تجلس بجلبابها الفضفاض وتطل برأسها عبر نافذة الترام، يتردد في أذنيها كلام أحد خدام المسجد "معلش يا حاجة فلوس الزكاة اللي بتاخديها كل شهرين مش متوفرة دلوقتي، روحي وتعالي كمان أسبوع"، تنظر في ورقة تقبض عليها في يدها اليمني مكتوب عليها "هند محمد فتوح، لجنة زكاة الشهيد عبد الوهاب القاضي بمصر الجديدة"، تنعى سرا حظها العثر، لحظات ويأتي إليها المحصل طالبا منها ثمن التذكرة، فتمد إليه يدها بتلك الورقة "معلش يا ابني حتى ال 40 جنيه اللي كنت باخدهم كل شهرين من لجنة الزكاة مش طايلاهم..سامحنى"، يربت على كتفها قائلا "ولا يهمك يا أمي انتي نازلة فين"، فترد "نزلني حدائق القبة وأنا هشوف أي حاجة توديني الزاوية". تتذكر السيدة السبعينية آخر كلمات نطق بها زوجها وهو على فراش الموت "معلش مجبناش عيال ياخدو بالهم منك بس ربنا مش هيسيبك أن شاء الله"، فجأة يقطع صمتها صوت فرامل "الترام"، وتعلو بعدها أصوات الركاب يتساءلون عن سبب التوقف المفاجئ، ينظرون عبر النوافذ فيجدون أسلاكا شائكة وضعت على القضبان أمام القصر الرئاسي، فيما اصطف المئات من جنود الأمن المركزي والجيش مشكلين حاجزا يمنع "الترام" من استكمال طريقه، ينزعج الجميع وينزل السائق يتحدث إلى أحد الضباط فيقول له "ممنوع المرور دلوقتي..دواعي أمنية عشان المظاهرات"، تنفرج أسارير السائق، فها هو سيعود إلي منزله مبكرا، بينما تظل أصوات الركاب عالية محاولين إقناع الضابط بالسماح لهم بالمرور، لكن السائق كان قد سبقهم منفذا الأوامر، وعاد من حيث أتى". تستند على يد أحد الركاب وتنزل السلالم تسأل "هو في إيه يا أولاد"، يخبرها أحد الركاب "في مظاهرات يا حاجة انتي مسمعتيش عنها"، ترد " أنا مبشغلش التليفزيون إلا على قناة القرآن أسمع كلام ربنا، واللي بيحصل ده ميرضيش ربنا أبدا"، تبدو وكأنها طفلة أضاعت طريقها "طب أنا هروح إزاي دلوقتي"، ينشغل الجميع عنها بالطرق البديلة التي سيسيرون فيها على أقدامهم، تتمتم "بس أنا رجلي وجعاني"، تنظر حولها فلا تجد سوى جنود الأمن المركزي، فتلملم ما تبقى لها من قوة وتسير خلف الركاب لعلها تجد من يأخذها في طريقه وتعود إلى منزلها وتستريح من رحلة عناء يوم بدأ ب"مفيش زكاة النهاردة"، وانتهى بأسلاك شائكة أمام "الترام".