تعرضت مصرُ لموجات كثيرة من الإرهاب وخرجت منها قويةً صامدة بفضل طبيعة شعبها الرافض للعنف فكراً وسلوكاً، وكما قيل سابقاً «مصر تنتج عنفاً لكنها لا تقبل أن يعيش فيها»، تنجب أيمن الظواهرى لكنه يعيش فى أفغانستان. فى كل مرة كانت مصر فى مواجهة جماعة أو تنظيم، لكن هذه المرة مصر فى مواجهة الجماعة والتنظيم وإرهاب دول كبرى. منذ أربعينات القرن الماضى، حين اغتال الإخوان القاضى أحمد الخازندار، وبعدها النقراشى، كانت تلك البذرة التى غرست قهراً فى طين التربة المصرية المفطومة على الأمن والأمان، وأخرجت نبتة خبيثة كبرت وترعرعت حين وجدت أفكاراً ترويها مثل أفكار سيد قطب، وقبله حسن البنا، وصولاً إلى مرسى والشاطر. لذا وجدنا فى كل تيارات العنف التى انتشرت فى العالم ملمحاً ورائحة من روائح فكر الإخوان الدموى، حتى القاعدة كانت فرعاً من أفرع تلك الشجرة تقوم على أفكار سيد قطب، وأفعال أيمن الظواهرى. وقس على ذلك كل ما حدث فى مصر من إرهاب وقتل وتدمير، خصوصاً مع بداية السبعينات بعملية الفنية العسكرية عام 74، وبعدها مقتل الشيخ الذهبى 77، ثم يتأسس عقد الثمانينات على أفكار الشيخ عمر عبدالرحمن، مفتى تنظيم الجهاد وقتها، ليبدأ بمقتل السادات، ثم نشاط الجماعة الإسلامية فى الصعيد، الذى تجلى فى محاولتهم السيطرة على مدينة أسيوط. بعدها يجىء عقد التسعينات لينتقلوا إلى مرحلة جديدة عنوانها الاغتيالات المباشرة للشخصيات العامة، وكان رفعت المحجوب ضحيتهم الأولى، ولم ينقض هذا العقد حتى ارتكبوا مجزرتهم الكبرى فى الدير البحرى بمدينة الأقصر فى 97، التى راح ضحيتها أكثر من 60 سائحاً أجنبياً، وكانت هذه المجزرة سبباً فى دخول السياحة المصرية نفقاً مظلماً لم تخرج منه إلا بعد وقت ومجهود كبيرين. ومع بداية الألفية الجديدة ظهرت التفجيرات والأعمال الإرهابية مستفيدين من تجربة القاعدة فى أفغانستان والعراق، وتجلى ذلك فى تفجيرات سيناء وشرم الشيخ فى 2004/2005 حتى وصلوا إلى تفجير كنيسة القديسين فى 2011. مما مضى يتضح أن المنهج الفكرى واحد، والممارسات واحدة، بل تتطور بفعل خبرتهم الإرهابية، كما أن أهدافهم أيضاً واحدة تبدأ من مؤسسات الدولة والمناطق السياحية وتنتهى بالاغتيالات الشخصية. لكن الجديد هذه المرة والمختلف والمخيف فى وقت واحد أن طوال موجات الإرهاب الماضية كانت مصر فى مواجهة جماعات وتنظيمات ودائماً كانت مصر تخرج منتصرة، لكن الذى اختلف هذه المرة أن مصر تواجه جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية الموالية لها، وفى نفس الوقت تواجه مؤامرات دول كبرى مثل قطروتركياوأمريكا بدرجة أقل الآن. وهنا علينا الإشارة إلى بعض ممارسات هذه الدول. الكل كان يستغرب من الموقف الأمريكى المُبالغ فى الدفاع عن مرسى وجماعته، والكل كان يتساءل ولم يصل السؤال إلى إجابته حتى خرجت بعض التسريبات والمعلومات التى تثبت أن أمريكا دخلت فى صفقة كبرى مع مرسى وجماعته متعددة الاتجاهات تبدأ من تأمين انسحاب القوات الأمريكية الموجودة فى أفغانستان العام القادم حتى يكون خروجهم خروجاً