستر».