مؤسس الإخوان، حسن أحمد عبدالرحمن محمد «البنا الساعاتى»، ما بين الأقواس ليس استكمالاً لأسماء أجداده لكنها ألقاب. «البنا» ترجمة كلمة ماسونى Mason، وتجنباً لتفسيرها على أنها تشير لمهنة «بنّاء»، أضيف لقب «الساعاتى»، مهنته ومهنة والده وجده، وُلد بالمحمودية، محافظة البحيرة، حيث استقر جده منذ قدومه مهاجراً من المغرب، على بعد خطوات من مقام «أبوحصيرة»، مقصد اليهود، الزائرين والمقيمين. حتى شعار حزب الإخوان «الحرية والعدالة» مقتبس من شعار الماسونية «حرية، عدالة، مساواة»، وكذلك شعار «رابعة» فهو أحد الرموز الماسونية القديمة. الكاتب والمفكر عباس العقاد تناول بعض ذلك فى كتابه «الصهيونية ومشاكل فلسطين» ومقاله «الفتنة الإسرائيلية»، وعززه الشيخ محمد الغزالى فى كتابه «قذائف الحق». أمور تستحق التأمل، فقد تفسر ظاهرة فقدان الولاء للوطن وثقافة التخابر لدى الإخوان. فى مجال عمل أجهزة المخابرات، كل ما هو منطقى ومقبول لا يوثق بنتائجه، أما ما يوصف بالمستحيل فنجاحه مضمون. عملية زرع حسن البنا وجماعته فى النسيج الوطنى المصرى قد تدخل فى هذا الإطار. واستعراض مسلسل عمليات تخابر الجماعة يؤكد ذلك. *** التخابر مع بريطانيا وتأسيس تنظيم الإخوان فى كتابه الشهير «لعبة الشيطان» أكد «روبرت داريفوس»، الكاتب والخبير الأمريكى فى شئون الشرق الأوسط، أن بريطانيا فى إطار محاولتها الحفاظ على إمبراطوريتها بعد الحرب العالمية الأولى، قدمت دعماً مباشراً لحسن البنا عام 1928 -من خلال شركة قناة السويس المملوكة لها- ليؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» ليستخدمها الإنجليز والملك كلما استدعت الظروف، وذلك فى إشارة لجرائم العنف التى تورط فيها الإخوان خلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين. أما الباحث والكاتب البريطانى الشهير مارك كيرتس فى كتابه الوثائقى «Secret Affairs: Britain›s Collusion with Radical Islam» الصادر فى 2010 فقد أكد أن بريطانيا اشتركت مع القصر فى تمويل الإخوان عام 1942. وفى منتصف الخمسينات، اجتمع مسئولون إنجليز مع قادة الجماعة للعمل ضد عبدالناصر خلال مفاوضات الجلاء، بإثارة اضطرابات تمهد لتغيير النظام، ولا يمكن فصل ذلك عن المحاولة الإخوانية الفاشلة لاغتياله بالمنشية 26 أكتوبر 1954، وقد استمرت تلك الاتصالات السرية خلال العدوان الثلاثى 1956 كجزء من محاولة التخلص من ناصر، ولبحث إمكانية تشكيل الإخوان لحكومة مصرية بديلة. المخابرات البريطانية تؤوى عناصر الإخوان لاستخدامهم كعملاء لتغطية أنشطة «المجاهدين».. «أبوحمزة» المصرى رغم مطالبة مصر 1995 واليمن 1999 بتسليمه لتورطه فى أنشطة إرهابية، و«أبوقتادة» الأب الروحى لتنظيم القاعدة فى أوروبا رغم تحذيرات العديد من الدول لبريطانيا بشأنه قبل أحداث 11 سبتمبر 2001. التعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية بعد خروج الولاياتالمتحدة منتصرة من الحرب العالمية الثانية وتصاعد دورها السياسى، عرض حسن البنا