آمناً، وهذا تم بتدخل مرسى شخصياً مع أيمن الظواهرى الذى وافق بشروط أبرزها أن يعفو مرسى عن المعتقلين من التنظيم، وقد أوفى مرسى وتجلى ذلك فى عفوه الشهير كما نذكر، لكن مرسى طلب من الظواهرى الدعم والدفاع عنه وقت الحاجة، وهذا ما أثبته نص المكالمات التى نشرتها «الوطن» مؤخراً مع الظواهرى. وفعلاً تم تحريك مقاتلى القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، الذين كانوا موجودين فى مالى، إلى ليبيا وبدأوا فى إنشاء معسكرات تدريب لمقاتلين من الجماعة تحت دعم وعناية «أبوأنس الليبى ومفتاح جلهم» والمصرى «ثروت صلاح»، الذى يدير الأمور الآن هناك بعد أن اختطف الأمريكان «أبوأنس الليبى» الشهر الماضى فى محاولة منهم لدفن ملامح صفقتهم مع الإخوان قبل أن ينفضح أمرهم ليبدأوا فى تغيير مواقفهم تجاه مصر، وهذا ظهر فى تصريح جون كيرى بأن الإخوان اختطفوا ثورة 25 يناير. الدولة الأخرى التى دعمت وما زالت فهى تركيا، وهنا لا أقصد تصريحات أردوغان المستفزة إطلاقاً، وإنما أقصد رعاية المخابرات التركية لحركة التنظيم الدولى للإخوان، فهى التى استضافت التنظيم فى اجتماعه الأول وحتى اجتماعه الأخير منذ أيام قليلة، وكلنا يتذكر اجتماع إسطنبول قبل الأخير الذى تزامن مع اجتماع لاهور فى باكستان، حيث تم وضع الخطة الرئيسية للتصعيد سياسياً فى إسطنبول، وإرهابياً فى لاهور، وتم ضخ 2 مليار دولار كميزانية أولية لهذه الخطة. ثم تركيا أيضاً هى التى سهلت مرور القيادى فى القاعدة ثروت صلاح من إيران عبر أراضيها إلى ليبيا ليتولى إدارة المعسكرات التدريبية التى تضخ المقاتلين إلى مصر، والعمليات الانتحارية والتفجيرات التى تمت مؤخراً تحمل بصماته. وربما الخطوة الأخيرة التى أقدمت عليها مصر بإعلانها أن السفير التركى فى مصر شخص غير مرغوب فيه تنطلق من هذا الدور التركى المُريب. يبقى أن نشير إلى قطر التى كانت جزءاً مهماً فى ترتيب العلاقة بين القاعدة وأمريكا ومحاولتها تهدئة الصراع فيما بينهما، وكانت أيضاً جزءاً مهماً من صفقة مرسى مع الأمريكان من جهة، ومع القاعدة من جهة أخرى، وربما افتتاحهم لمكتب دبلوماسى لطالبان فى الدوحة دليل قوى على تلك العلاقة المشبوهة التى تديرها قطر مع القاعدة، أضف إلى ذلك علاقة قطر مع قادة القاعدة فى ليبيا، خصوصاً «مفتاح جلهم»، القريب منهم، فهم الذين أنفقوا عليهم أيام صراعهم مع القذافى، وهم الذين ما زالوا ينفقون فى صراعهم مع مصر. لذا أرى أن خطوة قطع العلاقات مع تركيا مهمة وإعادة تنشيط العلاقات مع روسيا هى صفعة إلى أمريكا، لكن الأمر يحتاج تأسيس تحالف مصرى خليجى قوى، ثم إقامة شراكة مع دول المغرب العربى، خصوصاً الجزائر والمغرب وموريتانيا، من أجل تضييق الخناق على القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى. كما أننا نحتاج أيضاً على مستوى الداخل أن يعى القائمون على إنجاز خارطة الطريق أن الوقوف عند صغائر الأمور سيضر بالالتفاف الشعبى وسيشتت الإرادة العامة تجاه سرعة الانتهاء من هذه الخارطة التى هى مركب النجاة لثورة 30 يونيو.