لم يكن طه حسين يعلم عندما قال ان العلم يجب أن يكون حق لكل مواطن كالماء و الهواء انه سيأتى يوم يطلب فيه الناس ان يكون الماء حق لكل مواطن كالهواء-الذي نأمل ألا يأتي اليوم الذي ننادي فيه بحق كل منا في التمتع بالحصول على أنفاس منه تجعلنا نستمر في الحياة بعد أن أصبح هذا الهواء أيضا شحيحا كما هو الماء في هذه الأيام. ولعل السبب في ذلك يعود الى أنه عندما أطلق طه حسين هذا الشعار في خمسينات القرن الماضي كانت حصة الفرد المصري من المياه تزيد عن ألفي متر مكعب في العام وأيامها كان عدد المصريين لا يزيد عن عشرين مليوناً إلا أن هذا العدد ظل يزيد باطراد حتى وصل الى خمسة أضعاف ما كان عليه في مدة زمنية لا تزيد عن خمسة و ستين عاماً وربما يصل إلى عشرة أضعاف بحلول عام 2050 ، تحدث هذه الزيادة في عدد السكان وإيراد مصر المائي لا يزيد و ربما يتناقص بسبب ما نحن فيه هذه الأيام من خلافات عميقة و عقيمة مع الاشقاء والأصدقاء والجيران من دول حوض النيل. عندما كان العالم يتمتع بالوفرة المائية لم نكن نسمع أن هناك مشاكل في المياه وعندما بدأ شح الماء يظهر في الأفق استيقظنا على دوي حروب المياه التي كان أول من قرع طبولها الأصدقاء من الأمريكان و نسق لها بعناية غلاة الصهيونية من مشعلي نيران الفتن ، ذلك لأن الامريكان يعلمون أن إسرائيل في ضائقة مائية تستلزم زيادة الإيراد المائي لها مع زيادة عدد السكان من المهاجرين الذين لا يأتي أي منهم وفي يده لتر واحد من المياه لذا فإن اسرائيل تحاول دائماً سرقة كل ما يمكن أن تصل اليه يدها من المياه العربية فهي تسطو على المياه الفلسطينية والأردنية والسورية واللبنانية والمصرية وتستخدم أحدث تقنيات العصر في السحب من الخزانات السطحية والجوفية جهارا نهارا تحت تهديد القوة وغطرسة السلاح وأيضاً تسحب منه سراً تحت جنح الظلام وظلمة الليل ، ثم أنها تحكم على المواطن الفلسطيني أن يعيش على أقل القليل من الماء و ربما أقل من الحد الأدنى الذي تكفله المواثيق و القوانين و الأعراف الدولية بينما يتنعم المستوطن اليهودي بأضعاف ما يحصل عليه المواطن الفلسطينى من اصحاب الارض و في نفس الوقت ترغم السلطات الاسرائيلية المواطن الفلسطينى صاحب الارض على دفع اضعاف ما يدفعه المستوطن اليهودي في المتر المكعب من الماء. ثم ان الدولة الصهيونية تعبث داخل دول حوض النيل بأصابع المؤامرات فهى تارة تقدم للرؤساء و الحكام الحراسة و الحماية اللازمة للمحافظة على حياتهم و تارة تقدم لضباط و جنود هذه الدول ما يحتاجون اليه من التدريب في معسكراتها و تارة تقدم لهذه الدول ما تحتاجه من معلومات سرية و بيانات مخابراتية و تارة اخرى ترتدي مسوح الكرم و السخاء فتقدم المساعدات المالية و الفنية في مجالات الموارد المائية و الزراعة و البنية الأساسية و التحتية . و بعد ان تحكم السيطرة على مفاصل السلطة و مراكز صنع القرار تطلب من الدول ان تضيق الخناق على مصر و ان تبني ما تشاء من السدود و ان تحتجز ما تحتاج اليه و ما لا تحتاج اليه من الماء حتى لا يصل الى الاراضى المصرية إلا أقل القليل ثم انها تشجع هذه الدول على تحويل ما لديها من الزراعات التى تقوم على المطر الى الزراعة المروية امعانا في الانتقاص مما يصل الى مصر من المياه و هى بعد ذلك كله تقوم بالترويج سرا و علانية لما يفهم منه ان وسيلة عبور الماء بسلاسة و سهولة و يسر الى البلاد المصرية لن يكون إلا عبر بوابة الرضا الاسرائيلى و تمكنها من الحصول على النذر اليسير من الماء على سبيل الضريبة أو العمولة التى تحصل عليها مقابل موافقتها على السماح للماء بالوصول الى مصر و مقابل ايعازها الى دول المنابع بأن تسمح بمرور مياه النيل الى البلد التى كان يقال عنه في يوم من الأيام أنه هو هبة النيل. علينا جميعا أن نفهم أسباب زرع اسرائيل في هذا المكان من الوطن العربي فهى هنا سبب من اسباب النكد و درب من دروب العكننة و الغضب و رغبة من البعض أن يصل شح الماء في مصر في يوم من الايام الى الحد الذي نترحم عليه فيه و نقول رحم الله من كان ينادى بأن يكون العلم كالماء و الهواء لأننا ساعتها سنقول اننا نطالب بأن يكون العلم و الماء حقا لكل مواطن تماما كما هو الهواء , لكن علينا ايضا أن نعلم أن ما قاله من سبقونا من العقلاء انه لا سبيل امام الدول العربية للنجاة من هذا الطوفان الكئيب إلا بالتوحد في وجه هذا العدو البغيض و تحجيم تصرفاته و فضح مؤامراته و كشف مزاعمه و الرد على رغباته و جموحه و عربدته بحرمانه من سرقة مياهنا تماما مثل كفاحنا الدؤوب ضد محاولاته المستمرة في التوسع في الاستيطان على حساب الأراضي العربية و على حساب المواطن العربي الفلسطيني.