«أيوه إحنا قتلنا الحرامية ومستعدين لمواجهة أهاليهم إذا هاجموا القرية». أهالى قرية «بندف»، الذين قتلوا 4 لصوص فى مطاردة مثيرة ومثلوا بجثثهم، يؤكدون أنهم غير نادمين على ما فعلوه، وأن طريقتهم فى الانتقام قادرة على حمايتهم من عبث الخارجين على القانون المستمر منذ الثورة. المطاردة استمرت ساعتين استخدم فيهما الأهالى الحجارة فى مواجهة 4 مسلحين بالبنادق الآلية، وانتهت بمقتل المسلحين ال4 بعد نفاد ذخيرتهم، اثنان لقيا حتفهما ضربا بالأيدى والأرجل والحجارة، والآخران هربا إلى شارع من سوء حظهما أنه كان مغلقا، فصعدا عمارة فى نهايته، ليهاجمهما الأهالى وينهوا حياتهما بنفس الطريقة، قبل سحلهم جميعا فى عرض الشارع، وهم يهتفون: «الله أكبر، الله أكبر». المفاجئ أن أهالى قرية «بندف» لم يكونوا ضحايا مباشرين لتلك العصابة، ولم يتعرضوا من قبل للسرقة على أيديهم، لكن واحدا من أبنائها تلقى اتصالا من شخص يسكن بقرية تل حاوين المجاورة، أبلغه فيه بأن بعض اللصوص سرقوا سيارته وطلب منه قطع الطريق عليهم باعتباره مطلعا على أوصاف السيارة، لحين وصوله، ليخرج صديق الضحية مع عدد من أهالى القرية، ويقطعوا الطريق بسيارة نقل، ويجبروا اللصوص على التوقف لتبدأ «وصلة الحساب»، على حد قول أحدهم. ومن مفاجآت الحادث أن فتاة وشابا شاركا المتهمين الأربعة فى عملية السرقة، وكانا يستقلان السيارة المسروقة، هربا من مصير زملائهما بأعجوبة، قبل أن يفتك بهما الأهالى، ولا تزال الشرطة تبحث عنهما. انتقلت «الوطن» إلى قرية بندف فى مركز منيا القمح التابع لمحافظة الشرقية، التى لا يتجاوز سكانها 20 ألفا، بها طريق واحد رئيسى قادم من مركز منيا القمح، أصبح شاهدا على تحول القرية إلى ثكنة عسكرية؛ فعلى جانبى مدخل القرية تتمركز سيارات الشرطة والأمن المركزى والمجموعات القتالية، ويتناوب عدد من الضباط قيادة تلك التشكيلات وترقب الموقف فى انتظار معركة جديدة بالأسلحة النارية يتوقع الجميع حدوثها. الحاج عليوة، 45 سنة، تاجر أدوات صحية، صاحب السيارة المسروقة، ناظرا إلى الأرض، صار يتحدث بصوت هامس مع ضابط بالأمن المركزى، ورفض الحديث معنا عن الجريمة وكيفية حدوثها، قبل أن يتلقى اتصالا هاتفيا، على هاتف أحد القتلى بحوزته، وأبلغ الضابط أنه تلقى تهديدا من بعض أسر البلطجية الذين قتلهم الأهالى، وأخبروه أنهم سيقتلون 40 من القرية مقابل هؤلاء الأربعة. «سعيد»، 34 سنة، سائق من أهالى القرية شاهد عيان، قال: إن القصة بدأت عندما تلقى أحد أهالى قرية «بندف» اتصالا من «الحاج عليوة» الذى يسكن بقرية «تل حاوين» مركز الزقازيق، أخبره فيه أنه تعرض لسرقة سيارته ماركة «ميتسوبيشى لانسر» 2012 بالإكراه بعد قيام 6 أشخاص بتهديده بالأسلحة النارية فى أطراف قرية «عزبة عزيز»، فى حوالى ال9 مساء الأربعاء، مؤكدا أن الكثيرين من الأهالى يعرفون الحاج عليوة، وعندما علموا نبأ السطو على سيارته فى قرية مجاورة وأن اللصوص فى طريقهم للمرور من القرية، خرجوا جميعا وقطعوا الطريق الرئيسى للقرية وانتظروا مرور اللصوص بالسيارة المسروقة. وأضاف: الجميع ظل فى حالة ترقب لمدة 15 دقيقة حتى فوجئوا بسيارة «كيا كارينز» تقترب من مقطورة أوقفوها بعرض الطريق، وكانت تأتى مسرعة ووراءها السيارة المسروقة فلم يتمكن قائدها من السيطرة على عجلة القيادة، بعدما فوجئ بوابل من الحجارة والطوب والعصى التى تلقى عليه من الأهالى فاصطدم بها، بدوره اصطدم به قائد السيارة الثانية من الخلف، لينزل 4 أشخاص حاملين الأسلحة الآلية من السيارتين ويطلقوا الرصاص بشكل عشوائى على أهالى القرية. وتابع: سيارة الحاج عليوة تبقى فيها ولد وبنت، وفوجئنا كلنا بالعربية تنطلق مرة واحدة، من جانب المقطورة، والولد الذى يقودها يسرع بها مذعورا من هجوم الناس، وأخرج بندقية آلية من دواسة السيارة، وضرب عدة طلقات فى الهواء «عشان الناس تسيبه يمشى»، وبسبب هذه الذعر صدم أحد المارة بالصدفة، مضيفا: «الأهالى شافوا المنظر وحاولوا يلحقوا العربية بس جرى واختفى، وعرفنا بعدها إنه