استعداده للتعاون على «سبنسر» المراسل الحربى الأمريكى بالقاهرة، وتكشف وثائق مكتبة الكونجرس عن اتصاله بالسكرتير الأول للسفارة الأمريكية «فيليب إيرلاند» فى 29/8/1947، لعرض التعاون بحجة مواجهة الشيوعية مقابل دعم أمريكا للجماعة.. محمود عساف، أمين المعلومات بالجماعة الذى شارك فى هذه اللقاءات، كشف تفاصيلها فى كتابه «مع الإمام الشهيد حسن البنا» 1993 والتى تتفق وما ورد بالوثائق الأمريكية. سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا وسكرتيره الشخصى والعقل المدبر للتنظيم الدولى، استقبله الرئيس أيزنهاور 1953 فى المكتب البيضاوى، ليبدأ بعدها كما ذكر أيان جونسون فى كتابه «مسجد فى ميونخ» تعاونه كعميل يتولى تشغيله بوب دريهر ضابط المخابرات الأمريكية فى ميونيخ. الاتصالات الهاتفية بين مرسى وأحمد عبدالعاطى من 20 إلى 26 يناير 2011 -والتى نشرتها «الوطن» 28 أكتوبر 2013 تقدم ملخصاً لتعاون الإخوان مع المخابرات المركزية الأمريكية CIA قبل الثورة.. مقابلات مرسى السرية مع ضابط CIA بالقاهرة، ومقابلات عبدالعاطى المنتظمة مع رئيس مكتب CIA فى تركيا، ومحاولات إقناعهم بضرورة الموافقة على مشاركة الإخوان فى الثورة حتى لا تتجاوزهم الأحداث، دليل مؤكد على حجم النفوذ الأمريكى على الجماعة، موافقة الإخوان على التعاون مع إسرائيل، بوساطة أمريكية أو تركية، التى تعاونوا مع مخابراتها أملاً فى تقديمهم للدول الأوروبية. المخابرات الأمريكية، وبعد اتصالات شاركت فيها قطر كوسيط مع الإخوان، ونزيه الرقيعى «أبوأنس» الليبى زعيم القاعدة بليبيا، كوسيط مع القاعدة، بوعد أمريكى بإسقاط تهمة تفجير سفارتيها فى تنزانيا وكينيا 1998 عنه، توصلت مع الإخوان منتصف فبراير 2013 بطرابلس لاتفاق تاريخى يضمن حصولهم على دعم أمريكى لا محدود لفرض سيطرتهم على الوضع بمصر، مقابل نقل تنظيم القاعدة بكامل عناصره وزعيمه أيمن الظواهرى إلى سيناء، بما يسمح بالخروج الأمريكى السلس من أفغانستان، الإجراء المستقبلى غير المعلن فى الاتفاق هو تدخل عسكرى أمريكى إسرائيلى مباشر فى سيناء بحجة «الحرب على الإرهاب».. فشل ذلك المخطط بعد نجاح الثورة الشعبية فى 30 يونيو دفع المخابرات الأمريكية لاختطاف أبوأنس الليبى وترحيله لواشنطن 5 أكتوبر 2013 لمحاولة دفن أسرار الصفقة ومحاكمته عن جريمة 1998. توصل الإخوان لاتفاق غزة الكبرى مع CIA والموساد الإسرائيلى والذى نشرت «الوطن» تفاصيله فى 10 سبتمبر 2013، ومقالنا التحليلى «موافقة الإخوان على مشروع تبادل الأراضى.. الأبعاد والدلالات والنتائج» فى 28 سبتمبر، يوضح تفاصيل جريمة تخابر وتآمر أخرى. دعم أمريكا للإخوان لا ينطلق فقط من مصالح استراتيجية مع الجماعة باعتبارها إحدى أدوات تنفيذ الشرق الأوسط الجديد، ولكنه يستند إلى موقف مهنى تلتزم به أجهزة المخابرات فى العالم ويتعلق بالحفاظ على العملاء وسرعة تخليصهم من قبضة الأمن أياً كان الثمن. مرسى وخيانة مشروع «كوندور» تبنّت مصر، خلال الثمانينات، مشروعاً لإنتاج