هرب مع البنت وسابوا العربية فى منطقة مقطوعة». «أنور العقدة» من أهالى القرية أكمل الرواية قائلا إنه فى تلك اللحظات كان المتهمون الأربعة الذين نزلوا من السيارتين حاملين السلاح الآلى يحاولون الهرب خائفين من فتك الأهالى بهم، وأكد أنهم كانوا يطلقون الرصاص بشكل هستيرى وهم يهرولون فى شوارع القرية فى محاولة للهروب، مضيفا: أحد الأهالى طارد متهما وصدمه بسيارة وفور سقوطه على الأرض، استولى منه على البندقية واستخدمها فى مطاردة الثلاثة الباقين، بينما تجمع الأهالى حول المتهم الذى سقط على الأرض وأنهوا حياته ضربا وسحلا. وخلال تلك الاشتباكات سقط أكثر من 7 مصابين من الأهالى بطلقات نارية فى اليدين والقدمين، مما زاد من عزيمة الأهالى حتى تمكنوا من ضبط المتهم الثانى وضربوه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ويمضى قائلا: حاول المتهمان الثالث والرابع الهرب، فدخلا فى «شارع سد» واضطرا للهجوم على حفل زفاف كان فى الطريق إلى آخر ذلك الشارع، وسط صرخات وذعر من الأهالى وأصحاب حفل الزفاف، ثم اقتحما المنزل الآخير فى الشارع، المعروف بمنزل «على بدوية»، وصعدوا إلى الطابق الأخير ومنه إلى منزل مجاور باستخدام سلم خشبى، وأمطروا الأهالى الذين كانوا يطاردونهم بوابل من الرصاص ظنا أن ذلك سيجعلهم يتركونهم يهربون من القرية. وقال عبدالرازق فتحى، من المشاركين فى الموقعة: «كانت لحظات عصيبة وصوت الرصاص كان مغطى على كل حاجة، وكل الناس اللى واقفة كانت حاسة إنها هتموت فى أى لحظة، لدرجة إن فيه ناس حاولت تتفاوض معاهم وهم على السطوح قبل ما يقتلوا حد بس هما رفضوا، لغاية ما وصل رئيس مباحث المركز والضباط والقوة وبدأوا فى التعامل بالرصاص مع المتهمين، الذين فرغت ذخيرتهم، وبعدها هاجم الناس البيت وقبضوا على الاثنين وأنزلوهما من سطح البيت جثتين، وسحلوهما فى الشارع على الأرض إلى جانب زملائهما». وقال محمود نجيب: إن الأمن ضعيف فى القرية، ولولا تكاتف الأهالى لما تمكنّا من القبض على هؤلاء البلطجية، مضيفا: بعضنا اتصل بالشرطة ولم تحضر إلا بعد بداية الواقعة بوقت طويل؛ لأن المسافة التى تفصلنا عن مركز الشرطة 8 كيلومترات، وهى كفيلة بإنهاء أى جريمة قبل وصول الشرطة، وطالب بتوفير الأفراد وتحديث الأسلحة والتقنيات التى يستخدمها رجل الشرطة لتعود فى النهاية على أمن المجتمع والمواطن، فى حين أوضح العقيد محمود جمال، رئيس المباحث الجنائية فرع جنوبالشرقية، ل«الوطن»، أنه تم تحريز بندقيتين آليتين مع المتهمين وخزينتيهما وعدد من فوارغ الرصاص والسيارة المستخدمة فى الحادث، مشيرا إلى أن اللواء على أبوزيد، مدير مباحث الشرقية، يشرف على خطة البحث التى أمر بوضعها اللواء محمد كمال، مدير الأمن، وأنه تم تحديد المتهمين الهاربين والتوصل إلى هويتهما، وأن القبض عليهما تم بعد ساعات قليلة، وأن السيارة التى استخدموها فى الحادث مبلغ بسرقتها وتم التوصل لمالكها وهو طبيب وأنه تم إخطاره وحضر إلى المركز وتعرف على السيارة. المفارقة أنه على الرغم من تلك المعركة التى وقعت بالأسلحة النارية، فإن حصيلة الخسائر لم تتعد سوى تلك الإصابات السبعة، بالإضافة إلى سيدة مسنة تدعى «أم أيمن» قادها حظها للوقوف أمام منزلها وقت الأحداث، مما جعلها تسقط على الأرض جثة هامدة مصابة بسكتة قلبية بسبب زيادة الرعب من صوت الرصاص، وتم دفنها صباح اليوم التالى للواقعة. وفى منزل السيدة الضحية، جلست أسرتها تتلقى واجب العزاء، وقال عبدالواحد عبدالمنعم، زوج نجلتها، ل«الوطن»: إن الوفاة حدثت نتيجة الخوف الزائد من صوت الرصاص.. هذا ما أكدته التقارير الطبية. من جانبها، واصلت النيابة العامة، برئاسة أحمد شعيشع، رئيس النيابة القائم بأعمال المستشار أحمد دعبس، المحامى العام الأول لنيابات جنوب، التحقيقات فى الواقعة، وطلب فحص بطاقات الرقم القومى التى عثر عليها مع المتهمين قبل قتلهم، ومن بينها بطاقة باسم «حنان م»، مواليد عام 1984 مقيمة بمركز الزقازيق ثان، التى عثر عليها بالسيارة مع عقد بيع باسم مالكها.