الصواريخ الباليستية «كوندور» بالتعاون مع الأرجنتين والعراق.. تعاون فيه سراً العالم المصرى د. عبدالقادر حلمى الذى نجح من خلال عمله بشركه «تيليدين» بولاية كاليفورنيا فى تعديل نظام الدفع الصاروخى لمكوك الفضاء ديسكفرى باستخدام الوقود الصلب بدلاً من السائل تجنباً لانفجاره مثل المكوك تشالنجر 1982، ونظراً لاكتشاف أن منظومة باتريوت المضادة للصواريخ تستطيع رؤية «كوندور» واصطياده فى الجو، فقد تعاون حلمى مع المخابرات المصرية فى محاولة تهريب كمية من سبائك الكربون الأسود الخام والصاج المعالَج لإجراء التجارب الخاصة بمعالجة السطح الخارجى للصاروخ لإخفاء بصمته الرادارية وتقليل احتكاكه بما يطيل مداه. الدكتور محمد مرسى كان يقيم آنذاك فى كاليفورنيا -حيث مقر عمل حلمى- ويعمل ببرنامج محركات مركبات الفضاء بوكالة «ناسا» يحمل بطاقة الرقم القومى الأمريكى، وتربطه علاقات صداقة مع حلمى، وعلاقات تعاون مع CIA، التى لولاها لما حصل على تصريح عمل «ناسا».. مرسى غلّب عمالته للمخابرات الأمريكية على صداقته وولائه للوطن، وأبلغ CIA التى ألقت القبض على حلمى متلبساً بتهريب 470 كجم من قوالب الكربون وحُكم عليه بالسجن 46 شهراً والمراقبة 3 سنوات، كوندليزا رايس وصفت برنامج «كوندور» بعد ضبط وثائقه بالعراق بالكارثة، ولو اكتمل لتحولت بقية أنظمة الصواريخ بجواره إلى ألعاب أطفال! التخابر مع حماس وحزب الله وإيران تحريات الأجهزة الأمنية أوردت تفاصيل تعاون الإخوان مع حماس وحزب الله منذ 2008 لإحداث فوضى وتخريب واستهداف المسيحيين بما يساعدهم على إسقاط مبارك، التقى الإخوان فى نوفمبر 2010 بدمشق مع على أكبر ولايتى وخالد مشعل، للاتفاق على تولى الخبراء الإيرانيين تدريب ميليشيات الإخوان بمعسكرات «القسام» فى غزة، كما شمل التعاون إبان ثورة يناير 2011 اقتحام الحدود ب800 مسلح من حماس وحزب الله، والسيطرة على القطاع الممتد من رفح حتى العريش، والمشاركة فى اقتحام السجون ومراكز الشرطة وقتل 50 ضابطاً ومئات المتظاهرين، وتهريب عناصرهم وقيادات الإخوان و20 ألف سجين لإشاعة الفوضى فى البلاد، وذلك اعتماداً على مخططات وكروكيات وعمليات رصد وتصوير للأهداف والمنشآت الأمنية والحيوية قدمها الإخوان.. بعض تفاصيل هذا الموضوع كانت محور قضية أُحيلت مؤخراً لمحكمة الجنايات. التخابر مع «القاعدة» كان التعاون مع القاعدة جزءاً رئيسياً من خطة الإخوان لتأمين نظام حكمهم، الخطوات العملية لتفعيل هذا التعاون بدأت منذ اليوم الأول لدخول مرسى «الاتحادية»، اتصالات مكثفة مع محمد الظواهرى، شقيق زعيم القاعدة، للتنسيق ووضع إطار للتعاون، تولاها رفاعة الطهطاوى رئيس الديوان ونائبه أسعد الشيخة ابن أخت مرسى مسئول الاتصال مع التنظيم الدولى و«القاعدة»، تم تتويج ذلك بأول اتصال مباشر بين مرسى وأيمن الظواهرى بعد شهر من توليه الحكم، أعقبه عدد من الاتصالات نشرت «الوطن» تفاصيلها فى 22/11 و09/12/2013.. تفاصيل تعكس عمق علاقات التخابر والتنسيق والتعاون بين الإخوان والقاعدة ضد الأمن القومى للوطن. أول طلبات مرسى من أيمن الظواهرى دعم «القاعدة» للمجاهدين فى سيناء، ومساندتها للإخوان وتثبيت حكمه لمصر، أما الظواهرى فقد طلب الإفراج عن الجهاديين والإسلاميين المعتقلين، وتمويل أنشطتهم، وفتح معسكرات لتدريبهم بسيناء، مذكّراً مرسى بأن عناصر القاعدة كان لهم الفضل فى تحرير الإخوان وإخراجهم من السجون!! مرسى أصدر قرارات عفو رئاسية عن المدرَجين بالقوائم التى قدمتها القاعدة، وتعهد بعدم السماح للجيش بالعمل فى سيناء، ومنع تعرض الأمن للجهاديين، كما وعد بفتح معسكرات لتدريبهم بسيناء والمنطقة الغربية بمعرفة «القاعدة»، كذلك وافق مرسى على طلب الظواهرى الإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، وكلف عصام الحداد بالتنفيذ مقابل تنازلات سيادية لأمريكا (زيادة قوات حفظ السلام بسيناء- توطين أعداد من الفلسطينيين- السماح لإسرائيل بزرع أجهزة استشعار على الحدود)، التنظيم الدولى للإخوان قدم للقاعدة 50 مليون دولار تفعيلاً للاتفاقات. وعلى صعيد التعاون فى العمل خارج مصر اتفق مرسى والظواهرى على شن عمليات داخل السعودية، وإشعال الفتنة بين الشيعة والسنة، والأزمات داخل الإمارات، للحد من دعمهما لليبراليين فى مصر، كما وعد مرسى بالتعاون مع إيران للضغط عليهما والحد من نفوذهما بالمنطقة. الظواهرى من جانبه رتب استقبال وتدريب مجموعات من إخوان مصر بأفغانستان، ثم تسفيرهم لباكستان قبل عودتهم لمصر، دورات استهدفت «التطعيم الميدانى» لميليشيات الجماعة استعداداً لمواجهات توقعوها.. ما سبق كله علاقات تربط بين تنظيمات إرهابية، ولا يمكن تبويبه فى إطار تعاملات مؤسسة رئاسية. فى صبيحة 30 يونيو 2013 أعطى مرسى إشارة بدء العمليات الإرهابية للظواهرى، وطالبه بإثارة الفوضى، والقضاء على المعارضة، ودعم شرعيته كرئيس، الظواهرى أكد أنه سيقود الحرب ضد الجيش والشرطة بنفسه وسيشعل سيناء، ويشن عمليات إرهابية داخل مصر «ولن يسمح بسقوط الإخوان». الشاطر من جانبه استقبل محمد الظواهرى ووفد الجهاديين للاتفاق على تفاصيل خطة مساندة القاعدة لشرعية الإخوان.. إذن ما نخوضه حالياً هو حرب الإخوان و«القاعدة» ضد شعب مصر. من تربوا على «السمع والطاعة» منكرين الآية القرآنية «وجادلهم بالتى هى أحسن» قد لا يُرجى منهم خير.. فهل نأمل أن يفيق الأنصار والمتعاطفون؟! *** المشكلة الكبرى التى نعانيها مع محاكمات الفساد فى عهد مبارك، هى إما توجيه اتهامات تخلو من جرائم، على غرار محاكمات ضباط الشرطة لدفاعهم عن الأقسام ضد مقتحميها، أو اجتزاء نزر يسير من جرائم كبرى، كأن يحاكم مبارك وأبناؤه عن فيلات شرم الشيخ، مع إغفال جرائم إهدار المليارات.. النتيجة، أن تمر سنوات قبل صدور أحكام براءة أو غرامات محدودة، فتشيع حالة من الإحباط والسخط لدى المواطنين.. جريمة التخابر والتآمر ضد الوطن يحمل وزرها الإخوان بأوجه مختلفة منذ نشأة التنظيم وحتى الآن.. فلماذا، ولمصلحة من، لا نزال نجتزئ؟! ومتى يفتح القضاء الملف كاملاً؟!